مركز الصناعة التقليدية "طرز وزرابي" بقالمة

من زمن الرفاهية إلى مرحلة الركود

من زمن الرفاهية إلى مرحلة الركود
  • القراءات: 1769
وردة زرقين وردة زرقين
تمثل الحرفة اليدوية التقليدية في بلادنا جزءا من الثقافة الجمالية، وتعتبر الصناعة في فن التطريز وحياكة الزرابي الرصيد الثقافي والحضاري والإنساني لسكان ولاية قالمة، لأنها تعرّف تراثهم وخصوصيتهم وتعكس التقاليد العريقة عندهم، فهذه المنطقة من بلادنا الشاسعة تمتاز بصناعات تقليدية معتبرة تمارس في المؤسسات التكوينية ولاتزال حتى في المنازل، نذكر منها حرفة الطرز التقليدي ونسيج الزرابي التي كانت تمارس في مركز الصناعة التقليدية «طرز وزرابي» بقالمة، الذي يشهد حاليا ركودا كبيرا منذ عدة سنوات.

اتجهت «المساء» مؤخرا إلى المركز في جولة للاستفسار عن الوضعية التي آل إليها، حيث يعد مركز الصناعة التقليدية «طرز وزرابي» التابع للتعاونية الفلاحية للخدمات والتموين في ولاية قالمة والمتواجد في مدخل المدينة من الجهة الشمالية ومقابل مصنع الدراجات النارية، من أقدم المراكز عبر تراب الوطن في تكوين البنات في فن الطرز وحياكة الزرابي، افتتح عام 1979 وتخرجت منه آلاف المتعلمات في هذه الصناعة اليدوية التقليدية، وكان المركز يضم سنويا أزيد من 800 فتاة من جميع الفئات العمرية ومختلف المستويات في تعلم وإنتاج مختلف أنواع الطرز وحياكة الزرابي، مصنفات على عدة أفواج وحسب اختيارهن لممارسة الحرفة، تترأسهن 14 ممرنة، إلى جانب ممرنتين من أصل إيطالي، ونظرا للمجهودات التي كانت تقدمها الدولة في التكوين وتعلم الحرفة التقليدية، كان المركز يشهد توافدا كبيرا، خاصة أن التعليم يتم مجانا، إلى جانب توفّر المادة الأولية من الصوف والخيط والآلات اليدوية والماكينات الخاصة بالزرابي (السدايا والخلالة)، والمعروف أن الزربية القالمية في تلك الفترة لها شأن وهي عبارة عن نسيج خشن من الصوف الطبيعي المصبوغ بعدة ألوان زاهية تستورد من باتنة، خنشلة والمسيلة برسومات متنوعة وزخاريف زهرية، وتتميز بالذوق الرفيع والمتانة، حيث تحتاج إلى الصبر والخبرة والإتقان في إنتاجها، وحسب السيدة ليلى دريدي، أقدم ممرنة بمركز الصناعة التقليدية «طرز وزرابي» بقالمة، فإن الزربية القالمية وصلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، كندا وغيرها في تلك الفترة، بحيث كان المركز ينتج أزيد من 60 زربية شهريا، خاصة أنه يحتوي على 20 ماكينة لحياكة الزرابي أو ما يعرف بالسدايا، وكانت المتكونات يتنافسن فيما بينهن في إنتاج الزربية في وقت قصير لتأخذ كل واحدة حقها في دفع الراتب مباشرة بعد بيع الزربية التي يختلف ثمنها حسب الحجم، إلى جانب إنتاج «القشابية» رمز الأصالة، حيث كان عليها الطلب متزايدا. من جهة أخرى كانت فتيات المركز يتفنن في مختلف أنواع الطرز من «نابل»، «الحساب»، «الحياكة بالصنارة»، «الكروشي» وغيرها لإنتاج «القفطان»، الأفرشة والأغطية المطرزة، «البرنوس»، مآزر الطبخ، «القندورة « المطرزة وغيرها.

والجدير بالذكر أن جهاز العروس القالمية كان يحضر في المركز. وتضيف المتحدثة أنه كانت لمركز الصناعة التقليدية «طرز وزرابي» بقالمة مشاركة في معرض أقيم بتونس سنة 1980، وتم بيع كل المنتوجات الحاضرة لجودتها العالية، كما كانت تقام معارض في الوطن وكان المركز يشارك بأرقى أنواع المنتوجات التي لقيت إقبالا كبيرا في الشراء، وتحفيزا لمجهودات المتكونات في إنتاج العدد الهائل من الطرز والزرابي بجودة عالية، كان مسؤولو المركز يثمنون قدراتهن الإبداعية وخبراتهن المهنية، وتقول دريدي ليلى بأن إقبال السياح على المركز كان كبيرا جدا، خاصة من حيث الطلبة الذين قدموا من العاصمة، سطيف، وهران، عنابة، تلمسان، بسكرة وغيرها وحتى المغتربين، حيث كان المركز بمثابة محجٍ لهم على مدار السنة لسنوات طويلة.

أسباب تراجع الإنتاج وعزوف الحرفيات عن هذه الحرفة

توفر الآلات والمادة الأولية واليد العاملة عوامل ساهمت في كثرة الإنتاج، مما جلب عددا هائلا من السياح إلى قالمة على مدار السنة في زمن الرفاهية، إلا أنه وللأسف، بدأت وضعية المركز تتراجع منذ سنين إلى أن أصبحت مزرية ويتجلى ذلك في تقلص الحرفيات من المئات إلى 10 حرفيات حاليا، 2 فقط منهن في نسج الزرابي و8 في فن التطريز. وفي هذا الإطار، طرحنا سؤالا على مدير المركز السيد بريكي خميسي عن أسباب تراجع الإنتاج وعزوف الحرفيات من المركز، وكشف لنا عن عدة أسباب أرجعها في البداية إلى سوء تسيير المركز من طرف المسؤولين القدماء، كما أن إنشاء مراكز التكوين المهني جعل المتكونات يفضلن التكوين للحصول على شهادات التخرج والاستفادة من العمل في المؤسسات والإدارات لتأمين حياتهن، على عكس مركز الصناعة التقليدية «طرز ورزابي» الذي يقدم التكوين دون منحهن شهادة أو راتب شهري أو تأمينا، والمركز حاليا عاجز كليا على منحهن راتبا شهريا، إلى جانب هذا كله الانتشار الواسع للمنتوج الصيني الذي طغى على المنتوج المحلي، وأضاف مدير المركز قائلا بأن من بين الأسباب كذلك؛ سياسة ما قبل التشغيل هذه الإشكالية، حسب قوله، ساعدت على عزوف أو شبه غياب المتكونات خاصة أنهن يأخذن راتبهن الشهري المقدر بـ15ألف دينار مقابل المكوث في البيت دون الالتحاق بالمركز. وأوضح المدير أن المادة الأولية متوفرة والمركز يستقبل يوميا الطلب في إنتاج مختلف أنواع التطريز من أفرشة، أغطية وكذا الزرابي لكن عدم توفر اليد العاملة حال دون ذلك.

من المسؤول عن التكفل بالمركز؟

قال بريكي خميسي مدير مركز الصناعة التقليدية طرز وزرابي بقالمة بأن المركز تابع للتعاونية الفلاحية للخدمات والتموين التي كانت تدعم المركز باعتبارها تملك رأس مال معتبر، واكتسابها لأموال تمكنها من شراء المادة الأولية والآلات اللازمة للتطريز والحياكة في ذلك الوقت، إلى جانب المقر الذي يعتبر ملكا لها، حيث كانت تخصص ميزانية خاصة بالمركز، لكن سوء تسيير المسؤولين أدى بالتعاونية إلى الحضيض.

وللحفاظ على الموروث الثقافي التقليدي واستمراره ونقله عبر الأجيال، باعتبار الحرفة اليدوية التقليدية هي الرصيد الحضاري للشعوب، لا بد من توثيق التواصل والحفاظ على الحرفة من عوامل الاندثار، وفي هذا الصدد يستوجب اجتهاد المسؤولين والقائمين على المركز لبعث نفس جديد وديناميكية جديدة لفن الطرز وحياكة الزرابي بالمركز، وفي هذا السياق كشف مدير المركز حاليا عن أنه تم اقتراح بالتنسيق مع مراكز التكوين المهني في ولاية قالمة في إطار تقديم دروس نظرية بالمراكز المهنية يتم تطبيقها على مستوى مركز الصناعة التقليدية طرز وزرابي بقالمة، وهكذا تكون مشاركة المتكونات جزء من الزيادة في الإنتاج وهذا ما تم الاتفاق عليه مع رئيس غرفة الصناعة التقليدية بقالمة مؤخرا، حيث سيتم تكوين مجموعة هائلة من الفتيات في هذا المجال، ومن جهة أخرى هناك دراسة في طور الإنجاز بتطبيق محضر بين الصندوق الوطني للتعاضدية الفلاحية ولجنة تسيير التعاونية الفلاحية للخدمات والتموين بالولاية لجعل مقر المركز جهويا لجمع الحليب وتمويل قالمة، سوق أهراس وعنابة لاستغلال عملية جمع الحليب حتى يصبح للتعاونية الفلاحية للخدمات والتموين رأس مال معتبر كالسابق، مما يساعد على استقطاب الحرفيات ودفع أجورهن، وبذلك تكون زيادة في الإنتاج، وأفاد المتحدث أنه تم اقتراح خاص بالمرأة الريفية من قبل في هذا المجال بإعطائها الآلة (السدايا) وكذا المادة الأولية لإنتاج الزربية في بيتها مع الوقوف على مدى جريان المشروع، إلا أن هذا الاقتراح باء بالفشل.

وفي انتظار تجسيد الاقتراحات المطروحة لإبراز الأعمال اليدوية التراثية وإبقاء المركز مفتوحا مع توفير الإنتاج المحلي ذي الجودة والنوعية العالية وبيعه في ظل منافسة المنتوجات الصينية وحتى التركية وباعتبار التراث المادي الجمالي من أعرق الصناعات التقليدية التطريزية بقالمة، يبقى الأمل قائما لبعث السياحة من جديد في هذه المنطقة، مما يفتح المجال على الاستثمار الاقتصادي والسياحي ويساهم في خلق مناصب شغل في الولاية.