المستشار بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، خالد يونسي ل«المساء»:

مكافحة السيدا يأتي ضمن تفعيل المنظومة الأخلاقية

مكافحة السيدا يأتي ضمن تفعيل المنظومة الأخلاقية
  • القراءات: 576
❊أ. محي الدين ❊أ. محي الدين

أشار السيد خالد يونسي، مستشار وزير الشؤون الدينية والأوقاف لـ»المساء»، على هامش مداخلته في فعاليات اليوم الدراسي لمكافحة الآيدز، إلى توجيهات وزير الشؤون الدينية حيال كيفية التعاطي والعمل في الميدان في كل المجالات، حيث شدد على ضرورة أن يكون عملا تشاركيا مع باقي القطاعات والمجتمع لخدمة الوطن والمواطن فيما يتعلق بالصحة بأقسامها الثلاثة؛ النفسية، العضوية والاجتماعية. كما عرج على مكانة الصحة في الإسلام وكيف أوصى نبينا الكريم بحفظها.

أوضح الأستاذ يونسي أن توجيهات الإسلام المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه، أعطت اهتماما كبيرا لصحة الإنسان الذي كرمه الله عز وجل، مؤكدا أن عمل وزارة الشؤون الدينية بخصوص مكافحة السيدا يأتي ضمن تفعيل المنظومة الأخلاقية في التوجيه والإرشاد، وهو ما يستوجب أن لا يظل الخطاب مقتصرا على الخطاب الديني، وإنما يأخذ بعين الاعتبار مقتضيات وثقافة هذا العصر، حيث حملت توجيهات وزير الشؤون الدينية الخروج من المؤسسات الدينية إلى المجتمع المدني، لتفعيل الدور الاجتماعي التوعوي المهم للمسجد، من خلال العمل على سبر أغوار الفضاء الإلكتروني، من خلال الشبكة العنكبوتية.

أكد أن تفعيل المنظومة الأخلاقية يتم عبر 17 ألف مسجد عبر الوطن، يؤمها أكثر من 15 مليون مصل ومصلية، ناهيك عن أولائك الذين يتابعونها عبر وسائل الإعلام. مشيرا إلى دور المرشدة  الدينية الذي أصبح رائدا، والدور الذي تلعبه المرأة الجزائرية التي أصبحت نموذجا يحتذى به في العالم العربي والإسلامي، ويقول محدثتنا «عندنا مدارس قرآنية نقدم فيها للطلبة والتلاميذ توجيهات في السياق العام، وكذا المراكز الثقافية الإسلامية الموزعة عبر الوطن ومعاهد تكوين الإطارات الدينية. نحن نهتم بتفعيل المنظومة الأخلاقية ضمن المنظومة التكوينية لإطارات الشؤون الدينية والأوقاف، حيث عملنا في الفضاء الإعلامي مع التلفزيون والإذاعات المحلية الجوارية، ولقاءاتنا مع الصحافة، إلى جانب فضاءاتنا الإلكترونية الرسمية وصفحاتنا على «الفايسبوك» وخدماتنا التي نتواصل من خلالها مع الجمهور والأئمة داخل الوطن وخارجه»، مضيفا أن الدور الذي تلعبه مجلة «رسالة المسجد» التي تصدر شهريا بمعدل 20 ألف نسخة، وتوزع على الأئمة، وتتطرّق إلى المواضيع المعاصرة والحدثين الوطني والدولي من منظور إسلامي وسطي معتدل. كما تجيب عن تساؤلات الناس، فرغم أنها للأئمة والمرشدات الدينيات، إلا أنها موجهة للمجتمع وصالحة كي يتناولها الفرد المثقف، ليجد فيها قيم المواطنة وثقافة الدولة وكل ما يطلبه الإنسان المعاصر.

الحكيم كرم الإنسان والمصطفى أوصانا بالتداوي

فيما يخص حرص الإسلام على صحة الأفراد ونظرته إليهم، قال الدكتور يونسي بأن الإسلام له توجيهاته الراقية والسامية، فهو يقيم الحياة على التوازن، والله سبحانه وتعالى قال في محكم التنزيل «ومن كل شيء خلقنا زوجين»، وهو التوازن الذي عبّر عنه القرآن بمصطلح «الميزان» في «والسماء رفعها ووضع الميزان»،. وفي آية أخرى قال عز وجل «لقد أرسلنا رسلنا بالبنيات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط». لذلك فالكون في مظهره المادي متوازن، بحكم القوانين الفيزيائية التي تحكمه، ويظل المجتمع متوازنا بأحكام الشريعة، والشريعة الكونية تمثل قوانين تحكم الحياة البشرية في هذا الوجود. فنظرة الإسلام للإنسان مقدسة، قال تعالى «ولقد كرمنا بني آدم». والله تعالى يشيد بخلق الإنسان بقوله تعالى «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم»، ولما تحدث عن مراحل الخلق قال «فتبارك الله أحسن الخالقين»، وهو ما يفرض علينا الاعتناء بالإنسان على المستوي الروحي والنفسي  والبدني، لأن الصحة أنواع؛ نفسية واجتماعية، فكل أنواع الصحة المتعلقة بالإنسان هي محل اهتمام القرآن الكريم وهدي النبي عليه الصلاة والسلام، وقال بأن لنا في تعاليم النبي ما يسمى بالطب الوقائي، لوقاية الإنسان من الوقوع في المرض أصلا، فإذا ما حدث المرض ووقع فالنبي يأمرنا بالتداوي ويقول «إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء فتداووا يا عباد الله».

يأتي موضوع مكافحة السيدا ضمن تحريم الإسلام للفواحش، والنبي عليه الصلاة والسلام ذكر أن الداء لا يمكن أن يكون دواء، فقال عليه الصلاة والسلام «إن الله لم يجعل دواءكم فيما حرم عليكم»، وتحديدا في موضوع السيدا، وقد حرم العلاقة بين الرجل والمرأة خارج الإطار الشرعي، وهو الزواج، وقال عليه الصلاة والسلام «ما ظهرت الفاحشة في قوم إلا ابتلاهم الله بالأسقام والأوجاع التي لم تكن قبلهم». فهذه تعاليم ديننا الحنيف التي تضمن للحياة استمرارها وهي صمام الأمان.

المخدرات والخمر جناية كبيرة على العقل

قال الدكتور يونسي في الحديث عن العلاقة بين المخدرات والآيدز بأنه من بين وسائل العدوى تعاطي المخدرات عن طريق الحقن،  والمخدرات والخمر جناية كبيرة على العقل الذي هو سر تكريم الإنسان ومناط التكليف فيه. فالإسلام يحرم كل ما يضر الإنسان، احتراما له وتقديسا لكرامته. قال رسول الله عليه الصلاة والسلام «لا ضرر ولا ضرار»، والقاعدة في شريعة الإسلام الضرر لا زال،  ولابد أن يحترم الإنسان كإنسان ولو لم يكن مسلما، كما فعل الرسول الكريم لما قام لجنازة يهودي وقيل له «يا رسول الله إنها جنازة يهودي، فقال أليست نفسا، فالله هو الخالق والإنسان هو صنعة الله عز وجل»، لهذا لابد أن يحافظ على صحته ويبتعد عما يضرها.

أضاف الدكتور قائلا «الإسلام اهتم بمقاصد الصحة وهي الطب والتداوي والعلاج، والنبي لم يكن طبيبا، لكن ذكر لنا بعض الحقائق المتعلقة بالكون الصغير وهو الإنسان. كما ذكر الحقائق المتعلقة بالكون الكبير، وطلب النبي من الصحابة أن يستفيدوا من طبيب تخرج في عصره من مدرسة الفرس، ونهى عن الاقتراب من بعض الأمراض في وصف خطورتها، على غرار الطاعون والجذام،  فقال «فر من المجذوم فرارك من الأسد». وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها «تعلّمت الطب من كثرة مداواتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره»، مضيفا أن أحكام الشريعة السمحاء تنبني على آراء الأطباء، فالفقهاء يصدرون فتاواهم وأحكامهم على أراء الأطباء.

حجة الإسلام الغزالي أنه أعاب على المسلمين في عصره، اعتمادهم على غيرهم من الأمم في الطب، لذلك امتزج الطب بالفقه، فأصبح في الحضارة الإسلامية فقهاء أطباء، وأصبح ما يعرف في حياة الإسلام بطبيب الفقهاء وفقيه الأطباء يجمع بين أحكام الشريعة والفقهاء، لأن الأمر يتعلق بحياة الإنسان.

حيال كيفية تعامل المسلمين مع توجيهات النبي مع الصحة المتعلقة بالإنسان، قال المستشار «لقد شكلوا المؤسسة التي تعنى بتطبيب المرضى وهي المستشفى، أولها ظهرت في عهد النبي على شكل مستشفى متنقل في خيمة رفيدة في غزوة الأحزاب، كانت تقدم الخدمات الصحية، ثم تطور الأمر في الحضارة العباسية، فأصبح المستشفى المتنقل يجوب القرى والمداشر في المناطق النائية، ثم تطور الأمر وأصبح المستشفى يستدعي وجود 40 جملا لحمل المعدات والوسائل، أي أن حجمه كبر، ثم ظهر المستشفى الثابت، ويسترسل بالشرح «في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك،  أصبح المستشفى مؤسسة اجتماعية تعرف باسم دار المريض،  وأخذت ثقافة المستشفيات تنتشر حتى بلغت الذروة، ففي قرطبة بنى الأمويون 50 مستشفى وظهرت في بغداد مستشفيات متخصصة للعسكر والمساجين، ثم ظهر ما يسمى بالمحطات العلاجية في الأسواق وجانب المساجد وكان الأطباء يعكفون على حراسة الجانب الصحي للمسلمين، ومنها مثلا، أن ابن طولون لما بنى مسجده، وضع فيه عيادة لأطباء مناوبين يعالجون المصلين، وعمل المسلمون تفعيلا لهدي النبي الكريم مستشفيات للرجال وأخرى للنساء، وفي كل منها تخصصات عبر الأقسام ويشرف عليها رئيس الأطباء وكانوا يعملون بالمناوبة ورواتبهم محفوظة، كما أن نظام التمريض في الحضارة الإسلامية كان بالمجان، يأتي للطبيب من أجل المعاينة، فيأخذ الدواء بالمجان وتقدم له منحة للغذاء حتى يحافظ على صحته بعد فترة النقاهة».

أ. محي الدين