كشف عنه في المعرض الوطني للكتاب

"مقاومة المرأة في شمال إفريقيا" تأريخٌ للأمازيغية

"مقاومة المرأة في شمال إفريقيا" تأريخٌ للأمازيغية
  • القراءات: 1379
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

شكلت ملامح مقاومة المرأة في تاريخ شمال إفريقيا القديم  عبر مختلف الحقب الزمنية، موضوع فعاليات ملتقى دولي احتضنته ولاية تبسة من 28 إلى 30 سبتمبر 2019. وأنتجت أشغال ذلك الملتقى الذي أبرز ملامح المقاومة النسوية في مختلف المجالات، قاعدة لتأليف كتاب صدر مؤخرا خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية 2021، عُرض لأول مرة في الصالون الوطني للكتاب الذي نُظم بقصر المعارض الصنوبر البحري في طبعته الأولى، ليصبح أحد المراجع المهمة في تاريخ مقاومة نساء شمال إفريقيا في التاريخ القديم.

وكان الكتاب الذي يحمل عنوان ـ باللغتين العربية والأمازيغية ـ "أشغال الملتقى الدولي.. مقاومة المرأة في شمال إفريقيا، من التاريخ القديم إلى القرن التاسع عشر"، مقسما بين جزءين؛ 169 صفحة باللغة العربية، و137 باللغة الفرنسية، حيث أشرفت المحافظة السامية للأمازيغية، على تحويل أشغال الملتقى إلى كتاب، لما أثراه المشاركون فيه حيال تاريخ مقاومة المرأة في شمال إفريقيا بين العصرين القديم والحديث.

ويُعد الكتاب مرجعا لأشغال الملتقى، الذي كان يهدف إلى تأسيس رؤية جزائرية حول التاريخ المغاربي للحفاظ عليه وتدويله، ونقله إلى الأجيال القادمة، إضافة إلى الاعتراف بالبطولات النسوية خلال مختلف الفترات الزمنية بمنطقة شمال إفريقيا؛ إذ تم احترام "كرونولوجيا" مداخلات الملتقى لتحويلها إلى كتابة، بداية من كلمة والي تبسة مولاتي عطا الله، الذي استهل حديثه قائلا: "أعظم ما شغل البشر في القضايا الاجتماعية في الماضي القديم والحديث والحاضر وما يشغلهم في المستقبل القادم، قضية المرأة. والمتتبع لتاريخ شمال إفريقيا لا يمكنه عدم ملاحظة مواقف النسوة ودورهم ومساهماتهم الوطنية لبناء المجتمعات، والتي كانت ملكة، وقائدة، وزعيمة، وشاعرة ومحاربة.

ولقد خلد التاريخ أمثالا كثيرة عن هؤلاء النسوة؛ حيث ذكر الكتاب الملكة تيهيا المعروفة بديهيا الأوراسية، التي قادت عدة مقاومات ضد الرومان والعرب المسلمين، وكذا تينهينان التي يذكرها التاريخ بالأم الروحية للتوارق. كما ذكر الكتاب أنيا إيليا رستيتوتا أو سيدة كالما "قالمة" الشهيرة بسخائها، والتي أنفقت من مالها الخاص لبناء المسرح الروماني بمدينة كلاما، إلى جانب الملكة مروى، التي استقرت مملكتها على الأراضي السودانية، ولايزال بنيانها إلى يومنا هذا شاهدا على مقاومتها، وهي الأهرامات السودانية، والملكة عليسة التونسية مؤسسة مدينة قرطاج، والتي عُرفت بتجارتها الواسعة وسيطرتها على بحار المتوسط، وكذلك لالة فاطمة نسومر، التي قادت عدة معارك ضد المستعمر الفرنسي في الجزائر، والتي لُقبت بـ "جان دارك" جرجرة، والشهيدة بن جدة مهنية، التي مثلت كفاح ونضال المرأة التبسية ضد المستعمر الفرنسي، كل هؤلاء اللائي ضحين بالغالي والنفيس في سبيل دحض الظلم، ومساهمتهن في خدمة قضايا حضاراتهن، ومثلن رموز مقاومة المرأة في بلاد المغرب القديم.

ويُعد هذا الكتاب مواصلة لأعمال الملتقى التي تندرج ضمن سياسة العمل التي أعدتها المحافظة السامية للأمازيغية بالتنسيق مع عدة هيئات، من بينها وزارة الثقافة والحركة الجمعوية؛ من خلال تنظيم ملتقيات حول شخصيات تاريخية، على اعتبار أن التاريخ مرجع أساس لدراسة الحاضر، والتطلع نحو المستقبل. تخللت تلك الصفحات مداخلات لعدد من الخبراء والأساتذة من مراكز بحث دولية، فضلا عن كلمة للأمين العام لمحافظة الأمازيغية، وكذا رئيس جمعية تيفاستين. وكانت المداخلات تتحدث عن النماذج الأثرية عن مكانة المرأة في الجانبين الديني والاقتصادي، ومساهمتها في الحياة العامة في الجزائر القديم لمجاني عز الدين، أستاذ محاضر في علم الآثار بجامعة ابن خلدون بتيارت.

كما جاء في الكتاب ملخص مداخلة محمد الهادي حارش، أستاذ التاريخ والحضارات القديمة بجامعة الجزائر 2، حول جوانب من مساهمة المرأة النوميدية في حرب المرتزقة 241-238ق.م، إلى جانب دكاترة لا تقل محاضراتهم أهمية عن سابقاتها في إثراء التاريخ القديم لمقاومات نساء شمال إفريقيا، كالدكتور مسرور عباس أستاذ بجامة عنابة، وسهيلة عجوت التابعة بمعهد الآثار بجامعة الجزائر 2، التي تحدثت عن المرأة في الأساطير الشعبية الأمازيغية، على غرار يما قورايا، وحلاق حسينة أستاذة بجامعة الجزائر 2، وعبد الحميد لونسي من جامعة الأدب واللغة والفنون بباتنة، الذي عرض دور المرأة في الحفاظ على الموروث الثقافي، وسامية تواتي، من جامعة ستراسبورغ الفرنسية، التي كان موضوع مداخلتها قيادة المرأة المقاومة الروحية أمام الاحتلال الفرنسي في الحرب والسلم. ولالة فاطمة نسومر ولالة زينب القاسمية كانتا نموذجين لمحاضرتها.

وحمل الكتاب بعض الصور لأوجه بارزة لشخصيات مذكورة في التاريخ، أغلبها كانت لتماثيل تلك الشخصيات التي نُصبت لذكراها، فضلا عن صور الدكاترة والمحاضرين المشاركين في الملتقى الدولي.

والجدير بالذكر أنه تم الكشف خلال أشغال الملتقى، حسبما تم ذكره في الكتاب، عن إصدار يندرج ضمن صيغة الطبع المشترك بين المحافظة السامية للأمازيغية ودار النشر قرفي، تحت عنوان "احكيلي الأوراس" لمؤلفه الكاتب والصحفي رشيد حماتو، الذي يكشف عن الأوجه الخفية لمنطقة الأوراس، الذي دعم الإصدار بـ 160 صورة وتعاليق تروي عمق هوية، وثقافة وتاريخ حضارة البلد.