الاستعمال العشوائي للمضادات الحيوية
مقاومة الجسم للأدوية السبب الأول للوفيات بحلول 2050
- 200
رشيدة بلال
يدقّ مختصون في الصحة ناقوس الخطر من تزايد ظاهرة الاستعمال المفرط والعشوائي للمضادات الحيوية، التي تحولت عند كثير من المرضى، إلى أسلوب علاج روتيني رغم ما تحمله من مخاطر صحية جسيمة على المدى الطويل. وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية، إلى أن مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، ستصبح بحلول سنة 2050، من أهم أسباب الوفيات عالمياً، متقدمة حتى على أمراض السرطان، والقلب.
ومع حلول موسم الخريف تكثر بعض الأمراض الناتجة عن العدوى البكتيرية؛ ما يدفع العديد من العائلات إلى اقتناء المضادات الحيوية من الصيدليات دون وصفات طبية؛ نتيجة الاعتياد على استعمالها، خصوصاً في حالات التهاب اللوزتين. وغالباً ما يقوم الصيدلي بشرح طريقة الاستعمال، التي أصبحت مألوفة للكثيرين، ليتم شراء الدواء واستخدامه بصورة عشوائية بهدف التخلص السريع من المرض دون وعي بخطورة ذلك.
وقد أصبحت المضادات الحيوية تحظى بشعبية واسعة في الثقافة العلاجية الجزائرية، باعتبارها أحد أسباب الشفاء السريع. غير أن هذا المفهوم، حسب الدكتور يوسف بوجلال، رئيس النقابة المستقلة لبيولوجيّي الصحة العمومية في حديثه إلـى "المساء"، خاطئ تماماً؛ إذ يؤكد أن أخطر النتائج الناجمة عن الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية، بروز ما يُعرف بـ"مقاومة البكتيريا للأدوية" ؛ ما يجعل الجسم عاجزاً عن مواجهة العدوى البكتيرية؛ لأنّ المقاومة تُفقد المضادات الحيوية فعاليتها كلياً.
وأضاف الدكتور بوجلال أن الاستخدام الصحيح للمضادات الحيوية يجب أن يستوفي ثلاثة شروط رئيسية: "الاعتماد على وصفة طبية" . فبعض الأمراض الفيروسية مثل الإنفلونزا الموسمية، لا تتطلب العلاج بالمضادات الحيوية؛ لأنها لا تقضي على الفيروسات. واستعمالها في هذه الحالات يُساعد الجسم على بناء مقاومة ضدها؛ ما يُفقدها فعاليتها مستقبل؛ لذلك من الضروري استشارة الطبيب قبل تناول أي مضاد حيوي و"إكمال مدة العلاج كاملة" ، والتي غالباً ما تكون سبعة أيام.
غير أن كثيرين يتوقفون عن تناول الدواء فور تحسن حالتهم في الأيام الأولى، وهو تصرف يؤدي إلى فشل العلاج، ويُساهِم في تعزيز مقاومة الجسم للمضادات الحيوية، و"احترام الجرعة والتوقيت المحدّدَين" ؛ إذ يجب التقيد الصارم بالجرعات التي يحددها الطبيب، ومواعيدها لتحقيق النتيجة المرجوة، وتمكين الدواء من أداء دوره في القضاء على البكتيريا.
وأشار المتحدث إلى أن الطبيب وحده، بناءً على المعطيات السريرية والفحوصات المخبرية، يمكنه تحديد نوع المضاد الحيوي المناسب لكل حالة مرضية. ففي الحالات المعقدة يتم إجراء فحوصات خاصة بمعرفة نوع البكتيريا، ومدى مقاومتها للمضادات الحيوية، ليتم اختيار الدواء الذي تكون البكتيريا ضعيفة أمامه؛ ما يضمن فعاليته، ويمنع تطوير المقاومة. هذه المعطيات العلمية غير المتوفرة لدى عامة الناس، تصنع الفرق بين الطبيب والمريض، وحتى الصيدلي.
وختم الدكتور بوجلال حديثه بالتأكيد على أن التحدي الأكبر الذي يواجه المختصين في الصحة، يتمثل في رفع الوعي الصحي لدى المواطنين بخطورة الاستعمال العشوائي للمضادات الحيوية؛ من خلال حملات ميدانية للتوعية والتحسيس، إلى جانب محاربة ظاهرة التطبيب الذاتي، والمطالبة بـتقنين بيع المضادات الحيوية عبر إصدار مراسيم تنفيذية تمنع بيعها دون وصفة طبية، على غرار ما هو معمول به في الدول المتقدمة.