مدارس الطبخ والحلويات في الجزائر

معاهد لصنع الأمل وتنمية المشاريع الناجحة

معاهد لصنع الأمل وتنمية المشاريع الناجحة
  • 150
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

في زمن التغيرات لم تعد الشهادات الجامعية المفتاح الوحيد للمستقبل، إذ برزت مجالات مهنية جديدة تستقطب أعدادا متزايدة من الشباب، وعلى رأسها فنون الطبخ وصناعة الحلويات، حيث لم يعد هذا المجال مقتصرا على المطاعم الكبرى والفنادق المصنفة، بل أصبح مسارا لبناء الذات، وتحقيق طموحات كثير من الشباب والفتيات الراغبين في إطلاق مشاريعهم الخاصة، لا سيما في ظل طفرة الترويج الإلكتروني التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أصبح بفضلها من السهل التعريف بالمنتج، والترويج له، وبلوغ زبائن من ربوع الوطن دون الاضطرار الى البحث عن محل أو معدات خاصة، للانطلاق في مشروع يدرّ أموالا جيدة على صاحبها.

ومن هواية الى احتراف تسمح تلك المدارس اليوم، بتقديم شهادات ولو بسيطة، تساعد في الانطلاق نحو عالم الشغل. وبعدما كان كثير من الشباب يبدأون علاقتهم بالطبخ كنوع من الهواية أو الفضول، وجد البعض أنفسهم أمام فرصة حقيقية لصقل تلك الموهبة، وتحويلها إلى مهنة تدرّ الدخل، وتمنحهم هوية مستقلة في سوق العمل. وهنا تحديدا تتدخل مدارس الطبخ والحلويات التي لم تعد مجرد أماكن لتعليم إعداد الأطباق، بل تحولت إلى منصات لبناء المهارات، وتغذية روح المبادرة في إنشاء مشاريع خاصة.

وفي الجزائر ازدهر نشاط تلك المدارس المتخصصة، وأصبحت تستقبل أعدادا متزايدة من المنتسبين سنويا، بعضهم حاصل على شهادات جامعية، والبعض الآخر ترك مقاعد الدراسة بحثا عن مسار بديل، يوفر منصب شغل في ظرف زمني قياسي. واللافت أن هذه المدارس أصبحت أكثر احترافية، حيث تستعين بطهاة محترفين، وتوفر برامج تدريب مكثفة، تشمل ليس فقط تقنيات الطبخ، بل، أيضا، مفاهيم التسويق، وإدارة المشاريع، وتطوير المنتجات، وغيرها من التقنيات التي تساعد المنتسبين على دخول عالم الشغل مباشرة بعد انتهاء فترة التربص.

مطابخ بسيطة وموارد جيدة

وسط هذا الزخم، برزت المرأة، خاصة الشابة، كفاعل رئيسي في هذا الحراك المهني الجديد. وكثير من الفتيات وجدن في الطبخ وصناعة الحلويات وسيلة للتحرر المالي وممارسة شغفهن في آن واحد، لا سيما في مجتمعات يكون فيها الخروج إلى سوق العمل محفوفا بالتحديات، وصعوبات في إيجاد عمل أساسا، وعبر مطابخهن البسيطة، وبدعم من الكاميرا وأدوات طُورت خصيصا لصانعي المحتوى، بدأن يسوّقن لإبداعاتهن عبر "إنستغرام" و«فيسبوك" و«تيك توك"، ليخلقن قاعدة جماهيرية وفية ومتعطشة للجديد تتبعهن بكل شغف، وتستقبل كل ما يُعرض عبر تلك الصفحات من "ستوريات" و«ريلز" حتى وإن كان ما يُعرض منها وصفات بسيطة ومعروفة أساسا، إذ تكفي بعض اللمسات وبعض الأسرار وحتى بعض العناوين الجذابة في إثارة فضول المتتبعين، وانتظار فترات العرض بكل تفاعل.

وتلمع اليوم عبر تلك القنوات، أسماء كثيرة لشباب وشابات برزوا في صناعة محتويات خاصة بالطبخ، آخرون بلغوا مرحلة إنشاء محلات صغيرة، وأخذ طلبيات كبيرة في صناعة الحلوى أو إعداد الطعام، أغلبهم مروا من خلال مدارس خاصة بالتكوين في ذلك. بدأ المتخرجون منها بصناعة الكعك التقليدي أو الحلويات العصرية في أركان صغيرة من بيوتهم، ثم تحولوا إلى رائدي أعمال مشاركين في المعارض والفعاليات، ويُطلب منهم تدريب الآخرين، وحتى المشاركة في برامج تلفزيونية.

وللجمعيات دور فعال

في هذا الصدد كان لـ"المساء" حديث مع عدد من مسيري تلك المدارس الخاصة بالطبخ بالعاصمة، جمعيات ومدارس وأكاديميات تختلف باختلاف حجم الاستثمار فيها.

بداية، كانت وجهتنا نحو جمعية المرأة الناجحة، التي حدثتنا خلالها ت. فراح، التي قالت: " بفضل التدريب الذي توفره مدارس الطبخ، صارت هذه المشاريع أكثر تنظيما ومهنية "، مشيرة الى أن الجمعية تشرف على تكوين كثير من الفتيات خلال السنة، تتخصص في تخصصات مختلفة، كل لها دافع معيّن، بين إتقان عملها في البيت، أو تكوين مشاريع صغيرة. وأضافت: " اليوم لم تعد النساء يكتفين بوصفات متوارَثة، بل تحاول المنتسبات تعلُّم أسس النظافة، والسلامة الغذائية، وضبط المقادير، وتقنيات الزينة، وحتى التغليف والتسعير. بعض المدارس تذهب أبعد من ذلك، إذ تخصص دورات في إدارة المشاريع الصغيرة، وتمنح المتخرجين شهادات معترف بها، ما يعزز فرصهم للحصول على تمويلات صغيرة، أو دعم حكومي، أو خاص ".

صناعة الحلويات تحقق أرباحا محترمة

من جهته، قال بدر الدين فرزي، شاف ومدرب بإحدى المدارس الخاصة بالرغاية، " اليوم مئات المشاريع الفردية في مجال الطعام والحلويات تحقق أرباحا محترمة، وتوفر دخلا شهريا ثابتا لأصحابها، دون أن تضطرهم للخروج من بيوتهم أو رهن مستقبلهم بوظيفة تقليدية؛ ما يدفع ذلك الواقع الى استقطاب الكثيرين نحو التكوينات لتعلُّم حرفة في الطبخ وفي تخصص معيّن. ولأن الطلب على الطعام لا يزول، فإن هذه المشاريع تحظى بفرص كبيرة للنمو، خاصة إذا أحسن أصحابها استخدام أدوات التسويق الرقمي، وأحسنوا إدارة مشاريعهم في ظل المنافسة الكبيرة ".

وبدوره، قال محمد من مدرسة تكوين رقمية، " لا يمكن الحديث عن ازدهار هذا القطاع اليوم دون التوقف عند دور وسائل التواصل الاجتماعي، التي غيرت قواعد اللعبة تماما. ولم يعد التسويق حكرا على الشركات الكبرى، بل صار بإمكان أي شاب أو فتاة أن ينشئ حسابا، ويعرض من خلاله صور أطباقه، وفيديوهات الوصفات، أو حتى لحظات من كواليس التحضير. هذا القرب الإنساني والصدق في العرض يجتذب المتابعين أكثر من الإعلانات المدفوعة. ويساهم في توافد الزبائن على عمل هؤلاء الشباب من رجال ونساء، بعضهم لم يتخطوا العشرين ".

ومن جانبها، قالت فاطمة من أكاديمية الطبخ ببلدية عين بنيان، " إن مدارس الطبخ والحلويات اليوم، ليست مجرد فضاءات تعليمية، بل حاضنات للأحلام الصغيرة التي تكبر يوما بعد يوم، وتترجَم إلى قصص نجاح حقيقية. إنها تفتح أبوابا كان الكثير يظنها مغلقة. وتعيد تعريف النجاح بعيدا عن النماذج التقليدية، خاصة ممن فوَّتوا فرصة مواصلة الدراسة مثلا. وفي عالم سريع الإيقاع، ومتغير، ومتشبع بالفرص الرقمية، فإن الطبق الذي نعده بشغف اليوم، قد يكون مشروع الغد الذي نفاخر به، ونبني عليه مستقبلا مشرقا ".