للخروج من ضنك روتين فرضه عليهم الزمن

مسنون في «حرقة» لمناسبات إنسانية

مسنون في «حرقة» لمناسبات إنسانية
  • القراءات: 1601
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

ينتظر المسنون المقيمون بدور العجزة، بعض المناسبات والأعياد للخروج من ضنك الروتين الذي يعيشونه، حيث تمثل هذه الاحتفالات بالنسبة لهم مناسبات مثالية للالتقاء مع أشخاص يتذكرونهم ويشاطرونهم أجواء ممتعة، بعدما ضرب أبناء هؤلاء عرض الحائط كل القيم التي تنص على بر الوالدين والاهتمام بهم بعد عجزهم.

وقفت «المساء» عند زيارتها لدار العجزة ببلدية باب الزوار، على واقع هؤلاء المسنين الذين أبدوا خلال تواجدنا هناك،  لإحياء رأس السنة الأمازيغية «يناير» مؤخرا، في حفل تقليدي ميزته العادات المختلفة لعدة مناطق من الوطن تحيي كل واحدة ذلك اليوم بما لها من تقاليد.

يعيش مجتمعنا اليوم مجموعة من الظواهر الاجتماعية السلبية التي خلفتها عادات دخيلة على ثقافتنا وعادتنا وأخلاقنا وديننا الحنيف، والتي ـ للأسف الشديد ـ أصبح البعض يمارسها دون تأنيب ضمير أو شعور بحرج لتلك الأفعال التي أقل ما يقال عنها بأنها مستنكرة، ضربت بذلك عرض الحائط بكل القيم الجميلة، فصارت بعض أسرنا تكاد لا تختلف كثيرا عن نظيرتها الغربية في فقدان المعنى الحقيقي للروابط الأسرية وانهيار تلك العلاقات القوية بين الأبناء وآبائهم. 

في ظاهرة تستحق الاهتمام، حرصنا على وصف جانب آخر لوضعية شيوخ «رماهم» الزمن، وهو مصطلح اعتاد البعض سماعه على لسان مسنين يعبرون به عن تأسفهم عن الحالة التي وصلوا إليها بسبب عقوق أبنائهم، وهي أحد المعتقدات الشعبية التي يؤمن بها البعض من أجدادنا، فإذا كان أحد الأسلاف قام بفعل مستنكر، سوف يدفع ثمن ذلك سبعة  أجيال متعاقبة..، هؤلاء المنسيون الذين ينتظرون بفارغ الصبر مناسبة صغيرة يبحثون من خلالها على «اللمة» التي تشبه تجمع العائلة..

تخلي بعض الأبناء عن أبائهم للعيش في دور المسنين لا يعني ذلك فقط التخلي عن «بركتهم» وإن حرمانهم من دفء بيوتهم، وحنان أطفالهم وأحفادهم، سلب منهم فرحة الأسرة، وتيتيمهم لجعلهم أباء دون أبناء، ظاهرة تفاقمت لدرجة أصبحنا اليوم نلاحظ التزايد الواضح لعدد دور العجزة التي أصبحت تغص بذلك العدد الهائل ممن بلغوا من الكبر عتيا،  فكان جزاؤهم إيداعهم في دور المسنين، إذ استغل بعض الأبناء عجز أبائهم لفرض واقع عليهم بعدما وصفوهم بـ «العائق على الأسرة ..»

يومها شاهدنا الفرحة التي غمرت هؤلاء المسنين بدار العجزة بباب الزوار خلال تواجدنا لإحياء يناير، حيث أبدى البعض منهم بحثهم عن إشراقة جديدة، وجو عائلي يلي لهم المشاركين في تلك الاحتفالات اهتماما خاصا، ويتذكرهم سواء بكلمة طيبة أو هدية صغيرة وغيرها من الأعمال  البسيطة التي ترجع لهؤلاء الأمل في الحياة، بعدما فقدناه بسبب تخلي فلذات أكبادهم عنهم.

نظراتهم كانت تبدو مشتتة، اقتربنا من هؤلاء المسنين، بعضهم فتح لنا قلبه وقص علينا واقعه الأليم، في حين رفض البعض الآخر وكأنهم اتهمونا بعدم الصدق.. فكيف لهم أن يثقون في غريب بعد أن خان أقرب الناس إليهم تلك الثقة وبكل سهولة تاركين إياهم بعيدا عن الدفئ العائلي.

أكد لنا بعضهم أن هذا النوع من الاحتفالات التي تشارك فيها أطراف من المجتمع المدني هي مناسبات ينتظرونها بفارغ الصبر، لمشاطرتهم فرحة حتى وإن كانت مؤقتة لإخراجهم من ضنك الحياة وتغيير ولو بشكل قليل أفكارهم وغبنهم إزاء وضعيتهم.