صرخة مريضات "السيلياك":

مرضنا غير معد ولنا الحق في الزواج

مرضنا غير معد ولنا الحق في الزواج
  • القراءات: 3415
رشيدة بلال رشيدة بلال

تحلم كل فتاة في الزواج وتأسيس أسرة وتربية الأبناء، غير أن بلوغ هذا الحلم الجميل صعب المنال، ليس بسبب قبح الشكل أو انعدام المستوى التعليمي الثقافي أو حتى الاقتصادي الذي أصبح مطلوبا جدا في الآونة الأخيرة، وإنما بسبب المرض، وإن كان منطق الأمور يعطي الحق للرجل في رفض المرأة المريضة وتحديدا المرض المزمن والمعدي، غير أن هناك أمراضا مزمنة وغير معدية مثل "السيلياك "الذي تعتبره المصابات سببا غير مقنع لحرمانهن من بناء العش الزوجي. حاولت "المساء" تسليط الضوء على معاناة هذه الفئة، فقصدت جمعية مرضى "السيلياك" لولاية الجزائر، التي تسعى بدورها إلى التعريف به والتحسيس باحتياجات المصابات به... تقربنا من بعض المصابات ورصدنا لكم جانبا من معاناتهن.

خيبتي في الارتباط جعلتني أنشئ جمعية للدفاع عن هذه الشريحة

التقينا برئيسة الجمعية الآنسة صفية جباري، التي قررت الخروج عن صمتها والحديث عن تجربتها في الارتباط، حيث خلفت لها ألما نفسيا عميقا قائلة: "للأسف، معظم المقبلين على الزواج من شباب اليوم يضعون معايير تكاد تكون خيالية لاختيار شريك الحياة، فالكل يبحث عن الطرف المثالي، هذا ما جعل الزواج عائقا كبيرا للعديد من مرضى السيلياك خصوصا النساء منهن اللواتي يعانين في صمت بين رفض المجتمع لهن ورفض واقع وجدن أنفسهن فيه من دون اختيار، لأن المرض ابتلاء من المولى عز وجل... كنت أعيش حالة مستقرة إلى أن أصبت بهذا المرض سنة 2008، فقد كنت أتمتع صحيا وأعيش حياة هادئة، أحمل طموح أية فتاة في مثل سني في تحقيق الكثير، حيث أكملت دراستي الجامعية وتوظفت وبدأت أخطط لمستقبل كنت أراه واعداً، لكن سرعان ما تغير كل شيء، إذ حدث أن توفيت والدتي وظهر مرضي وتدهورت حالتي الصحية، ولعل ما زاد من تعقد حالتي النفسية؛ انطلاق سيناريو تأجيل الزواج، لأنني كنت وقتها مخطوبة وكنا على وفاق تام، إلى أن صارحني باستحالة ارتباطنا، هذا الاعتراف كان بمثابة صدمة...

"تصمت قليلا وتردف: "حاولت بعد أن شككت في احتمال أن يكون المرض سببا، أن أشرح له واقع المرض بأنه مجرد حساسية تختفي أعراضه بالتقيد بالحمية إلى مدى الحياة، وأنه مرض غير معد، حاولت.. وحاولت... لكنني فشلت، تركني وأخذ معه كل طموحاتي، وقتها أصبت بخيبة أمل كبيرة، اعتزلت كل شيء إلى أن قررت يوما كسر هذا الفشل والنهوض من جديد  لأنني أملك قضية، وهي التعريف بالمرض وتحطيم جدار الخجل عند هذه الفئة، ومن هنا تبلورت فكرة تأسيس الجمعية لمساعدة من خاب ظنهم، والفضل بعد الله، كان لمجموعة أصدقاء جعلوني أتغلب على يأسي وتذمري، واليوم أعيش حالة نفسية هادئة مملوءة بالتفاؤل نحو حياة أفضل، ورغم أن أملي خاب في بناء أسرة، إلا أنني لم أقطع الأمل في التعرف على شخص يفهمني ويحتويني ويتقبل مرضي وشعاري في كل هذا "لا حياة مع اليأس".

لا أفكر في الارتباط وراضية بقدري...

أما صليحة من سيدي لكبير والبالغة من العمر 30 سنة، بعد أن علمت بمرضها وخضعت لعمليتين جراحيتين على مستوى اليد، ترى بأن أمر الزواج بالنسبة لها مستبعد تماما، خاصة أن كل من طلب يدها عزف عن إتمام المشوار لمجرد العلم بمرضها ودن الحاجة إلى الاستفسار عن ماهيته، ولأن المسكينة يومياتها تبدأ وتنتهي بين المستشفى وورشة الخياطة التي تعمل بها لتؤمن قوت يومها ودوائها تتسائل: من هو الشخص الذي يقبل في مجتمعنا فكرة الارتباط بامرأة مريضة حتى وإن كان مرضها بسيطا، فما بالك بالأمراض المزمنة؟ وتعلق: "حقيقية، المرض لا يعيق الحياة الزوجية طبعا، حسب طبيعة المرض، مثل مرض "السيلياك" الذي لا يعدو أن يكون عبارة عن حساسية اتجاه نوع معين من الأغذية، لكن أين هو الرجل الذي يتقبل الفكرة، حتى وإن تقبلها هو ودافع عنها، لا يجد من يسانده لأن العائلة في مجتمعنا أيضا ترفض فكرة تزويج الابن بامرأة مريضة، لذا، لا أفكر في الارتباط وأنا راضية بقدري كما هو. 

نورة تنتظر ما يخفيه لها القدر

الآنسة نورة من باب الوادي 45 سنة، ماكثة في البيت، اختارت إخفاء حقيقة مرضها حتى لا ينظر إليها من باب الشفقة على حالها، وحتى لا تكنى بالمسكينة وتقول: "لا أفكر في الارتباط، لأن هذا سيدخلني في متاهات أنا في غنى عنها، ويأتي في المقام الأول ضرورة الإفصاح عن حقيقية مرضي الذي سيجعل كل من حولي ينفرون مني وينظرون إلي بعين المشفق المتحسر وتعلق: "المصارحة  بالنسبة لي تعني التوقف عن الحمية، وهذا أدخلني في صراع نفسي انتهى برفض الزواج جملة وتفصيلا وانتظار ما يخفيه القدر، عله يكون شيئا جميلا". 

إخباره بالمرض كلفني فسخ العقد

قصة حياة من حسين داي، 30 سنة، مختلفة نوعا ما، إذ اختارت أن لا تخبر خطيبها بحقيقة مرضها، ربما من منطلق أنه سيغير رأيه أو لاختبار مدى حبه وتمسكه بها، وعندما حل موعد العرس خرجت عن صمتها وأخبرته عن مرضها المتمثل في حساسيتها تجاه كل ما هو غذاء يحتوي على مادة الغلوتيين، والحمية التي ينبغي لها أن لا تخرج عنها طيلة حياتها كي لا تتعرض لأي نوع من الانتكاس، فما كان منه إلا أن فسخ العقد ببساطة وتركها رغم أنهما كانا متحابان وانقطعت عنها كل أخباره، ولتنتقم من نفسها،  قررت أن تتوقف عن الحمية، رغم علمها بخطورة ذلك على صحتها وقطعت كل علاقاتها مع المريضات أمثالها وقررت الانعزال عن المجتمع.