عمليات جراحية مكلِّفة وتنامٍ خطير للداء

مرض اعوجاج الظهر ينخر صحة التلاميذ

مرض اعوجاج الظهر ينخر صحة التلاميذ
  • القراءات: 1439
رضوان قلوش رضوان قلوش

مع بداية الدخول المدرسي للموسم الجديد والتحاق ملايين التلاميذ بمقاعد الدراسة، عاد الحديث عن ثقل المحفظة المدرسية، الذي يبقى من بين أهم المشاكل الصحية التي تهدّد تلاميذ المدارس، خاصة في الطور الأول الذي يُعد تلاميذته الأكثر تضرّرا من ظاهرة ثقل المحافظ الدراسية، والتي كثيرا ما تتسبّب في مرض اعوجاج الظهر أو ما يُعرف بـ ”تقوّس الظهر”؛ حيث تسجّل المستشفيات سنويا عشرات الحالات لتلاميذ تعرضوا لمشاكل اعوجاج الظهر وخضعوا لعمليات جراحية دقيقة جراء حقائب الدراسة الثقيلة.

تمكن الأطباء المتخصصون بمستشفى طب وجراحة الأطفال ”محمد بوخروفة” (كناستيل سابقا) بوهران بالتعاون مع مختصين من فرنسا خلال السنة الجارية، من إجراء 31 عملية جراحية لأطفال مصابين باعوجاج الظهر، وهو المرض الذي يكلف علاجه بالخارج ما لا يقل عن 26 ألف أورو للعملية الواحدة، في وقت تم، العام الماضي، إجراء 23 عملية مماثلة، ما مكّن من تفادي تكبيد الخزينة العمومية الملايير على عمليات ناجحة بأرض الوطن.

وحسب مدير مستشفى طب الأطفال ”محمد بوخروفة” بوهران السيد مصطفى بن سهلة، فإن الطاقم الطبي بالمستشفى المتخصص تمكّن خلال السنة الجارية، من تحقيق نتائج باهرة، تمثلت في علاج أطفال مصابين بمرض اعوجاج الظهر الذي يصيب الأطفال عادة، إذ تم علاج 31 طفلا، وكان من بين العمليات الناجحة عمليات أشرف عليها طاقم طبي جزائري مع زرع للفقرات بدون أي مساعدة في اليد المتخصصة الأجنبية، فيما خضع 10 أطفال آخرين لعمليات جراحية معقدة بالتنسيق مع بعثات طبية من مستشفيات فرنسية متخصصة.

وأكد مدير المستشفى السيد بن سهلة أن الطاقم الطبي بالمستشفى حقق تقدما كبيرا في هذا النوع من الجراحات الدقيقة التي تُعد نادرة على المستوى الوطني أمام ارتفاع حالات اعوجاج الظهر لدى الأطفال في السنوات الأخيرة ومخاطره على الأشخاص خاصة بعد تجاوز سن 4 أعوام. وأكد المدير أن التكفل بالأطفال المصابين باعوجاج الظهر يأخذ منحنى تصاعديا؛ ما سيؤدي إلى تكفل تام بكل الحالات التي تعاني من المرض الخطير.

من جانبه، أكد الدكتور المتخصص في هذا النوع من الجراحات محمد سوداني الذي أشرف على العمليات، أكد لـ ”المساء” في لقاء سابق، أن التقدم الذي أحرزه الطاقم الطبي يُعدّ سابقة نوعية في طب الأطفال على المستوى الوطني، موضحا أن العمليات الجراحية للأطفال المصابين باعوجاج الظهر لم تنته، بل سيتم تسطير عدة عمليات جراحة للأطفال المصابين أمام الطلبات الكثيرة المسجلة في المصلحة، وهي الحالات القادمة من مختلف ولايات الوطن. وأضاف الدكتور سوداني أن مثل هذه العمليات تكلف أكثر من 26 ألف أورو بالمستشفيات الجراحية المتخصصة في فرنسا لكل حالة، وهو متوسط العمليات التي قد تتجاوز ذلك بكثير؛ ما يؤكد أن مساعي المستشفى تحققت بتوفير العلاج محليا وتوفير الملايير على الخزينة العمومية.

ثقل المحافظ المدرسية... المتهم الأول

وعن أسباب المرض كشف الدكتور محمد سوداني أن جل الحالات تعود إلى ثقل المحافظ المدرسية، الذي يؤثر على التلاميذ المتمدرسين بمرور السنوات، خاصة أمام ثقل المحافظ وحمل التلاميذ الحقائب المدرسية والمشي بها لمسافات طويلة يوميا، ما يؤثر على العمود الفقري لصغار السن، ويؤدي به إلى الاعوجاج إلى جانب بعض الحالات الخلقية.

كما كشف مدير المستشفى أن مصالحه شرعت في إجراءات خاصة لتفادي نمو هذا المرض وسط التلاميذ؛ من خلال تنظيم زيارات ميدانية للمؤسسات التربوية، قصد البحث عن المصابين بمرض اعوجاج الظهر، ومساعدتهم على العلاج وخاصة الحالات الجديدة التي لا تعاني اعوجاجا كليا ويمكن علاجها قبل دخولها المرحلة النهائية، التي تتطلب الخضوع للعمليات الجراحية. وقد تكفّلت الوحدات بالحالات المصابة بتقوس الظهر عن طريق العلاج الوقائي، واستخدام المصابين حزام شد الظهر لتخفيف الآلام وتقويم الظهر وإزالة الانحناء، علاوة على تقديم النصائح والإرشادات للأولياء.

من جانبه، كشف مدير العيادة المتخصصة في التأهيل الوظيفي وجراحة العظام وعلاج ضحايا حوادث المرور بوهران، أن العيادة التي تُعد الوحيدة من نوعها على مستوى غرب البلاد، تقدم خدمات نوعية لسكان الجهة، مشيرا إلى أن تطور التكفل بالمرضى عرف منحنى تصاعديا كبيرا، كان عاملا في تطور العيادة التي تتماشى ونوعية الإصابات التي تصلها، وتتعامل معها الأطقم الطبية بكل احترافية خاصة في مجال جراحة اعوجاج الظهر عند الأطفال، الذي كان حكرا على مستشفى بواسماعيل بالعاصمة، غير أن العيادة تمكنت من الوصول إلى إجراء 20 عملية جراحية.

بالمقابل، تشير المصالح الطبية إلى أن جل حالات مرض تقوّس الظهر ناتجة عن ثقل المحفظة خاصة في الطور المتوسط، بالإضافة إلى عدم وجود محافظ تحترم الشروط البيداغوجية والحجم الكبير للكتب والأدوات المدرسية، حيث يضطر التلميذ لحمل كميات كبيرة من الكتب والدفاتر في اليوم الواحد أمام كثافة البرنامج الدراسي. كما تعود أسباب انتشار هذا النوع من الإصابات التي تمسّ العمود الفقري، إلى طريقة جلوس التلميذ داخل القسم، والتي غالبا ما تكون غير متوازنة، فضلا عن بقاء الأطفال أمام شاشات التلفزيون في البيت وأمام الحاسوب لمدة طويلة. كما تشير أرقام عن الظاهرة أُعلن عنها في وقت سابق، إلى أن نسبة الذكور تشكل 53 بالمائة من العدد الإجمالي للمصابين مقارنة بـ 47 بالمائة وسط الإناث. وتتوزع الحالات المسجلة على 63 بالمائة في الطور المتوسط، وعند تلاميذ السنتين الرابعة والخامسة ابتدائي بنسبة 17 بالمائة.

مشروع الخزائن معلَّق ومبادرة فريدة من الأساتذة

بالمقابل، كشف عدد من الأساتذة الذين التقتهم ”المساء”، أن مصالح وزارة التربية كانت أعلنت منذ سنوات، عن مشروع خاص بإنجاز خزائن للكتب والكراريس لصالح التلاميذ عبر المؤسسات التعليمية، وهو المشروع الذي جُسّد فعليا في بعض المؤسسات التعليمية التي اختيرت كنماذج، غير أن المشروع توقف بدون ذكر للأسباب في وقت يواصل التلاميذ عناء نقل الكتب والكراريس يوميا من منازلهم نحو المؤسسات التعليمية، خاصة لدى التلاميذ القاطنين بأماكن بعيدة، والذين يعانون كذلك من مشكل النقل المدرسي.

وأكد الأساتذة أنهم لجأوا بالتنسيق مع المديرين والأولياء، إلى استحداث طريقة خاصة، حيث يتم الإبقاء على الكتب المدرسية بالقسم لتجنّب نقلها بصفة يومية، مقابل التزام الأولياء بشراء كتب إضافية لأبنائهم وتركها بالمنازل من أجل المراجعة. ويؤكد الأساتذة أن هذه الطريقة لقيت استجابة من الأولياء، رفعت الكثير من الغبن عن التلاميذ الذين استحسنوا المبادرة وأصبحوا لا يعانون من ثقل المحفظة المدرسية.

وأكد الأساتذة أن وزارة التربية ملزمة بإعادة النظر في المشروع، وإعادة تحريكه رغم إعلان الوزارة عن تخفيف حجم الكتب بنحو 2 كيلوغرام، غير أن ذلك يبقى غير كاف لحماية صحة التلاميذ.