من أجل صيام آمن

مراجعة الطبيب والتحلي بالثقافة الاستهلاكية

مراجعة الطبيب والتحلي بالثقافة الاستهلاكية
  • القراءات: 844
 حنان. س / أحلام محي الدين حنان. س / أحلام محي الدين

يوصي المختصون في الصحة المرضى بمراجعة أطبائهم خلال فترات متقطعة من السنة، للوقوف على وضعهم الصحي وتفادي المضاعفات الصحية والمشاكل التي قد تجلبها الغفلة، ولأن شهر رمضان على الأبواب، يستوجب على المرضى الذين يشق عليهم الصيام زيارة الطبيب، خاصة أن لهم رخصة من الحليم العليم، فهناك من يستغلها وهناك من يعتمد على مدى قدرته على التحمل لإتمام الفريضة، وبين هذا وذاك تبقى زيارة الطبيب لازمة، وهو الشق الذي يغفل عنه الكثير من المرضى، حيث تبين في استطلاع لـ"المساء" أن مرضى "السيلياك" مثلا يرجحون كفة الصيام لمعيار مقدرتهم على الفعل والأمر نفسه بالنسبة لمرضى السكري الذين يمكنهم الدخول في غيبوبة بفعل انخفاض نسبة السكر في الدم. "المساء" تحدثت إلى المختصين ونقلت نصائحهم للمرضى في سبيل صيام صحي أو رخصة صحية.

مختصون يؤكدون: صيام مريض السكري في يد الطبيب المعالج

شكّل السكري ورمضان محور يوم دراسي جمع بين مرضى مصابين بهذا الداء وأطباء مختص، في نقاش مفتوح حول المسموح والممنوع في صيام مريض السكري، ولئن أجمعوا كلهم على أن صوم المريض من عدمه يقرره الطبيب المعالج، إلا أنهم اتفقوا جميعا على أن نسبة كبيرة من المرضى يتجاوزون توصيات أطبائهم ويصومون، فتظهر مضاعفات ذلك شهرا واحدا بعد انقضاء شهر الصيام، بتسجيل حالات إصابة بجلطات دماغية، شلل نصفي وحتى جلطات قلبية قد تفضي كلها إلى الوفاة.

اعترفت المختصة في السكري البروفسور فريدة لاسيت، من مستشفى "نفيسة حمود" بأن الكثير من مرضى السكري، خاصة منهم الفئة العمرية 16-18 سنة، يتحدون مرضهم وتوصيات أطبائهم المُعالجين ويصومون رمضان. واستعملت المختصة العبارة الشعبية القائلة "يبّسوا راسهم" في وصفها لحالة إصرار هؤلاء المرضى على أداء ثالث ركن من أركان الإسلام وهو الصيام، وتؤكد في حديثها إلى "المساء" أن الطبيب يجد نفسه في حيرة شديدة أمام إصرار المريض على صيام رمضان، "لذلك من الأحسن التأكيد على أهمية التربية الصحية لهؤلاء المصابين ومن ذلك قياس السكري كل صباح.

في السياق، تلح المختصة على أن قياس السكري صبيحة كل يوم رمضاني أساسي، فإن كان أقل من 0.70 غراما/ملل أو أكثر من 3 غراما/ملل لابد من قطع الصوم فورا، كذلك الأمر إذا كان هبوط السكري أو ارتفاعه في منتصف النهار أو حتى قبيل الإفطار، ورسالتنا للمريض في هذا الصدد واحدة: "اقطعوا الصوم لأن الله يوصي بأن لا تودوا بأنفسكم إلى التهلكة، ومن أراد أن يصوم بعد انقضاء الشهر الفضيل فليفعل، ولكن احذروا".

من جهتها تؤكد الدكتورة فتيحة سعدون، المختصة في الطب الداخلي بمستشفى الثنية، على أن الكثير من المرضى لا يأبهون لتحذيرات الطبيب المعالج ويصومون رمضان في تحدٍ واضح لحالتهم المرضية، تقول: "ونحن في هذه الحالة نؤكد أن كلمة الطبيب المعالج كثيرا ما لا تسمع، لذلك أصبحنا نشدد على التربية العلاجية للمريض وما يجب فعله في حالة هبوط السكري، لكن نتحدث في هذا المقام على السكري من الفئة الثانية، أما المصاب بالسكري من الفئة الأولى فلا يصوم قطعا، لأن لديه 3 حقن أنسولين في اليوم".

في السياق تشرح الدكتورة سعدون في حديثها إلى "المساء"، أن مرضى السكري يختلفون باختلاف مدة إصابتهم بهذا الداء، فالشخص الذي يعاني من السكري "1" لمدة ثلاثين سنة يختلف تماما عن المصاب بنفس الداء منذ 3 سنوات مثلا، لذلك فإن التعايش مع المرض ومعرفة المسموح والممنوع بالنسبة لكل حالة مرضية مهم جدا، غير أن المختصة تؤكد هي الأخرى أن نسبة كبيرة من المرضى يتجاوزون كل نصائح الأطباء ويصومون، لتظهر مضاعفات ذلك السلوك شهرا واحدا بعد رمضان، تقول: "رغم التحذير المتكرر لمرضانا إلا أننا نسجل كل سنة حالات إصابة بجلطات قلبية أو جلطات دماغية تؤدي إلى شلل نصفي وقد تفضي حتى للوفاة، ناهيك عن المضاعفات السلبية على الكلى والعين وغيرها، وهنا أسوق مثالا عن حالة مصابة بالسكري، رغم تحذيري لها بعدم الصوم، إلا أنها صامت كامل رمضان وكانت دائما تقول بأنها بخير طوال الشهر، وبمجرد مرور شهر واحد عن انقضاء رمضان أصيبت بجلطة دماغية وكان من الممكن أن تتوفى، يعني إذا قال الطبيب لا تصوم فقد أخذ على نفسه المسؤولية، وهذا بحد ذاته شيء كبير، فلماذا يتحدى المريض طبيبه ومرضه ويؤدي نفسه للهلاك؟ تتساءل المختصة لتجيب بعد ذلك؛ "أعتقد أن الفرد متعصب بشأن الصوم بعض الشيء، فأنا أتساءل؛ لماذا لا يظهر احترام الدين في الحياة اليومية بين الناس، نحو المجتمع، نحو البيئة.. وغيره ليحاول نفس الفرد إظهار مدى تعصبه لدينه فقط في رمضان! وهنا أقول بأن الله يحب أن تؤتى رخصه مثلما يحب أن تؤتى عزائمه، لذلك أكرر أن الفصل في صيام مريض السكري من الفئة الثانية في يد الطبيب، وهو من يتحمل المسؤولية".

من جهته تحدث البروفسور فتحي بن اشنهو، المختص في الأمراض الباطنية، عن المسموح والممنوع ليس في صيام المريض، فتلك مسألة يفصل فيها الطبيب المعالج حسب كل حالة مرضية، وإنما في نوعية الغذاء المسموح به، وهذا ليس للمرضى فحسب وإنما لجميع الأفراد. ويشير البروفسور إلى أن ما يسيء لصحة الفرد هو كمية الطعام التي تؤكل وليس فقط النوعية، موضحا أن طعام رمضان وإن كان متنوعا بما يخدم الصحة إلا أن الإشكال الكبير يتحدد في كمية الخبز، يقول: "نمط غذاء رمضان جيد بالنسبة لصحة الإنسان، لذلك لا غرابة في قول الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ‘صوموا تصحوا’، لكن الإشكالية الكبيرة تنحصر في الكمية وليست النوعية، وهنا أؤكد على أن معضلة الطعام الرمضاني تنحصر أساسا في أكل كميات كبيرة من الخبز وهذا له انعكاسات سلبية على الصحة، ولا غرابة أيضا في قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ‘وإذا أكلنا لا نشبع’، أي نأكل قليلا وليس الشبع إلى حد التخمة التي تكثر خلال شهر رمضان سواء للأصحاء أو المرضى".

وفي سياق متصل، تحدث المختص عن مشروبات وحلويات رمضان التي يكثر استهلاكها بسبب السهرات والزيارات العائلية، فأشار إلى خطورة المشروبات الغازية عموما وليس فقط على المرضى، معتبرا أن هذه المشروبات إلى جانب العصائر والحلويات الرمضانية، مثل "الزلابية" و"قلب اللوز" و"المقروط" وغيرها تمثل كارثة حقيقية على الصحة، إذا علمنا أن كأس مشروب غازي أو حتى عصير يقابله 8 حبات سكر، حبة "مقروط" معسلة، معناه 4 حبات سكر، بينما حلوى "زلابية" واحدة يعني 75 غراما من السكر أي 17 حبة سكر تؤكل دفعة واحدة.. وهذا كثير، لذلك نحن نؤكد على أن الحذر ليس فقط باتباع رأي الطبيب فحسب، وإنما أيضا الحذر فيما نأكله خلال رمضان".