فيما تلقى مسؤوليتها على كاهل الأمهات

مختصون يحثون الآباء على مساعدة أبنائهم على المراجعة

مختصون يحثون الآباء على مساعدة أبنائهم على المراجعة
  • القراءات: 2190
رشيدة بلال رشيدة بلال

نجاح الأطفال في الدراسة وتحصيل علامات جيدة أمر يتطلع إليه كلا الوالدين، غير أن بلوغ هذه النتيجة يتطلب الاعتماد على وسيلة مهمة، هي المراجعة مع الأهل، إذ تجعل الأطفال على بينة لما يقرؤونه ويسهل عليهم الاستيعاب، لكن من يتحمل مسؤولية المراجعة؟ الأب الذي يعود من العمل في ساعة متأخرة من النهار ويرغب في الحصول على قسط من الراحة، أم الأم التي تكاد لا تجد وقتا للعناية بنفسها لكثرة انشغالاتها، خاصة إذا كانت عاملة؟

تلقى مسؤولية مراجعة دروس الأطفال في كثير من الأحيان على الأم، من منطلق أن كل ما يتعلق بتربية الأبناء يعتبر من صميم التزاماتها، بينما يتذرع الأب بالتعب والإرهاق جراء ما يبذله من جهد طيلة اليوم في سبيل تحصيل لقمة العيش، وهو ما كشفت عنه  لـ”المساء” معظم النسوة المستجوبات اللائي أكدن أن الأب ما أن يدخل إلى المنزل حتى يطلب من زوجته وجوب تأمين الهدوء والسكينة، ليتسنى له الحصول على قسط من الراحة أو يتفرغ لمشاهدة بعض البرامج التلفزيونية الإخبارية أو الرياضية، ويرفض في المقابل القيام بأي عمل آخر بحجة الإرهاق، تقول السيدة ربيعة أم لطفلين ”بأن زوجها، رغم أنه متعلم وعمله غير مرهق، كونه يعمل في السلك الإداري، غير أنه يرفض القيام بأي جهد بعد الدخول إلى البيت، ولا يسأل ابنيه حتى عن يومهما في المدرسة وكيف أمضياه، في المقابل يقع على عاتقها، إلى جانب القيام بالأعمال المنزلية المتراكمة، مسؤولية مراجعة دروس أبنائها حتى يتمكنا من تحصيل نتائج إيجابية وتعلق؛ ”في معظم الأحيان ألغي بعض الواجبات المنزلية؛ كغسل الثياب أو تنظيف الأرضية، ليتسنى لي توفير بعض الوقت لأبنائي. وهو ما أكدته سيدة أخرى تعمل بقطاع الصحة، إذ أفادت أنها أم لثلاثة أبناء يدرسون في أطوار تعليمية مختلفة، حيث تجبر بعد الدخول إلى المنزل على تخصيص وقت كاف لهم لمعرفة ما يدرسون، وتضطر أحيانا إلى اقتناء طعام جاهز لتتمكن من ربح وقت إضافي، بينما تقر أن زوجها حاد الطباع ولا يملك من الصبر إلا القليل، الأمر الذي يجعله يتجنب الدخول في نقاش مع أبنائه حول دروسهم ويكتفي بالقول؛ إن مسؤولية مراجعة الدروس من التزاماتها لأنها جزء من التربية. وإذا كان هذا رأي الأمهات، فماذا عن رأي الآباء؟

في حديثه لـ ”المساء”، قال كمال، موظف في مؤسسة تجارية؛ إنه يمضي كل الوقت في العمل مع العملاء، إلى جانب القيام بالعمليات الحسابية، وما أن يدخل إلى المنزل إلا ويرغب في تناول وجبة العشاء، ثم النوم مباشرة، ويكتفي فقط بسؤال أبنائه الأربعة عما إذا كان لا ينقصهم شيء، فلا يفكر مطلقا في الجلوس معهم ومراجعة دروسهم أو حتى الاطلاع عليها، لأنه ببساطة لا يعرف كيف يراجع لأبنائه، في المقابل يلقي بهذه المسؤولية على زوجته التي يقول بأنها جد صبورة، ولديها القدرة على متابعتهم بشكل أفضل. وهو نفس الانطباع الذي لمسناه عند عبد الكريم، مقاول، إذ قال ”بأن مراجعة الدروس مسؤولية الأم، وأنه يكتفي بالمساعدة في مادة الرياضيات فقط، لأن الأم تجد صعوبة فيها، كما يشعر بالقلق وينتابه الغضب إن تعذر على أحد أبنائه الفهم، لذا يرفض تحمل هذه المسؤولية”.

وفي رده عن سؤالنا حول ما إذا كانت الزوجة عاملة أو ماكثة بالبيت، قال بأنها ”تعمل في صالون الحلاقة، غير أنها تجد الوقت لتقوم بهذا العمل حتى وإن كان على حساب راحتها، لأنها المسؤول المباشر عن تربية الأبناء، والتعليم يدخل في التربية”.

 

التنشئة التربوية تتطلب حضور الأبوين معا

وفي ظل تنامي الصراع بين الأم والأب حول من يتولى مراجعة الدروس للأبناء، تعتقد فريدة حريكان مدربة التنمية البشرية، أن تولي المهمة في المرحلة الابتدائية يعتبر من صميم التزامات الأم، لأن الأطفال بطبيعتهم يميلون إليها، باعتبارها منبعا للصبر والحنان، إلى جانب قدرتها على احتواء احتياجات الأطفال خلال هذه المرحلة العمرية، ويمكن القول بأن مراجعة دروس الأبناء والعناية بهم في بداية مشوارهم الدراسي من اختصاص الأمهات، لكن بعد التحاق الأبناء بالطورين المتوسطي والثانوي، حسب الأستاذة فريدة، تتحول هذه المسؤولية إلى التزام مشترك يكون فيه حضور الطرفين ضروريا لعدة أسباب، منها أنهن قد لا يحظين على خلفية معرفية لبعض الدروس، كما أن الطريقة التي يعتمدنها قد تؤدي إلى الملل عند الأطفال الذين يجدون صعوبة في استيعاب ما يشرح لهم، لهذا تظهر الحاجة إلى تدخل الأب، خاصة إذا كان متعلما، قصد تغطية النقص الذي تعجز الأم عن تأمينه، حتى يشعر الأبناء باهتمام الطرفين المشترك لمادتهم العلمية.

الحاجة إلى التنويع بالاعتماد على أسلوب الأم والأب ضروري ليحصل الطفل على مراجعة جيدة، وحسب الأستاذة حريكان، فإن حضور الأب يجب أن يكون موازيا للأم، حتى يشعر الطفل بنوع من التوازن في عملية التنشئة التربوية، وعلى الآباء تجنب إلقاء مسؤولية مراجعة الدروس للأبناء على الأمهات، والاكتفاء بإلقاء اللوم عليهن في حال ما إذا كانت نتائج الأبناء ضعيفة، وعليه فالتناوب مطلوب لإعطاء نفس جدي لمراجعة الأبناء.

 

دور الأب ضروري حتى وإن لم يكن متعلما

ترى زهرة قاصد مفتشة التربية والتعليم لشرق العاصمة ومحللة اجتماعية، بأن المراجعة أهم خطوة في عملية التحصيل المعرفي، لأنها تساعد على تثبيت المكتسبات القبلية في ذهن المتمدرس، مما يسهل عليه تحصيل مكتسبات جديدة، ومن ثمة لابد أن يكون التحصيل المدرسي شاملا من خلال المراجعة التي تغذي هذه المكتسبات، وانطلاقا من هذا تظهر ضرورة الاهتمام بها، خاصة أنها عملية تكشف عن مواطن القوة والضعف لدى أبنائهم، ليتم تداركها من خلال المراجعة المنزلية.

وتواصل الأستاذة قاصد قائلة: ”إن مسؤولية مراجعة الدروس يفترض أن يتقاسمها الأب والأم معا، وأن الاعتقاد بإلقاء كامل المسؤولية على عاتق الأم خاطىء، لأنها تعيش اليوم مع تنامي وتيرة الحياة وخروجها للعمل تضاربا في الواجبات، الأمر الذي يحتم على الأب وجوب التدخل قصد التخفيف عنها، كما أن دوره في غاية الأهمية حتى وإن كان غير متعلم، فحضوره ومجرد السؤال عما يدرسه الأبناء، وإن كانوا يستوعبون ما يقدم لهم، يعتبر عنصرا مساعدا من الناحية المعنوية في عملية التحصيل، كما أن الاهتمام بما يدرسه الأبناء يشعرهم بوجود من يحرص عليهم، تقول المفتشة زهرة”.

تظهر أهمية تولي الأب لجزء من مسؤولية المراجعة في كونه الأمر الناهي بالمنزل، ومنه فحرصه على المراجعة للأبناء تضفي نوعا من الألفة بين الأب والابن في ظل انشغالات الأم، لذا ينبغي ألاّ يتحجج بعد رجوعه من العمل بعامل الإرهاق أو التعب لأنه، في اعتقادي ـ تقول محدثتنا الأستاذة زهرة ـ غير مبرر ”فإذا قرناه بالأم والعاملة تحديدا نجد أن لديه متسعا من الوقت بعد العودة من العمل، مما يفتح أمامه مجال التواصل مع الأبناء والنظر في تحصيلهم الدراسي، مع الاطلاع على محتوياتهم العلمية، على خلاف الأم التي قد لا تجد وقتا للعناية بنفسها، دون إغفال جدوى حضوره الذي يحول دون تمرد الأبناء ويدفعهم إلى المراجعة”.

وتبرر الأساتذة قاصد إلقاء مسؤولية العناية بدروس الأبناء على عاتق الأم، إلى القول بأنها تتميز بالصبر والقدرة على التحمل، غير أن هذا الاعتقاد يجعل الأمهات يعشن نوعا من الصراع النفسي الذي قد يؤدي بهن إلى الدخول في حالة من الاكتئاب أو القلق، وهو للأسف ما تعانيه بعض الأمهات ممن يشعرن بثقل المسؤولية الملقاة عليهن.

يثبت الواقع الميداني، حسب مفتشة التربية، أن دور الأب لا يظهر إلا عند تحصيل النتائج، ليشرع في السؤال عن ضعفها دون البحث في الأسباب، وقد عرضت علينا قولها عن بعض الحالات لأولياء يجهلون حتى طور تمدرس أبنائهم، بل الأخطر من هذا أن بعض الأساتذة عندما يستدعون الأب، تأتي الأم للاستفسار عن أسباب الاستدعاء، ومن هنا تظهر الحاجة إلى دق ناقوس الخطر، والقول بأن تربية الأبناء عملية مشتركة بين الطرفين، فكلما غاب أحدهما يختل التوازن التربوي، لذا ”أنصح ـ كمفتشة في التربية وعارفة بخبايا القطاع ـ الآباء أن يهتموا قدر المستطاع بتحصيل أبنائهم الدراسي من خلال الاهتمام بالمراجعة المنزلية التي تعد طريقا لبناء جسور التواصل بين الأبناء وآبائهم وتقودهم إلى النجاح.