لأن الشيخوخة طاقة بشرية ينبغي الاستثمار فيها

مختصون في علمي الاجتماع والنفس يناقشون مشاكل المسنين

مختصون في علمي الاجتماع والنفس يناقشون مشاكل المسنين�
  • القراءات: 815
رشيدة بلال� رشيدة بلال

تحسن المستوى المعيشي وتغير نمط الحياة، انعكس إيجابا على الشريحة المسنة التي أصبحت تشكل في المجتمع الجزائري طاقة بشرية ينبغي الاستثمار فيها، لأنها تظل دائما قادرة على العطاء، ولحمايتها من التهميش والشعور بالوحدة والعزلة النفسية والاجتماعية بعد عطاء دام سنوات، ولجعلها من جهة أخرى تشعر بأهميتها لآخر سويعة من حياتها، اختار مختصون في علم الاجتماع تسليط الضوء على بعض المشكلات التي تؤثر على هذه الفئة بتقديم دراسات ينتظر أن يستفاد منها فعليا.

كان من بين الدراسات العلمية الميدانية التي تم تقديمها في الملتقى العلمي المنظم مؤخرا بجامعة الجزائر «2»، مداخلة الأستاذة سعيدة لونيس مختصة في علم النفس، اختارت أن تبحث في اهتمامات الشباب الجامعي حيال الفئة المسنة، حيث كان اختيار الموضوع راجع إلى معرفة نظرة الشباب إلى هذه الفئة وما ينتظرونه منها، وانطلاقا من استبيان ميداني، تبين أن للشباب الجامعي نظرة إيجابية للفئة المسنة، مما يعني أن النظرة القديمة تغيرت، إذ فيما مضى كان ينظر إليها على أنها شريحة عاطلة، وعديمة الفائدة، لكن اليوم ينظر إليها على أنها مرجع يمكن أن تستقى منه الكثير من الخبرات، غير أن الإشكال الذي يطرح والذي نتمنى، تقول محدثتنا، إيجاد حل له «هو صعوبة التواصل بين المسن والشاب، لأن الفئة الشابة بالنظر إلى التطورات التكنولوجية الحاصلة، تجد صعوبة في التواصل مع الفئة المسنة التي تحمل دائما أفكارا قديمة، وبالمناسبة، أعتقد أننا مدعوون إلى القيام ببحوث ودراسات أكثر شمولية لتقريب المسنين أكثر من الشباب باقتراح آليات تسهل التواصل بينهما.

 

تغيير المعتقدات تمكّن المسن

 من شيخوخة ناجحة

من جهتها، اختارت أسماء لشهب، أستاذة بجامعة الوادي مختصة في علم النفس المدرسي، أن تسلط الضوء على واقع المسن المصاب ببعض الأمراض المزمنة، وتحديدا مرض السكري، حيث قالت: «بعد الاستبيان الذي قمت به على مستوى ولاية الوادي، تبين لي أن الفئة المسنة المصابة بمرض السكري لا تحسن العناية بنفسها، لأنها بعد بلوغ مرحلة عمرية معينة تفقد الرغبة في الحياة، وبالنظر إلى أضرار مرض السكري على المصاب به، كفقد البصر أو بتر بعض الأعضاء، ومنه إصابته بجملة من الأمراض النفسية التي يكون دافعها صحي، لذا كان لابد من تغيير بعض المعتقدات الخاطئة عند هذه الشريحة لتحسن العناية بنفسها، رغم التقدم في العمر لتعيش حياة أقل ما يقال عنها خالية من الألم، ومن ثمة، فكرتي بسيطة تقوم على تمكين المسن المصاب بمرض السكري من مكتسبات تعويضية صحية تساعده على بلوغ حياة مريحة، لذا كشفت دراستي عن وجود هذه المعتقدات عند الفئات التي لها مستوى تعلمي محدود، وفي رأيي، المسن بحاجة إلى بلوغ جودة الحياة ببعض المعتقدات التعويضية».

تواصل محدثتنا قائلة: «المسن في ولاية الوادي أوفر حظا من مسني باقي ولايات العاصمة، إذ يحظى برعاية من وسطه الأسري، ولا وجود لدار عجزة، إلا أن ما يفتقر إليه هو تعلم كيف يتكفل بنفسه بخلق دافعية داخلية تغير نظرته إلى الحياة في هذه المرحلة العمرية، ليعيش بعيدا عن العزلة  والشعور بالتهميش، ومنه نبلغ ما يسمى الشيخوخة الناجحة.

 

لابد من تهيئة الأفراد لمرحلة

 ما بعد التقاعد

يرى الأستاذ عبد الحميد عشوي، مختص في علم الاجتماع، أن الحديث عن المسن يبدأ أولا ببحث سبل التكفل وإدماج المتقدم في السن، حيث قال: «المسن في مجتمعنا يعاني في ظل التغيرات الاجتماعية التي يعرفها المجتمع، يكفي القول إن أغلب المسنين الذين يعيشون في العاصمة من سكان الأرياف، قصدوا المدينة واستقروا فيها، وبعد بلوغهم مرحلة عمرية معينة ونقصد ما بعد التقاعد، وجدوا صعوبة في التكيف، الأمر الذي عرضهم لبعض الأمراض النفسية الحادة، ومن هنا تطرح فكرة إعادة المسن إلى وسطه، فمثلا إذا كان من سكان الأرياف ندرس احتمال رجوعه، ولم لا تمكينه من ممارسة بعض الأنشطة المرتبطة بالأرض  كالتشجير مثلا، لشغل وقت فراغه، بالتالي شعوره بالانتماء إلى وسطه.

المسن يجد نفسه مرتاحا كثيرا في الوسط الذي يشعر بالانتماء إليه، يقول المختص الاجتماعي، فإن كان مثلا يشعر بالارتياح بوجوده في وسطه الأسري، أو مع بعض أولاده، ينبغي العمل على ذلك وإن كان المسن مثلا شخص مثقف كالمدرسين، فلابد من خلق نواد تتحول إلى فضاءات يلتقي فيها هؤلاء، فلا يخفى عليكم أن مسن اليوم هو فرد مثقف وإن كان غير مهيأ لمرحلة الشيخوخة، فإنه يصاب لا محال بالعديد من الأمراض النفسية.

يعتقد المختص في علم الاجتماع أن الشخص المثقف وقبل بلوغه مرحلة الشيخوخة، لابد أن يخضع لبعض الحصص التحضيرية التي عن طريقها ترسم حياته بعد التقاعد، لأن الدراسات الميدانية أكدت أن الطبقة المثقفة التي تحال على التقاعد ينتابها شعور بأنها تحال على الموت البطيء، ومن هنا تبرز أهمية تحضيرهم لولوج هذه المرحلة العمرية وكيفية التعايش معها. ومن هنا تطرح ضرورة وجود جمعيات تتكفل بهذه الشريحة، لأن الفئة المسنة، طبعا، حسب القدرات، هي طاقة تظل دائما قابلة للاستفادة من خبراتها.

 

قلق الموت عند المسنين منخفض

قلق الموت عند المسنين المصابين بمرض القلب كان موضوع محاضرة الأستاذ فتحي وادة مختص في علم الاجتماع،  يرى أن الفئة المسنة عندما تدخل مرحلة عمرية معينة تصاب بقلق الموت، وهو اضطراب نفسي مرتبط بالسن طبعا، لأن كل تفكيرها يتجه نحو هذا الباب، ويزيد معدل هذا القلق عند الشريحة المصابة بمرض القلب تحديدا، ومن خلال دراسة ميدانية، رغبنا في معرفة ما إذا كان معدل القلق مرتفعا أو منخفضا بغية اقتراح بعض الحلول العلاجية التي تحد منه، إن كان مرتفعا لتمكين المسن من شيخوخة مريحة. 

ومن خلال الاستبيان الذي اقتصر على بعض المؤسسات الاستشفائية ومراكز العلاج الخاص، تبين لنا ـ يقول المختص الاجتماعي ـ أن معدل القلق عند هذه الفئة تحديدا منخفض لسبب بسيط يتمثل في الوازع الديني الذي يجعلهم لا يشعرون بالقلق من ناحية، ولأن هذه الفئة أصبحت أكثر وعيا بأهمية التقيد فقط بالأدوية، كما أن مرض القلب مقارنة ببعض الأمراض الأخرى يصبح هينا، بالتالي تنعكس هذه القناعات كلها إيجابا على نفسية المسن وتحد من قلقه.

الدراسة الميدانية التي قمنا بها ـ يقول المختص الاجتماعي ـ لا تعطي صورة واضحة عن كل المسنين في المجتمع الجزائري من المصابين طبعا بمرض القلب، لذا أعتقد أننا بحاجة إلى القيام بالمزيد من البحوث والدراسات لمعرفة واقع هذه الشريحة ومساعدتها لبولغ شيخوخة هادئة بعيدة عن القلق والاضطراب.