حرفيون يتحدثون لـ "المساء":

ليس هناك سر في الصنعة، بل إبداع ولمسة

ليس هناك سر في الصنعة، بل إبداع ولمسة
  • القراءات: 969
رشيدة بلال رشيدة بلال

يسود الاعتقاد عند أغلب المقبلين على تعلم الصنعة، أن الصانع أو الصنايعي لا يقدم للمتعلم كل ما يعرفه وإنما يحتفظ ببعض التقنيات لنفسه، وهو ما يسمى "سر الصنعة"، فهل حقيقة هناك ما يسمى بـ"سر الصنعة"؟ وهل حقيقة يرفض الصنايعي نقلها إلى متعلمه... وإن كان الأمر كذلك فما دافعه إلى ذلك. زارت "المساء" دار الحرف للصناعات التقليدية الكائنة بباب الوادي، حيث كانت الفرصة سانحة للاحتكاك بعدد من الصنايعية في حرف مختلفة، وردا على سؤالنا حول ما يسمى بسر الصنعة، حدثتنا الحرفية فريدة عليش التي أفنت حياتها في الطرز والخياطة و قالت بأنه ليس هناك ما يسمى بسر الصنعة، وأن من يعزف عن تعليم من يقصده ويخفي بعض التقنيات لنفسه لا يستحق أن يكون صانعا، مشيرة إلى أن أغلب الذين يرفضون منح كل ما تعلموه يخافون من أن يصبح المتعلم أحسن من المعلم، لكنهم ينسون أن الرزق على الله، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى، في رأيي أن من لا يطلع من يقصده على كل تقنيات الصنعة يحكم على صنعته بالاندثار، لأن مثل هذه الصنعات لابد أن تعلم ولا تبقى حكرا على معلميها.

تتذكر الخياطة فريدة التي قاربت عتبة 63 سنة من عمرها، بدايتها مع الخياطة، حيث قالت؛ "أذكر فيما مضى أن الذين علمونا خلال فترة الاستعمار من الأخوات كن يحرصن على تلقيننا كل ما يتعلق بالخياطة وخفاياها، من أجل هذا لا أعترف مطلقا بسر المهنة، وإنما أفتح دائما أبوابي لتعليم كل ما تعلمته، وأكثر من هذا تنتابني نوبات من الغضب عندما لا تتقن من تقصدني ما علمتها إياه، تصمت قليلا... وتضيف "من مفاجآت الحياة التي أرغب في نقلها لكم؛ أمور وقعت لي واكتشفت وقتها المعنى الحقيقي لسر الصنعة التي يتغنى بها البعض، حيث قصدتني فتاة ترغب في التعلم، وبعد أن علمتها حدث في يوم أن اكتشفت أن لديها تقنية غاية في الروعة أجهلها، وعندما طلبت منها أن تطلعني على خباياها، ردت بالحرف الواحد؛ هذا سر الصنعة ولا يمكنني أن أبوح لك به، هذا الصنف من الناس في رأيي يشكلون خطرا على الصنعة، لأنهم يحكمون عليها بالموت من منطلق الخوف من احتمال منافستهم فيها، وهو المفهوم الرائج عند كل من يحتفظ ببعض الأمور لنفسه أيا كان نوع الصنعة وينسون أن الخالق هو الرزاق.

ليس هناك سر صنعة وإنما هناك مبدع وإبداع

لا يؤمن زكريا زولو، حرفي في الرسم على السيراميك، بما يسمى بـ«سر الصنعة" ويقول "ولوجي عالم الحرف كان بعد فشلي في الدراسة، وبحكم موهبتي في الرسم وجهني والدي لتعلم صنعة الرسم على السيراميك، ولا أخفي عنكم أنني تعلمت في العديد من الورشات على الرغم من أنه تداول على تعليمي عدد من العارفين بالرسم على السيراميك، غير أنني لم أشعر ولو للحظة أنهم أخفوا عني بعض التقنيات، بل العكس حاولوا وبلا مبالغة تلقيني كل ما يعرفونه، وإن كنت أعتقد أنه ليس هناك ما يسمى بسر المهنة، لأن المعلم دائما يقدم ما يعرفه وأعتقد أنه لا مصلحة له لإخفاء بعض التقنيات، لأن الراغب في احتراف عمل معين عليه البحث وعدم الاكتفاء بما تعلمه، بالتالي أعتقد أن الصنعة تحب المبدع الذي لا يكتفي بما تعلمه وليس في المتمسك بما تعلمه والشكوى من وجود أسرار حرمه منها معلمه". يقول محدثنا؛ "عالم الحرف يحب أن يكون لكل ناشط فيه لمسته الخاصة، ومنه أعتقد أن سر الصنعة في حقيقة الأمر هو اللمسة الخاصة التي لا يمكن لأي كان أن يتعلمها، حتى وإن تم تلقينها لأنها مسألة شخصية.

الصانع الذي لا ينقل كلما تعلمه "بخيل" 

وصف عمي دريس، حرفي في النحاس، الصنايعية الذين يرفضون نقل كل ما تعلموه للشباب الراغب في التعلم بالبخلاء، وقال؛ "على الرغم من أنني لا أعترف مطلقا بما يسمى بسر الصنعة، غير أنني أفتح بالمناسبة قوسا لأوضح بعض الأمور، بعد تجربتي في مجال الصناعات النحاسية التي تزيد عن 50 سنة، إذ أعتقد أن من يدّعون بأنهم يعرفون خبايا الصناعات على اختلاف مجالاتها هم على خطأ، لأن الصنعة مثل العلم لا حدود لها، كلما بحثت فيها تتعلم أكثر، بالتالي لا مجال مطلقا للحديث عن سر أو ما شابه، أما ما يتعلق برغبة البعض في إبقاء بعض التقنيات لهم في اعتقادي إما هم بخلاء أو أن مستواهم محدود، بالتالي هم بحاجة إلى التعلم، لأن الصانع الحقيقي هو ذلك المتواضع الذي يقدم كل ما يعرفه ويقول بأنه لا يزال يتعلم. الصانع الحقيقي لابد أن يعطي كل ما تعلمه ليتفتح مجال تعلم تقنيات أخرى لنفسه،  أن يحصر نفسه في ما تعلمه ويوهم نفسه بأنه يملك سر المهنة، فهذا الصانع مغرور ولا يستحق حتى أن يعلم غيره.

يحق لكل صانع التحفظ على إضافته الشخصية

من جهتها الشابة نسرين مواوكة، حرفية في صناعة الزجاج المعشق، تقول بأنها تدين بالشكر والعرفان لمعلمتها التي لم تبخل عليها وعلى غيرها من المتعلمين بكل ما تعرفه عن هذه الحرفة التي يتقنها القليلون وتضيف: "معلمتي كانت على يقين أن كل خبايا الصنعة لابد أن يتم تعليمها للأجيال حتى لا تندثر وتكتب لها الاستمرارية، وهو ما تيقنت منه بعد وفاتها، فلو أنها لم تعلمنا ما تعلمته لأخذت معها تقنيات هذه الحرفة التي أعتقد أن قلة قلية فقط تتقنها ونحن اليوم نحاول أن نعلم ما تعلمناه،  وتعلق "أنا لا أومن بسر الصنعة، لكن الصانع دائما يحب الاحتفاظ ببعض الأمور لنفسه وأعني بذلك تلك التي أبدعها بنفسه لأنها تظل خاصة به، وعلى كل من يتعلم صنعة أيا كان نوعها، عليه أن يبتكر لنفسه طابعا خاصا، وهذا لا يتحقق إلا إن كان موهوبا ومحبا لما تعلمه.