رمضان في ڤالمة

"لوريقات" و"لوزيعة" من أبرز مظاهر الشهر الفضيل

"لوريقات" و"لوزيعة" من أبرز مظاهر الشهر الفضيل
  • القراءات: 1307
وردة زرقين وردة زرقين
تتميز الموائد الرمضانية خلال الشهر الفضيل بقالمة، بتحضير الجاري أو الشربة مع البوراك، حيث لا يمكن الاستغناء عنهما طيلة شهر كامل. ولتحضير "البوراك"، لا بد من توفير "لوريقات" أو بما يعرف بـ”الديول" التي عادة ما تصنعها النساء في البيوت، بحيث يتفنّن في تحضير أشهى أنواع الأطباق الرمضانية إرضاء لأذواق جميع أفراد العائلة. وما تزال العائلات القالمية تحيي عادة "لوزيعة" كتظاهرة اجتماعية تتميز بالتضامن والتكافل الاجتماعي، فيما تمتاز السهرات الرمضانية بالتوجه نحو الحدائق والأماكن العمومية لارتشاف كؤوس الشاي، وكذا المثلجات خاصة مع حرارة الأجواء التي يعرفها الشهر الفضيل هذه السنة.
تلجأ بعض ربات البيوت في قالمة إلى تحضير لوريقات بكميات تكفي العائلة ليوم أو يومين أو أكثر، باستعمال الدقيق والماء والملح وجعلها عجينة لينة وبعدها تطلى فوق صينية على نار هادئة، على شكل دائرة وتكون جاهزة ليتم حشوها، حسب ذوق كل عائلة، وتطوى على شكل سيجارة أو مثلث أو مربع لتشكل "بوراك" أو "بريكة"، ويتم تقديمها أثناء الفطور مع الشربة، فيما تلجأ ربات البيوت الأخريات إلى اقتناء لوريقات من الباعة صباحا أو مساء، حيث يصطف أطفال لا تتجاوز أعمارهم 16 سنة ولا تقل عن 7 سنوات طوال النهار على الأرصفة وأمامهم صناديق لبيع لوريقات مشكلين طوابير ويروّجون سلعتهم، حيث لا تتعدى 12 ورقة أو ما يسمى "دزينة" 100 دينار جزائري، كما أن أول ما تفكر فيه ربات البيوت في قالمة هو إحضار "الدبشة" لتحضير الشربة و”المعدنوس" لتحضير وجبات أخرى، باقتناء ربطة "الدبشة" و”الكرافس" أو ربطة "المعدنوس" بسعر يصل إلى 20 دج هذه السنة، حيث أضحت تجارة لوريقات وما يعرف بتجارة "الحشائش" منتشرة بكثرة خلال الشهر الفضيل في قالمة، خاصة في السنوات الأخيرة، كونها مصدر رزق لكثير من العائلات.

الحدائق العمومية وجهة القالميين في السهرات

تتميز ليالي رمضان في قالمة بحركة ونشاط كبيرين، وأحب الأوقات بالنسبة لناس قالمة هي السهرة، بعد صلاة التراويح، فبعد ساعات طويلة من الصيام تخرج العائلات للسهر، و يفضل البعض البقاء أمام التلفاز لمتابعة البرامج والمسلسلات الرمضانية، فيما يفضل البعض الآخر قضاء أوقاتهم بعد الإفطار في المقاهي لارتشاف القهوة والشاي أو التوجه إلى الحدائق العامة والفضاءات الخضراء للتنزه وتبادل أطراف الحديث، وتمتلئ الشوارع والأحياء بالمتنزهين والمتسوقين إلى غاية ساعة الفجر، ويعرف شارع "سويداني بوجمعة" بقلب مدينة قالمة اكتظاظا بالمتنزهين لتناول المثلجات والعصائر المختلفة، الحلويات، الشواء وحتى المحاجب تحت الرقابة المشددة للأمن الوطني. كما تعرف المساحات العمومية بحي "قهدور الطاهر" وحي "الأمير عبد القادر" توافدا كبيرا للعائلات والأطفال للعب وتناول المثلجات والمكسرات، أما الحدائق العمومية، مثل حديقة "مصطفى سريدي" والتي توجد بها الأكشاك الخاصة للقهوة يتوافد إليها الرجال لارتشاف القهوة في قعدة حميمة وتبادل أطراف الحديث.
وتعتبر المنتجعات والحدائق العامة، وكذا المساحات الخضراء الوجهة المفضلة لقضاء السهرات الرمضانية، كما تفرق المنطقة السياحية حمام الدباغ، غرب عاصمة الولاية قالمة، حركة ونشاطا كبيرين بعد الإفطار، حيث باتت قبلة للزوار وملاذا للعديد من العائلات التي تتوافد بكثرة إليها حتى من الجهات المجاورة للولاية، لقضاء سهرة رمضانية مميزة على الهواء الطلق.
من جهة أخرى، تعرف العديد من الأسواق والمحلات التجارية بما فيها المراكز التجارية حركة كبيرة وتشهد الشوارع إقبالا كبيرا، كما أن للنشاط الفني والموسيقى مكانة في هذا الشهر الفضيل، حيث تبرمج سهرات فنية في دار الثقافة أو على الهواء الطلق في المساحات الخضراء من طرف الشباب الهاوي المحب للفن، وتتواصل السهرات إلى غاية ساعات متأخرة من الليل..

رمضان يحيي عادة "لوزيعة" عند العائلات القالمية

يقترن اسم النفقة أو لوزيعة عادة بالأفراح والمناسبات الدينية منذ القديم، فهذه التظاهرة توارثتها الأجيال عن الآباء والأجداد، والعائلات القالمية ما تزال تحافظ على هذه العادة خلال رمضان خاصة في النصف منه وليلة الـ27 المباركة، فمع اقتراب المناسبات الدينية تبدأ العديد من العائلات القالمية في التفكير والتشاور لإحياء هذه التظاهرة الاجتماعية الثقافية، خاصة أنها تتميز بالتضامن والتكافل الاجتماعي، ومع ارتفاع أسعار اللحوم سواء البيضاء أو الحمراء منذ الأيام الأولى من هذا الشهر الفضيل، تلجأ العديد من العائلات القالمية إلى إحياء تظاهرة النفقة أو الوزيعة للتخفيف والتقليص من المصاريف بسبب غلاء اللحوم التي تعتبر من المستلزمات لتحضير الفطور من جهة، ومن ناحية أخرى لتوريث عادات وتقاليد الأجداد، وبعدما يتم جمع مبلغ مالي معتبر يمكّن من شراء الغنم أو البقر من طرف العديد من العائلات التي تشاورت فيما بينها واتفقت على صنع التضامن فيما بينها، يشرع أرباب العائلات في عملية الذبح في مكان هادئ وجانبي لتفادي الازدحام والفوضى، يتم الغسل وكل ما يتعلق بعملية الذبح، وتخصص مساحة لوضع غلاف أو بساط فوق الأرض فوقه قطع اللحم متساوية وتمثل عدد المشاركين وتكتب أسماؤهم فوق ورقة وتوزع على تلك "القطعات"، وترتسم الفرحة والبهجة على وجوه الأطفال، حينها يأخذ كل واحد نصيبه من اللحم في جو من القناعة والتضامن الاجتماعي، وهذه عادة تميز أحياء سكان قالمة لمناسبات دينية في مشاهد رائعة ومظهر جميل لأصالة المنطقة.