أرجعها أهل الاختصاص إلى تضييع المواطن فن التذوق

لوحات الفنانين بالمعارض والأروقة تفتقد زوارها

لوحات الفنانين بالمعارض والأروقة تفتقد زوارها
  • القراءات: 1015
رشيدة بلال رشيدة بلال
يصاب الزائر لمختلف المعارض التي تقام على مدار السنة بمناسبة، وبغير مناسبة لفنانين ورسامين يبدعون في عرض أفكارهم بلوحات مزينة بمختلف الألوان، حاملة العديد من المعاني والرسائل بالكثير من الحسرة، بالنظر لقلة الوافدين عليها ولو من باب الفضول، الأمر الذي أصاب العارضين بالإحباط والحسرة وأرجعوا ذلك إلى تضييع المواطن ثقافة تذوق ما يعرضه الفنانون من إبداعات.
ـفي جولة استطلاعية لـ”المساء” إلى بعض قاعات العرض وقفنا على خلو هذه الأخيرة من الزوار وكأن العارض يعرض لوحاته لنفسه، وهو ما تبين لنا ونحن نتجول بالمعرض الذي أقيم برواق محمد راسم، الذي نظم بمناسبة يوم الفنان، شارك فيه نحو 14 رساما حيث كانت القاعة فارغة، واللوحات متعطشة لرؤية زائر ما ليتغنى بجمالها أو يحاول على الأقل قراءتها وفهم ما توحي به من معاني مختلفة، وعلى الرغم من أن ”المساء” أطالت البقاء بالمعرض للدردشة مع الفنان التشكيلي عبد الحميد لعروسي الذي رحل عنها يوم ٥ جويلية ٢٠١٤ وكان من بين المشاركين بالمعرض غير أنها لم تسجل حضور المارة وكأن عالم الفن لا يعنيهم.
بكثير من الحسرة والأسف يحدثنا الفنان التشكيلي عبد الحميد عن افتقار المواطن الجزائري لثقافة تذوق الفن المرسوم فيقول: ”عندما نقوم بتنظيم المعارض بمختلف فضاءات العرض مثل رواق محمد راسم، أو ببهو قصر الثقافة نوجه بعض الدعوات إلى زملائنا من أصحاب المهنة الذين يقبلون على المعرض يوم الافتتاح فقط رفقة بعض أفراد الأسرة، حيث يعيش المكان حركية تتواصل فيها اللوحة مع الناظر إليها ولكن سرعان ما يتفرق الحضور لتتحول المعارض إلى أماكن مهجورة قلما يلجها زائر، وغالبا ما يكون إما فنانا أو متذوقا للفن،أو سائحا على اعتبار أن هؤلاء يولون أهمية كبيرة لمثل هذه المعارض. نصاب بالكثير من الإحباط لأن أعمالنا التي تأخذ منا الكثير من الوقت والجهد لا تجد في كثير من الأحيان من ينظر إليها، الأمر الذي دفع بعدد كبير منا إلى الرسم بناء على الطلب على الأقل ليكون للوحة مالك يفهمها ويقدر قيمتها الفنية عوض أن تظل معلقة لعدد من الأيام ولا تجد من يفهمها.
وفي رده عن سؤالنا حول السبب الذي يجعل المواطنين عموما يعزفون ولو من باب الفضول عن دخول مثل هذه المعارض والأروقة لمجرد الفرجة، أكد الفنان التشكيلي لعروسي أن انشغال المواطنين بحاجاتهم اليومية من مأكل ومشرب ومسكن جعلهم يغضون الطرف عن كل ما هو فن وإبداع هذا من ناحية، ومن جهة أخرى يضيف: ”اعتقد أن مجتمعنا باستثناء البعض يفتقرون لثقافة زيارة مثل هذه المعارض، كما أنهم لا يربون أبناءهم على التواصل مع مثل هذه الفضاءات، الأمر الذي جعل معارضنا أماكن موحشة دون أن انسى قلة الحملات الإعلامية والإشهارية التي توحي بوجود معارض للراغبين في زيارتها الأمر الذي جعلنا نعيش في الظل.
تركنا الفنان التشكيلي عبد الحميد يستعد للبدء في رسم لوحة جديدة وكله أمل في أن يقتحم المعرض زائر ما ولو من باب الخطأ، عله يكتشف ما يزخر به الرواق من فن متعطش لزواره.
قادتنا الجولة إلى رواق ”ارتيسيمو” بديدوش مراد، حيث عرض الفنان التشكيلي جمال مجموعة مميزة من اللوحات التي تحتاج طبعا إلى متذوق في الفن ليفهم ماهيتها حيث ضمت القاعة زوارا يعدّون على الأصابع، وفي دردشتنا إلى بعضهم تبين لنا أنهم فنانون تشكيليون جاءوا للاطلاع على الجديد الذي جاء به هذا الأخير وللاطلاع على التقنية التي اعتمدها في عمله المعروض، فيما كشفت لنا السيدة نادية أنها لا تفهم شيئا في الفن غير أنها تحب اقتناء اللوحات لتزيين منزلها وهو ما يفسر سبب ترددها على مختلف المعارض التي تقام بالأروقة التي تعودت على التردد عليها وتعلق أحب قضاء وقت فراغي بتصفح اللوحات التي ترسم من طرف بعض الفنانين.
سمح تجولنا بالمعرض لقاء عبد الرحمان كحلان فنان تشكيلي عصامي يرسم على الورق، الزجاج، والقماش، ولديه إمكانيات إبداعية كبيرة قام بالعديد من المعارض، وفي رده عن سؤالنا حول ما إذا كان المواطن اليوم يملك ثقافة زيارة مثل هذه المعارض، قال هذه الثقافة كانت موجودة فيما مضى حيث كان هنالك أشخاص متذوقون لكل ما له علاقة بالفن والإبداع والجمال، وكانوا أيضا يعرفون كيف يقرأون اللوحات أو على الأقل كانت قراءاتهم تقترب مما توحي إليه اللوحة من مفاهيم تعكسها الصورة أو الشكل أو الألوان، وإن وجدوا صعوبة بعد فترة من التأمل يبحثون عن صاحب اللوحة ليقدم لهم وجهة نظره في هذه الأخيرة، ولكن اليوم وللأسف الشديد أصبح الفنان يعرض للفنان، خاصة في السنوات الأخيرة، إذ لم يعد هنالك أي اهتمام لا باللوحات ولا بصاحبها.
يؤكد محدثنا أن المعارض اليوم تحولت إلى فضاءات يقصدها الفنان الذي يزور المعرض ليس كفنانين، ولكن كشخص عاد للاطلاع على التقنية المستعملة باللوحات ومن ثمة سرقتها، كون بعض الرسامين يفتقرون إلى القدرة على الإبداع فيحتكون بالمعارض للبحث عن أفكار جديدة وعوض أن يقوموا بابتكار تقنيات خاصة بهم يسمحون لأنفسهم بسرقة تقنيات غيرهم والادعاء بأنهم أصحابها بالمعارض التي يشرفون على تنظيمها.
بكل حسرة ، يقول الفنان التشكيلي كحلان إنه إلى جانب قلة زوار مثل هذه الأروقة أصبح الفنانون يعتبرون مثل هذه الفضاءات أماكن للاستلهام عوض طلب التعلم، فأنا مثلا أميل كثيرا إلى تعليم كل ما أعرفه في مجال الفن التشكيلي، إلا أني أفضل دائما أن يحترم كل فنان عمل غيره حتى نبقي شيئا لهذا الفن الذي يكاد لا يجد من يلتفت إليه.