تاريخ أصيل يعود إلى عدة قرون

لباس برمزٍ ودلالات عميقة وجب المحافظة عليه

لباس برمزٍ ودلالات عميقة وجب المحافظة عليه
  • القراءات: 478
 زبير. ز زبير. ز

كشف زين العابدين نوفل، رئيس جمعية العابدين للترقية الثقافية والتبادل الشباني، أن القندورة القسنطينية تبقى رمزا من رموز المرأة بعاصمة الشرق الجزائري، مضيفا أن جمعيته التي ساهمت في إثراء الملف الذي أودع، مؤخرا، من طرف وزارة الثقافة لدى اليونسكو من أجل تسجيل هذا اللباس التقليدي باسم الجزائر، تروّج، خلال المعارض التي تشارك فيها عبر مختلف أنحاء الوطن وحتى خارجه، لهذا اللباس، الذي كان يخص المرأة والرجل على السواء، خلال فترة البايات.

وقال إن الباي كان خلال اجتماعاته بمختلف مسؤوليه داخل القصر، يلبس القفطان المطرّز؛ شأنه شأن القاضي، والباش خزناجي، مضيفا أن عددا من الشباب في وقتنا، يحاولون الرجوع إلى تقاليد الأجداد؛ من خلال ارتداء سترة من القطيفة المطرزة في حفل الزواج. 

وحسب زين العابدين نوفل، فإن الجمعية التي يترأسها والتي ستشارك، قريبا في المعرض الدولي للتراث الجزائري المزمع تنظيمه بكندا، هدفها الحفاظ على التراث المادي واللامادي للمدينة، وكذا الحفاظ على اللباس التقليدي للمدينة؛ سواء الخاص بالرجال أو النساء. وقال إن القطيفة القسنطينية كانت في الماضي، خفيفة الوزن ولا تضم طرزا كثيرا، على عكس الوقت الحالي؛ إذ أصبح الطرز كثيفا ومختلفا.

أنوع الطرز كانت تحدد مراتب النساء في المجتمع

يتفق أغلب العارفين بخبايا القندورة القسنطينية على أن هناك ثلاثة أنوع من الطرز التي تزين هذا اللباس التقليدي؛ من خلال الاعتماد على رسم "المرش" أو "الطاووس" أو "القناوية" والتي يسمها البعض بـ"اللواي " ؛ وهو نوع من النباتات المتسلقة.

وكشف زين العابدين نوفل أن هناك العديد من الروايات التي تخص هذه الرسومات؛ قال إن الأكثر تداولا بين أهل الاختصاص بعاصمة الشرق؛ فالباي سنة 1500، طلب من الخياطين تمييز النساء داخل القصر؛ من أجل التفريق بينهن. وقد اهتدى المصممون وقتها، حسب الرواية، إلى طرز رسم المرش على فساتين نساء الباي وبناتهن؛ في إشارة إلى مرش القهوة الذي يوضع به ماء الزهر، وهو رمز للراحة والرفاهية؛ من خلال الجلوس على المائدة وتناول القهوة، في حين تم طرز رسم الطاووس على فساتين نساء قادة الجيش، وكان، وقتها، الطاووس رمزا للحراسة، وكان يُصدر أصواتا للتنبيه بوجود غريب داخل القصر.

أما طرز "القناوية" ـ وهو نوع من النبات المفضل للأكل عند العائلات القسنطينية ـ أو طرز "اللواي "، فيوضع، غالبا، حسب ذات الرواية، على فساتين جواري القصر، اللائي كن يتجولن في الحديقة ذهابا وإيابا بين مختلف أجنحة القصر، ويجلسن كثيرا بين النباتات. ويتم التفريق بين المرأة المتزوجة والعازبة من خلال وضع الحزام الذهبي أو ما يُعرف بالمحزمة؛ حيث ترتدي العزباء الفستان بدون حزام، بينما تضع المتزوجة الحزام فوق الفستان.

امتداد أندلسي للباس ميّز عاصمة الشرق الجزائري

يرى الدكتور حمزة قادري، مختص في التاريخ، من جامعة قسنطينة 2، أن هناك العديد من العادات والتقاليد التي توارثها الجزائريون من بلاد الأندلس. وقال في دردشة مع "المساء"، إن هناك العديد من الحرف التي انتقلت إلى الجزائر خلال هجرة أهل الأندلس نحو الجنوب؛ بسبب المجازر التي تعرضوا لها من طرف المسيحيين؛ في تطهير عرقي، سجله التاريخ بحروف من دم؛ حيث فضل القادمون من الأندلس المكوث بالمدن الكبرى؛ على غرار تلمسان، والعاصمة، وقسنطينة، واختلطوا بأهلها، وتبادلوا العادات والتقاليد.

وحسب الدكتور حمزة قادري، فإن لباس القطيفة، وفقا لعدد من المصادر التاريخية، قدِم من الأندلس هو الآخر مثل العديد من الحرف؛ على غرار الزخرفة على الخشب، مضيفا أن هذا اللباس عرف تطورا في عهد البايات، وأصبح في شكله الحالي؛ من خلال إدخال لمسات محلية عليه، في حين يرى مختصون آخرون أن اللباس المشكّل من قماش القطيفة، هو الذي جاء من الأندلس. أما الطرز فهو من السكان المحليين، الذين برعوا في وضع رسوماتهم على هذا اللباس، الذي كان في شكل فساتين للنساء، وقفاطين للرجال.

سعر "القندورة" قد يصل إلى 20 مليون سنتيم

في حديثنا مع بعض المهتمين بالتراث القسنطيني، كشف لنا عدد من أهل المهنة، أن سعر وتكلفة "القندورة القسنطينية" يختلف حسب المواد المستعملة فيها، وحسب نوعية القماش المستعمَل أيضا؛ إذ قال البعض إن سعر بعض الفساتين يصل إلى 20 مليون سنتيم، حسب الثقل، خاصة أن هذا الفستان يرتَّب في المركز الثاني من حيث الثقل بعد الجبة التلمسانية، مبررين ذلك بكمية الخيوط المستعملة، والتي تصل إلى أكثر من 70 لفة خيط ذهبي، مع العلم أن وضع لفة واحدة قد يكلف بين 1000 و1200 دج، يضاف إليها ثمن "الفريضة" والخياطة.

ويرى أهل الاختصاص أن سعر "القندورة" العادية لا يقل عن 8 ملايين سنتيم في ظل ارتفاع أسعار المواد الأولية. تضاف إليه أتعاب اليد العاملة، والتي يجب أن تكون مختصة في هذا المجال؛ حتى تكون نوعية الفستان في المستوى الذي تتطلع له كل فتاة، لتكون في أبهى حلة يوم العرس. كما أكد من تحدثنا إليهم، أن سعر وتكلفة "قندورة القطيفة" كان ولايزال باهظ الثمن، وأن القندورة من بين أغلى الفساتين التي تقتنيها العروس؛ سواء في الماضي أو في الحاضر.  

وعرفت الفساتين القديمة بقسنطينة من نوع "قندورة القطيفة" والتي تم خياطتها بين سنوات السبعينات والثمانينات، إقبالا كبيرا من طرف بعض التجار، الذين باتوا يبحثون عنها بين الأحياء والمنازل عبر الخياطات، أو حتى عبر منصات التواصل الاجتماعي كفايسبوك، نظرا للنوعية الممتازة للمواد المصنوعة بها، وخاصة خيط الذهب.