جذورها مرتبطة بتاريخ الولاية العريق

قصبة ورقلة معلم سياحيّ يعاني في صمت

 قصبة ورقلة معلم سياحيّ يعاني في صمت
  • القراءات: 4168
   زارتها : حنان. س زارتها : حنان. س
تكتسي قصبة ورقلة أو المعروفة محليا بالقصر العتيق، أهمية اجتماعية وسياحية كبيرة، سواء على المستوى الولائي أو الوطني. ويُعد هذا القصر أحد أقدم المعالم الأثرية بالولاية وأبرز معالمها السياحية. وما يزيد في شهرته المحلية وجوده بمحاذاة "سوق الحجر"؛ أقدم سوق بالمنطقة، والتي تُعتبر من جهتها معلما اجتماعيا وسياحيا لا يقل أهمية. ولأنه قصر عتيق فإن مبانيه تعاني من التصدعات، وسكانه رفعوا نداءات متكررة، مطالبين السلطات المحلية بإعادة إسكانهم، إلا أن العارفين بخبايا هذا القصر يؤكدون استحالة ترحيل كافة قاطنيه؛ كون عددهم يتجاوز الـ 5 آلاف نسمة...
يعود تاريخ القصر العتيق لورڤلة إلى عدة قرون خلت، وقد كان في الأصل مسكنا لسلاطين ورڤلة الأوائل. ويُعرف هذا القصر بتسمية القصبة، وأصل كلمة قصبة إسباني، ومعناها محيط سكاني محصَّن بأبواب؛ حيث نعد 7 أبواب رئيسة تغيرت ملامحها وعددها عبر التاريخ.. كل باب يُفتح على حي من أحياء القصبة، وكل حيين يعودان إلى عرش من العروش الثلاثة التي تقطن القصر، وهي: عرش بني ابراهيم، عرش بني سيسين وعرش بني واڤين.

شوارع ضيّقة وسكنات هشة
ما يميز القصبة شوارعها الكثيرة والضيقة، لا يعرف مداخلها ومخارجها العديدة إلا سكانها، بعض هؤلاء تحدّثوا إلى "المساء" بأسف شديد عن الحالة التي آلت إليها القصبة، فكل المباني تعاني من تصدعات جعلت قاطنيها يجرون، بصفة مستمرة، أشغال ترميم، ومنها دعم الجدران والأسقف حتى لا تنهار على رؤوس ساكنيها؛ إذ يقول المواطن محمد ناصر، 42 سنة من عرش بني سيسين، إنه يقطن رفقة عائلته بيتا بالقصر يكاد ينهار في أية لحظة، مبينا أن كل بيوت القصبة هشة وآيلة للانهيار في أي لحظة، وذلك ما دعا السكان إلى رفع العديد من التقارير إلى السلطات المحلية المعنية من أجل ترحيلهم، موضحا أن لجنة الإحصاء والإسكان التابعة للبلدية، قد زارتهم في 2013، ولم يظهر أي ملموس من حينها.
من جهته، يوضح مواطن آخر قال إنه من عرش بني إبراهيم، أنه  قام عدة مرات بترميم بيته بسبب هشاشته، وأقر بصعوبة عملية إعادة إسكان سكان القصبة بسبب خصوصية المكان الذي يأوي ـ حسبه ـ آلاف الأسر التي تتقاسم ملكية البيوت. ويشرح: "يحصي القصر العتيق الآلاف من السكان ومن الورثة الذين ينحدرون من 3 عروش رئيسة للقصر. ومن الصعب جدا أن تتمكن الجهات المعنية من إعادة إسكان الجميع؛ بالنظر إلى الكثافة السكانية العالية هنا؛ الأمر معقد كثيرا؛ إذ لا يمكن استفادة أسرة دون أخرى، والحل، حسب اعتقادي، هو في دعم عمليات الترميم المكلفة جدا".
وفي ذات السياق، يشير الشيخ بلخير سدراتي حرفي بالقصبة، إلى أن هذه الأخيرة يقطنها حوالي 5 آلاف نسمة، تترفع كلها إلى عائلات وأسر تعود جذورها لآلاف السنين. ومن الصعب جدا إعادة إسكان الجميع للحفاظ على القصر كمعلم تاريخي وسياحي شبيه بقصبة العاصمة، "وإنما الحل يكمن في مساعدة السكان ماديا من أجل أعمال الصيانة والترميم؛ لأنها مكلفة جدا، خاصة أننا كسكان، نقوم بهذه الأشغال كل سنة؛ بسبب تسربات مياه الأمطار وغيرها من العوامل".
كذلك يقول أبو الزهراء، وهو من عرش بني إبراهيم بالقصبة، ويشرح: "90% من بنايات القصر آيلة للسقوط، وأصعب المواسم علينا هو موسم الشتاء؛ لأننا نضطر للخروج من بيوتنا خوفا من سقوطها علينا، وهو ما يجعل نسبة كبيرة من السكان تلجأ للكراء طيلة ذات الموسم. وبالإضافة إلى الهشاشة، هناك عامل الضيق؛ فالبيوت عبارة عن 4 غرف، طول الواحدة وعرضها 1.5 متر مربع على متر مربع". ويقاطعه مواطن آخر ليقول من جهته: "كل الحلول التي نلجأ إليها ترقيعية فقط، وكل السكان هنا لديهم ملفات إعادة إسكان، تعود لأكثر من 20 سنة، ولم نر إلى اليوم ردودا إيجابية".     

قصبة ورجلان.. عروش تتعايش في سلام منذ الأزل
تعود تسمية ورڤلة إلى ألوركنان أو ألورجنان ورجلان، وهي كلمات أمازيغية محلية مترادفة، وتعني جِنان مُحاطة، حسبما ذكره ابن خلدون من حيث أن ورجلان أو ورڤلة محاطة بـ 5 واحات، هي الرويسات، سيدي خويلد، بني ثور، سيدي عتبة وأنڤوسة، وهذه الواحات تجعل من المنطقة جنة في قلب الصحراء، لذلك تُُعرف ورقلة منذ القدم باسم "سلطانة الواحات"، حسبما يفيدنا به المؤرخ الأستاذ محمد بن مدور، الذي أجرى بحثا مستفيضا عن تاريخ الولاية لما يزيد عن الـ 7 أشهر. وأوضح لـ "المساء" في لقاء خاص، أن ورقلة من بين أعظم مناطق الصحراء الجزائرية. وقد عرفت تواجد العديد من الحضارات، منها الرستمية والحفصية والمرينية، ثم العثمانية وبعدها التواجد الاستعماري الفرنسي.
وحسب المؤرخ، فإن القصر العتيق أو القصبة لا علاقة لها بأي شكل من الأشكال بالتواجد العثماني، مثلما قد يخيَّل للبعض؛ إسقاطا لقصبة العاصمة التي بناها العثمانيون منذ أكثر من 2000 سنة، "وإنما سميت القصبة لأنها محيط سكاني مُحصَّن بأبواب، وميزة مبانيها أنها مشيَّدة بمادة الطوب؛ لأن الحجارة غير متوفرة بالصحراء، وهذا سبب عدم توسع الرومانيين وبناء حضارتهم بالصحراء الجزائرية".
وتحصي قصبة ورڤلة حوالي 20 مسجدا وأكثر من 40 زاوية لتدريس وتعليم القرآن والسنّة النبوية الشريفة، هذا ما يعكس الارتباط الوثيق بالجانب الديني لأهل القصر، يجسده تواجد مسجد وزاوية في كل حي تقريبا، حسب مصادر محلية. ولعل هذا التعدد الكبير في المساجد والزوايا يعود إلى العروش الثلاثة التي تقطن القصبة في تعايش سلمي واضح منذ آلاف السنين. ويشرح الأستاذ بن مدور أن هذه العروش مقسمة بين الإباضيين والوهابيين والعرب، وكل عرش من عروش بني إبراهيم أو بني سيسين أو بني واڤين منقسم على 3 أحياء من القصبة، وكل حيّ له بابان، ولكل عرش مساجده الخاصة وزواياه وحتى ساحاته التي يجتمع فيها الأعيان، علما أن هذا القصر العتيق كان للسكان، أما قصر السلطان فيوجد بمنطقة تيماسين. 
والملاحَظ بقصبة ورڤلة أنها تشبه، إلى حد كبير، قصبة العاصمة، خاصة في الزقاقات الضيّقة والدكاكين المرصَّعة بها، التي تعود أغلبها لحرفيين في عدة صناعات، مثل الدباغة، الخياطة، النجارة، النحاس، الترصيص الصحي، النسيج، صناعة الزرابي وغيرها من الصناعات اليدوية التي تراجع الإقبال عليها في السنوات الأخيرة، بسبب عزوف الشباب عن تعلمها وإتقانها، حسب الحرفي بلخير سدراتي، الذي يُعد أقدم حرفي في الترصيص الصحي، أكد أنه تخرّج على يده طيلة 42 سنة، 200 حرفي في الترصيص، بالإضافة إلى 3 إلى 4 متربصين ترسلهم مختلف معاهد التكوين المهني للتربص التطبيقي، منهم الشاب قدور شنين من حي مخادمة، الذي وجدناه بورشة الشيخ سدراتي يتلقى تكوينا تطبيقيا.
من جهة أخرى، يشير الشيخ بلخير سدراتي إلى أن أغلب دكاكين الحرف التقليدية بالقصر العتيق أوصدت أبوابها بسبب نزاعات الورثة، وهو ما أثر على الطابع السياحي للقصبة، التي رغم إغلاق دكاكينها إلا أن أبوابها الرئيسة بقيت مفتوحة لزائريها..
جدير بالذكر أن لقصبة ورڤلة جمعية تعنى بها تسمى "القصر للثقافة والإصلاح"، قصدتها "المساء" أثناء تواجدها بالولاية مؤخرا ولأكثر من مرة، لإجراء مقابلة مع رئيسها، لكنها لم توفَّق في ذلك بسبب الغيابات المتكررة لهذا الأخير.