مست جل المهن وهزت ثقة الزبائن

"فولي طياب".. حالة نفسية عمادها حب الذات

"فولي طياب".. حالة نفسية عمادها حب الذات
  • القراءات: 1179
  ❊رشيدة بلال ❊رشيدة بلال

"فولي طياب" أو "فولو طياب" عبارة لطالما سمعنا بها، أو تحدثنا بها لوصف بعض الأشخاص الذين يمتدحون أنفسهم على حساب غيرهم، وفقا لمقاييس وشروط يضعونها بأنفسهم ويعتقدون أنهم على صواب، هذه العقلية التي كانت فيما مضى مقتصرة على بعض المهن، واليوم امتدت لتمس عددا كبيرا من المجالات.. "المساء" سلطت الضوء على موضوع حب الذات وانتقاد الغير من باب الرغبة في تحقيق بعض الامتيازات الشخصية، ولو كان ذلك على حساب الإضرار بالغير.

في استطلاع للرأي، جمعت "المساء" عددا من القصص الواقعية التي تعكس مدى تفشي ظاهرة حب الذات، ولم تقتصر عند هذا الحد، بل أخذت مفهوم الإضرار بالغير، لكن بطريقة غير مباشرة أو ضمنية، ولعل الصورة الأكثر تداولا والتي حدثت، حسب ما استقيناه على ألسنة عدد من المستجوبين، كانت مع البنائين، فمن منا لم يأت ببناء إلى منزله واضطر لسبب أو لآخر إحضار بناء آخر ليتم العمل أو ينجز له عملا آخر، وأول عبارة يسمعها من البناء الثاني، هو انتقاد عمل من سبقه من باب أنه لا يعرف وأن عمله مليء بالعيوب، وكان في إمكانه أن يتفادى كل تلك العيوب لو اتصل به أولا، والتي تصب طبعا في باب "أنا فولي طياب".

إذا كانت مهنة البناء من أكثر المهن التي يحب ممارسوها انتقاد غيرهم من باب الرغبة في الاستحواذ على العمل وكسب الزبائن، لتحقيق الأرباح المالية، فإن الأمر لم يقتصر على هذه المهنة فقط، إنما تعداه أيضا إلى مهنة النجار والدهان والميكانيكي، والتي لا يتحرج ممتهنوا هذه الأعمال في انتقاد غيرهم بطريقة علنية، وفي بعض الأحيان ساخرة، وعلى حد قول أحد المواطنين، فإن عبارة "فولي طياب" تحولت إلى وباء سرعان ما انتشر ليمس كل المهن، ويسرد بالمناسبة ما وقع له مع مصلح سيارات، حيث أشار إلى أنه، بعد أن تعطلت سيارته، أخذها إلى أحد الميكانيكيين، ولأنه ربما لم يتقن عمله أو أن السيارة تعطلت من جديد لسبب ما، عرضها من جديد على ميكانيكي آخر، غير أن المفارقة كانت بأن أول ما قاله الميكانيكي عبارة "من الذي أحدث هذه الفوضى في السيارة؟ رغم أن الميكانيكي السابق، يوضح محدثنا، أحسن عمله"، ويوضح "في اعتقادي أن السيارة كانت على ما يرام بعد أن صلحها، وما أصابها من عطب راجع لأمر آخر، غير أنني سرعان ما أيقنت أنه أراد بطريقة ما أن يقنعه أنه أفضل ميكانيكي، وما حدث للسيارة راجع إلى كون الميكانيكي السابق لم يحسن إصلاحها، رغم أن سبب العطب الأول لم يكن نفسه السبب الثاني".

نفس القصص نجدها أيضا متداولة عند الحلاقات في صالونات التجميل، فإن حدث ودخلت إلى قاعة حلاقة، أول انطباع تمنحه الحلاقة أن وضعية شعرك أو وجهك كارثية، وإن حدثتها بأن الحلاق الفلاني أو المختص في التجميل الفلاني من تزوره، سرعان ما تبدأ في انتقاد عمله من باب طبعا "فولي طياب" ولربح الزبائن، وهو ما جاء على لسان مواطنة حدثتنا قائلة، إنها غيرت صبغة شعرها عند حلاقة في حيها، وبعد مدة من الزمن، عادت إلى نفس الحلاقة لقص شعرها، غير أن المفارقة التي صدمتها، كانت تعليق الحلاقة التي قالت لها بالحرف الواحد "من اختار لك هذا اللون غير المناسب؟" وعندما أكدت لها أنها هي من فعل ذلك، أنكرت كلامها، وأكدت لها أنه ليس عملها و«من قام بهذا العمل شخص غير متخصص ولا يعرف فن الحلاقة، "الأمر الذي أصابني بصدمة وجعل ثقتي تهتز بأصحاب هذه المهنة"، تقول محدثتنا.

المفارقة التي وقفنا عليها في موضوع "حب الذات" أن عبارة "فولي طياب" لم تقتصر على بعض المهن لفئة غير مثقفة، إنما مست أيضا بعض المهن التي يفترض أن أصحابها على درجة كبيرة من الوعي والمستوى الثقافي، ولعل من بين هذه المهن، مهنة طبيب الأسنان، وهو ما حدثتنا به مواطنة، أكدت في معرض حديثها أنها في كل مرة تقصد طبيب أسنان معين إلا وانتقد عمل طبيب آخر، الأمر الذي هز ثقتها في كل أطباء الأسنان، وجعلها تتيقن أن حب الذات والرغبة في كسب الزبائن تحولت إلى هاجس العمال في جل المهن.

فما هو رأي الأخصائيين في الموضوع؟

ترى الأخصائية في علم الاجتماع، الأستاذة راضية صايفي، في معرض حديثها مع "المساء"، أن موضوع حب الذات الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة مست عددا كبيرا من المهن، في اعتقادها مرده "الغيرة"..

حسبها، "حب الذات" حالة نفسية تغذيها المصلحة الشخصية والرغبة في إثبات الذات، حتى ولو كان ذلك على حساب الإضرار بالغير أو الإساءة إليه، وهو ما يعرف في تعبيرنا الشعبي بـ«فولي طياب"، مشيرة إلى أن تفشي هذه الظاهرة، إن صح التعبير، الغاية منها تحقيق المصلحة الشخصية.

على صعيد آخر، أشارت الأخصائية في علم الاجتماع، إلى تفشي هذه الظاهرة في مختلف المهن والتخصصات، فالجميع، حسبها، يرغب في أن يكون الأفضل، لكن بطريقة فيها الكثير من الإساءة للآخر، الأمر الذي غيب قيمة الاحترام حتى بين من يتقاسمون نفس المهن، وخلق نوعا من الشك والريبة عند الزبائن أيا كان التخصص المطلوب.