مهن في طريق الاندثار

فوبيا الإفلاس تطارد الإسكافيين

فوبيا الإفلاس تطارد الإسكافيين
  • القراءات: 872
❊نسرين طالبي ❊نسرين طالبي

سيطرت المنتجات الصينية خلال السنوات الأخيرة على أسواق دول العالم الثالث، وهو حال السوق عندنا، حيث يجد فيه المواطن منتجات مختلفة بأسعار جد معقولة، تتوافق وقدرته الشرائية، دون البحث في نوعية الحذاء أو مدى صحته، إذ يجد نفسه بعد أسبوع أو أقل، أمام طاولة الإسكافي من أجل خياطة أو إعادة تركيب نعال لتلك الأحذية التي لا يتعدى سعر أغلبها 1000 دج، في حين يفضل آخرون الاتجاه إلى محل لبيع الأحذية الرخيصة وشراء واحد جديد بدل ترقيع ما تمزق، وهو الأمر الذي أثر على مهنة الإسكافي وجعلها في طريق الاندثار، حسبما أكده لـ"المساء" أصحابها.

يقبع معظم الإسكافيين على قارعة الطريق بفارغ الصبر، منتظرين قدوم زبون لإصلاح ما يجب، وسط دقات المطارق والمسامير الصغيرة ورائحة الجلد والغراء والأقدام، فمنهم من يأتي لترقيع حذائه ومنهم من يخيط حقيبة طفله، وآخر يناقش سعر حذاء قديم يجدد نعله، خاصة إذا كان من الأحذية غالية الثمن.

إسكافيون لأكثر من 18 سنة! 

في أحد شوارع عين البنيان، وبالقرب من السوق تحديدا، يجلس عمي محمد المدعو "البوسعادي"، رفقة أربعة آخرين، كلٌ أمام لوازم عمله، في انتظار حضور أحد الزبائن وتقديم خدمة تضمن له لقمة العيش، خاصة أنه يعمل من أجل إعالة أربعة أبناء وزوجة. يحدثنا عمي محمد وهو يعكف على العمل، حتى لا يعطل زبونه قائلا "عملت في هذا المكان لمدة 22 سنة، ومن المستحيل أن أتوقف عنه كونه مصدر رزقي، فطرق المسمار يريحني من كل أوجاع الحياة"، أضاف عمي محمد مسترسلا أن 70٪ من المقبلين على تصليح الأحذية نساء،  في المقابل لا تتعدى نسبة الرجال الـ25٪، كلهم من مستوى مادي متوسط. يؤكد في السياق، أن الإقبال على ترقيع الأحذية القديمة في تراجع مستمر مقارنة بالأعوام الماضية.

فيما يخص ما يربحه يوميا نظير جهده، قال عمي محمد، إن دخله اليومي كان يتراوح بين 1500دج و2000 دج في وقت سابق، بينما لا يتعدى حالياً الـ1000 دج. وعقب انتهائه من تصليح حذاء امرأة، دفعت له 350 دج، فرفض عمي محمد ذلك وقال إنه لم يطلب سوى 250 دج مقابل الخِدمة.

أشار عمي محمد إلى أن له زبائن أوفياء منذ 18 سنة، فمنهم من أصلح له حذاءه أربع مرات على التوالي دون أن يتمكن من شراء آخر جديد، لافتا إلى أن هناك العديد ممن يقدمون على ترقيع نعالهم بنسبة كبيرة في فصل الشتاء. من جهة أخرى، أعرب عمي محمد عن خشيته من فقدان أبنائه الذين يبلغون من العمر 22 و24 سنة في قوارب الموت، هربا من الوضعية الصعبة التي يعيشها، يقول، والدموع منهمرة من عينيه "سأعمل لأجلكم، فقط لا تهجروني أريد أن أراكم يوميا إلى جانبي".

تنافس في عدد دقات المطارق

على صعيد آخر، يجتهد الإسكافيون المتواجدون على نفس الخط لكسب قوت العيش، من خلال تصعيد ضربات المطارق التي بفعلها يزيد المدخول، إذ أكد عمي قدور (صاحب الـ50 سنة) الذي يجلس غير بعيد عن زميله في المهنة، أن الوضع أفضل نوعا ما، لأن معظم الناس لا يستطيعون شراء أحذية جديدة، فيفضلون اللجوء إلى الإسكافي، واصفا الأمر بـ«مصائب قوم عند قومِ فوائد"، مؤكدا أن أسعار الخدمة تتراوح بين 250 دج لخياطة الحذاء و600 دج لإعادة تركيب نعال الأحذية و100 دج لما يسمونه بـ"المسمار".c