الاستشفاء المنزلي

فريق للعناية بمرضى السرطان في وهران

فريق للعناية بمرضى السرطان في وهران
  • 939
  (واج) (واج)

تشير الساعة إلى التاسعة صباحا. فريق الاستشفاء المنزلي التابع للمركز الاستشفائي الجامعي لوهران جاهز لبدء عمله اليومي، والتنقل عبر أحياء المدينة بهدف التخفيف عن مرضى لم تعد لديهم القدرة على التوجه إلى المرافق الصحية. سيارة الإسعاف متوقفة خارج مصلحة طب الأورام السرطانية، مستعدة لنقل المرضى الذين يتم التكفل بهم من طرف هذه الوحدة من المصابين بداء السرطان في المرحلة المتقدمة، واحتراما لهؤلاء المرضى، حذفت الإدارة إشارة "طب الأورام السرطاني" المكتوبة على أبواب السيارة.

 يتواجد بداخل السيارة فريق نسوي: ممرضة شابة وأخصائية نفسانية وسائقة سيارة الإسعاف حنان التي تعتبر المرأة الوحيدة التي تزاول هذه المهنة في الجهة الغربية للوطن. 

تقوم الدكتورة فاطمة زروقي بتقديم طاقم مصلحتها لـ(وأج)، فمع خمسة أطباء عامين وممرضتين وأخصائية نفسانية تتنقل وحدة الاستشفاء المنزلي التابعة للمركز الاستشفائي الجامعي لوهران كل يوم، إلى بيوت خمسة أو ستة مرضى حالاتهم في مرحلة متقدمة من الإصابة بالسرطان حتى تقدم لهم العلاج. تتكفل هذه الوحدة التي أنشأت في مارس 2015 بنسبة 90 بالمائة من المرضى المتقدمين في السن الذين أرهقهم المرض، ولمن اعتبرت العلاجات العادية (الكيميائي والإشعاعي) غير مجدية من قبل الأطباء. 

وعلى الرغم من الشمس الساطعة في هذا اليوم من بداية الخريف، كان الجو في سيارة الإسعاف متوترا بعض الشيء. وعلى طول الطريق لم يكن الفريق ثرثارا جدا. "صحيح إن عملنا يؤثر على مزاجنا. نشعر جميعا ببعض الحزن والاكتئاب أحيانا ولا يمكن فعل أي شيء أمام هذا المرض"، كما تعترف الدكتورة زروقي، مضيفة أن هذا التواصل مع المرضى يعلم المرء كيف يكون متواضعا. "نرى كل يوم أن المرض والموت قريبين من الجميع، سواء الأغنياء أو الفقراء، الضعفاء أو الأقوياء والكبير أو الصغير"، كما تقول. 

 

مدرسة لتعلم معنى الحياة

تعتبر هذه المصلحة بمثابة مدرسة حقيقية لمن يريد أن يتعلم من دروس الحياة، كما أضافت نفس المتحدثة، قبل أن تسارع في إعطاء التعليمات الأخيرة. وأبلغت بقية أعضاء الفريق أن الدكتور بوحلوان هو الذي سيقود المهمة، فالتزاماتها المهنية ومسؤوليتها تجبراها على البقاء بالمصلحة. 

وبمجرد أن ركب الدكتور بوحلولن السيارة، تغيرت الأجواء وشرع الجميع في الكلام، ليتواصل النقاش طيلة المشوار بين المركز الاستشفائي الجامعي بوهران وحي "أكميل"، اين يقيم أول مريض يحظى بالزيارة في هذا اليوم، وتعد الوحدة قريبة جدا من المرضى، فهي تعتني بهم مثلما نعتني بعائلته. منذ البداية، لوحظ أن سلوك هذا الطبيب كان صادقا بشعور حقيقي يمتزج فيه التعاطف والسخاء. "إنها ميزات ضرورية للتمكن من مواصلة العمل في مصلحتنا"، حسب جميلة الأخصائية في علم النفس التي تؤكد أنه من الصعب عدم التعلق بالمرضى، كون الفريق الطبي يتقاسم معهم ومع عائلاتهم الكثير من الأمور مع أعضاء فريق الاستشفاء المنزلي... معاناتهم وأحزانهم ومخاوفهم وقلقهم وحتى أوقاتا ممتعة يتخللها الضحك والنكت، فزيارة الفريق بعيدة كل البعد عن الطابع التقني البحت. 

ينتهي المطاف دائما بأداء أعضاء الوحدة لمهامهم بوجدانهم فيما يعبر لهم المرضى وعائلاتهم عن امتنانهم وشكرهم بعبارات تدعو لهم بالخير، شاكرين هؤلاء "الملائكة" الذين يخففون عنهم الكثير من الآلام.   ومن بين هؤلاء، كمثال خالتي يمينة التي تعتني بزوجها البالغ من العمر 72 عاما، المصاب منذ سنتين بسرطان البروستاتا، قبل التكفل به من قبل وحدة الاستشفاء المنزلي كانت تضطر إلى نقله في سيارة إسعاف، خاصة كانت تكلفها 18000 دج. وهو مبلغ كبير بالنسبة لعائلة بسيطة تعيش من منحة تقاعد جد متواضعة. 

«لقد رأتني البنات (وهي تتحدث عن الممرضات) أتفاوض مع سائق سيارة إسعاف، أمام مصلحة الأورام السرطانية، فاقترحن علي صيغة التكفل في البيت. كان ذلك منذ عام وهذا الفريق يشرف على علاج زوجي"، كما قالت. 

يعاني الحاج دحو 89 سنة من سرطان الرئة. يبدو أنه على ما يرام. يعيش مع زوجته وابنه الأصغر وعائلته، وزوجة ابنه هي التي تعتني به "إنها ممرضتي الثانية"، حسبما ذكر مفتخرا بأن  بجانبه شخص متفان. 

تقبل التشخيص المفزع

استمرت الزيارة عند الحاج دحو المقيم في حي "السلام" (سانت أوبير سابقا) ساعة تقريبا، وهي المدة اللازمة لفحصه وتقديم حقنة له لمساعدته على التنفس بشكل أسهل. كانت ساعة تقاسم روى خلالها الشيخ بدعابة وفكاهة ممتزجة بلمسة من الحنين إلى الماضي، قصة أربع زوجات وأحد عشر طفلا؛ "كان لي فريق كرة قدم مكتمل ولكن توفي منه حارس المرمى"، على حد قوله. 

إذا كان المريضان الأولان "يتعاملان بشكل جيد" مع المرض فإن الحال ليس نفسه بالنسبة للجميع. "هناك أشخاص يوجدون في وضع صعب جراء عدم تقبلهم لمرضهم أو يعيشون نزاعات عائلية"، كما تقول جميلة الأخصائية النفسانية. 

وبعد لحظات من الدعابة والود، كانت الزيارة الثالثة أصعب قليلا. ويحذر الدكتور بوحلوان من أن المريضة القادمة ليست في نفس حالة سابقاتها. 

يمينة (59 عاما) مصابة بسرطان الثدي، لم تتغلب على هذا المرض، على الرغم من العلاجات العديدة، بعد هشاشة العظام قرر الأطباء إيقاف العلاج والاكتفاء بالعلاج المخفف. 

لقد سبب الداء تآكل عظام هذه المرأة البائسة طريحة الفراش منذ أكثر من عام، وقد أضحت أعصابها منهارة وأصبحت تعاني من تكرار نوباتها العصبية وتزيد من صراعاتها مع ابنها. وحماسها حيال الفريق الطبي ليس في أفضل حالاته. وهي تعيب عليهم أنه "لم يتغير شيء في وضعها". لم تتقبل أبدا بأن حالتها ميؤوس منها، فهي تتوسل من الدكتور بوحلوان مساعدتها على الحصول على تكفل في الخارج، وهو لا يجرؤ بالبوح لها بحقيقة الأمر. 

لا يمكن لسخاء وتعاطف أعضاء الفريق تعويض تكوين للتكفل النفسي بالأشخاص الميؤوس من حالاتهم. فجميلة لا تحمل سوى شهادة ليسانس في علم النفس السريري، قالت إنها ترغب في أن تحظى بتكوين لمواجهة مثل هذه الحالات والاطلاع على أشياء كثيرة، منها قرار الإفصاح أو لا عن التشخيص للمريض. 

يبقى الإعلان عن حالة ميؤوس منها وعن الموت القادم لمريض مهمة صعبة للجميع. 

«أغلبية العائلات تطلب من الأطباء عدم الكشف عن الحقيقة المحزنة للمريض"، حسب الدكتور بوحلوان، معتبرا بأن إخفاء الحقيقة يمكن أن تنشأ فجوة بين المريض وعائلته لدرجة أن كل منهما سيعيش الوضع كجدار من الصمت يعزل المريض خصوصا. 

وفي غياب قانون تضطر فرقة الاستشفاء المنزلي إلى الانصياع لإرادة عائلات المرضى، بالتالي عدم البوح بالحقيقة واللجوء أحيانا إلى الكذب لتجنب الصدمة والألم. 

وبدون شك، فإن وحدة الاستشفاء المنزلي تبقى مبادرة تستحق الإشادة ويتطلب تكثيفها خصوصا "يتعين توفر وحدات مماثلة لدى جميع المصالح المتخصصة في الأمراض المزمنة"، حسب الدكتور بوحلوان، مشيرا إلى أن سيارة إسعاف واحدة لا تكفي لمصلحة طب الأورام السرطانية التي تبقى بحاجة إلى المزيد من الوسائل للتكفل بشكل أفضل بهؤلاء المرضى، وتبقى هذه الوحدة تجربة إنسانية كبرى مفعمة بالعطاء والضمير المهني الحي.