للاحتفال بمنطقة القبائل نكهة أخرى

فرصة للمّ الشمل واستعداد لموسم الزرع

فرصة للمّ الشمل واستعداد لموسم الزرع
  • القراءات: 1024
 س. زميحي س. زميحي

 تحتفل العائلات القبائلية يوم 12 جانفي، بالفاتح يناير من رأس السنة الأمازيغية 2966 في جو تميزه الفرحة التي تغمر كل العائلات التي تهم باستقبال عامها الجديد، وكلها آمال في عام يسوده الخير والصحة وجني محصول وفير، لاسيما أن هذا الاحتفال يعد بداية الرزنامة الأمازيغية المتعلقة بخدمة الأرض والزرع. كما يعد إحياء لذكرى سحق الزعيم الأمازيغي شيشناق رمسيس الثاني فرعون مصر. وتضم كلمة يناير شقين؛ "ينا" يعني الفاتح و"ير" الشهر، أي الفاتح من الشهر.

تبدأ التحضيرات لهذا الاحتفال بأيام قبل حلوله، فالكل يقدر أهميته ويعرف كيفية الاحتفال به، فربات البيوت يحضرن مختلف الحلويات التقليدية مسبقا كي يتناولها أفراد العائلة. كما يوزع جزء منها على الأحباب والأقارب والمحتاجين، ويقوم الرجال باقتناء الدجاج وذبحه في البيت، ليتم تحضير طبق الكسكسي بالمرق الذي يحوي مختلف أنواع البقول ويجتمع على المائدة كل أفراد الأسرة، ومن بين التقاليد المتوارثة؛ نحر ديك على كل رجل من البيت ودجاجة عن كل امرأة، وديك ودجاجة على الحامل، لأن المعتقدات السائدة تشير إلى أن سيلان الدماء يقي أهل البيت من الأمراض والحسد على مدار أيام تلك السنة.

كما تقوم النساء بتحضير أطباق مختلفة من الطبيعة، فخدمة المرأة القبائلية للأرض ليس من أجل توفير متطلباتها فحسب، وإنما عادة ورثتها عن الأجداد الذين يخدمون الأرض بقلوبهم، فالعادات بالمنطقة شيء لا يختلف فيه اثنان، الهدف منها جمع شمل الأسر وتوحيدها. فعلى مائدة يناير يجتمع أفراد العائلة الواحدة لتناول طبق المناسبة التي يتم التحضير لها على مدار أيام السنة، من خلال ادخار عدة بقول وخضر جافة بهدف تحضير طبق "ثاربوث إيسوفار" أي الطبق متعدد البقول، حيث يشترط أن يضم 7 أنواع من البقول الجافة، مع إضافة لحم الأضحية.

وأهم ما يميز مائدة يناير؛ تقديم مختلف الأكلات في صحون من الفخار، تعيد إلى الأذهان ذكريات من الزمن القديم، حيث كان أفراد العائلة لا يتخلفون عن العشاء، ويكون "إمنسي نيناير" فرصة رائعة للاجتماع على مائدة العشاء، لأنه سيحدد مستقبل العائلة ورزقها طوال أيام السنة الجديدة، لذلك تحرص النساء على تنوع المأكولات، لاسيما منها المحضرة من العجائن كـ"الخفاف"، "المسمن"، "ثيغريفين"، "أشباظ"، احدور، "أغروم بولحوال"، "ثاحنونت بشراو"، وغيرها لما لها من معان وقوة التمسك بموروث الأجداد.

ومن جملة العادات المتوارثة أيضا، أن يسأل كل واحد الآخر إذا شبع 3 مرات، وعلى الفرد الذي سئل الإجابة بنعم 3 مرات، ويسأله هو الآخر بنفس السؤال بعد الانتهاء من الأكل، بنية أن يبقى الفرد شبعانا طيلة السنة، كما تعمد ربة البيت إلى الاحتفاظ بحصة المغترب التي تعمد إلى تحضيرها ووضعها على الطاولة طيلة ليلة كاملة. كما تتفق النساء على ضرورة وصول عشاء يناير إلى كل البيوت. وإذا أمطرت السماء في تلك الليلة أو في اليوم الأول من السنة الجديدة، فإن الأمطار ستنزل بغزارة خلال هذه السنة، وسيكون الموسم الفلاحي جيدا وتكون المحاصيل الزراعية وافرة، كما لا يتم غسل الصحون في هذا اليوم، وتترك لليوم الموالي.

من جهتها، تقدم الزوايا بالمنطقة طبق الكسكسي باللحم لطلبة "تمعمرت"، كما يتم قراءة القرآن، والدعاء إلى الله بحفظ وستر العائلات ورزقها بالصحة والخير وجمع شمل أفرادها مع الصلاة على الرسول الحبيب، وختمها بأدعية والتذكير بأحاديثه في حب الغير. وتتواصل أجواء الفرحة والبهجة في سهرة طويلة تجمع الأسرة بأحبابها وأقاربها لقضاء وقت ممتع في جو احتفالي، لاسيما مع "أشويق" و"أورار" الذي تؤدي فيه النساء أغاني جميلة تجمع بين الرقص والفكاهة، مع الدعاء بالصحة والخير الوفير في السنة الجديدة وتبادل التهاني والتحيات، ولعل اهتمام سكان القبائل بمثل هذه العادات ليس فقط لأنها موروثة كذلك، كونها مناسبة تنسى فيها العائلات النزاعات والخلافات.