أخصائيون لا تعكس تصرفاتهم أقوالهم

فاقد الشيء لا يعطيه..

فاقد الشيء لا يعطيه..
  • القراءات: 457
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

في ظاهرة تبدو مضحكة نوعا ما، غالبا ما نجد أنفسنا أمام أخصائيين لا يعكسون أبدا اختصاصاتهم، فمن منا لم يسبق له ـ مثلا ـ أن استشار طبيب أسنان لا يتمتع بأسنان ناصعة البياض، أو أخصائي في التغذية يعاني السمنة، أو أخصائيا في أمراض الحنجرة يستغل دقائق استراحته لتدخين سيجارة، وغيرها من المظاهر الأخرى، وهي حقيقة حاولت ”المساء” فهم بعض جوانبها، من خلال استفسار الأمر من بعض الأخصائيين في ميادين مختلفة.

تعد استشارة أخصائي عند الوقوع في أزمة معينة صحية، وتصرفا عفويا يقوم به أي شخص. تنقلنا إليهم في المستشفيات والعيادات يشعرنا دائما بالراحة، لكن ماذا لو أن الشخص الذي سيشخصنا لا يعكس أبدا ما تنقلنا لطلب النصيحة منه، وهل هؤلاء الأخصائيين يتصرفون دائما وفق النصائح التي يقدمونها لغيرهم من المجتمع؟ هي التساؤلات التي يطرحها العديد منا، وملاحظة قد تدفعنا إلى التساؤل؛ هل قصدنا المكان الصحيح للعلاج أو لطلب النصيحة؟

بداية، كان لـ«المساء” حديث مع الدكتورة مزنان، طبيبة منسقة أوضحت أن الإنسان غالبا ما يكون ضحية نفس الأخطاء، مهما كان تخصصه في مجال معين، إلا أن تلك الأخطاء قد تختلف درجاتها وحدتها. مشيرة إلى أن من واجب الأخصائي التصرف وفق ما يؤمن به من علم ودراسة نافعة للمجتمع، ولا يمكن لشخص إقناع غيره إذا كان هو لا يؤمن بالفكرة أو المنطق الذي يسير وفقه، مشيرة إلى الطبيب المدخن، مثلا، قائلة ”العديد من زملائي الذين يشتغلون في السلك الطبي يدخنون، رغم أنهم مقتنعون بأن التدخين مضر بالصحة ومميت، وغالبا ما ينصحون مرضاهم بالابتعاد عنه، رغم أنهم يتصرفون عكس ذلك، لكن تجدهم يحاولون دائما العدول عن التدخين، بعيدا عن أنظار المجتمع الذي يعرف مكانتهم الاجتماعية أو نوعية عملهم، لأنهم يدركون أن الأمر مناف لمصداقية عملهم. أضافت المتحدثة أن هذه الظاهرة نرصدها في ميادين مختلفة، حتى الأبسط منها، فمثلا عند زيارة صالون حلاقة، ورغم تخصص العاملين فيها بمجال العناية بالجمال الخارجي، إلا أننا قد نجد منهن من لا يترجمن تخصصهن، كتجميل الأظافر أو القيام بتسريحة شعر جميلة وغير ذلك.

على صعيد آخر، أوضح فؤاد، مدرب رياضي قائلا ”حقيقة، في كثير من الأحيان، نجد أشخاصا يعملون في مجالات لا يعكسون أبدا تخصصهم، إذ عادة ما تجد، مثلا، بعض أصحاب صالات الرياضة واللياقة البدنية  والنوادي الرياضية الكبرى، لا تعكس أجسادهم الميدان الذي يعملون فيه، فتجدهم لا يمارسون الرياضة أبدا، وليس لديهم أية لياقة بدنية، أو قد تجدهم يعانون السمنة أو النحافة، وغيرها من المظاهر الأخرى التي يتبيّن أن الشخص لا علاقة له بتخصصه.

من جانبه، قال كريم مسوس أخصائي التغذية، إن اتباع نظام غذائي سليم هو أفضل ما قد يقوم به الشخص للحفاظ على صحته، لكن ليس من السهل تبني كل القواعد الصارمة التي قد تتعلق بالنظام الغذائي الصحي، مشيرا إلى أن أخصائي هذا العالم دائما يحاولون احترام تلك القواعد والعمل وفقها، لاسيما بالابتعاد عن أكثر الأخطاء المرتبطة بالنظم الغذائية، إلا أن هذا لا يمنعهم أحيانا من الغش فيما يتعلق بما يستهلكونه، والدليل على ذلك، وجود بعض الأخصائيين في المجال، الذين يعانون مشاكل صحية مرتبطة بالنظام الغذائي، على غرار ارتفاع ضغط الدم أو السكري. تتعدد الأمثلة التي قد نلاحظ من خلالها، تجاوز بعض الأخصائيين القواعد التي قد ينصحون بها من يستشيرهم، هذا ما قاله بعض المواطنين الذين مسهم استطلاعنا، حيث قالت فتيحة، إن هذه ظاهرة حقيقية، ففي إحدى المرات، زارت طبيب أسنان كان يعاني اصفرارا في الأسنان بسبب التدخين، رغم أن تخصصه يجعله خبيرا في كل ما يضر الأسنان، إلا أنه يمارس أكثر العادات المسببة لتلف جانبها الجمالي.

أما حياة طالبة في علم النفس، فقد أعطتنا مثالا عن بعض المنادين بضرورة التبرع بالدم، والذين لم يسبق لهم أن قاموا بالعملية من قبل، مشيرة إلى أن عدم الاقتناع بالفكرة تجعل مهمة إقناع المجتمع بها جد صعبة، وقالت ”فاقد الشيء لا يعطيه”، فإن لم نبادر بالتصرف وفق ما ننصح من حولنا القيام به، فإن ذلك يؤثر على مصداقية أقوالنا، لاسيما إذا انعكست علينا تصرفات مخالفة لما نحاول جعل الفرد الآخر يؤمن به.