قضايا تزوير وتحايل تعالج يوميا

غياب ثقافة قراءة محتوى الوثائق الرسمية يجر إلى المحاكم

غياب ثقافة قراءة محتوى الوثائق الرسمية يجر إلى المحاكم
  • القراءات: 779
❊نور الهدى بوطيبة ❊نور الهدى بوطيبة

تعالج بصفة يومية على مستوى المحاكم، العديد من القضايا المتعلقة بتزوير وثائق إدارية وأخرى رسمية، وهي أكثر الملفات التي يتم التحقيق فيها لحساسيتها الكبرى، هذا ما أشار إليه المحامي قاسم بوسالة، الذي أوضح في حديثه مع "المساء"، إلى أن العديد من قضايا التزوير المعالجة في المحاكم سببها "غفلة" الفرد الذي يكون أحيانا "متهما"، وفي أحيان أخرى "ضحية"، مشيرا إلى أن القانون لا يحمي المغفلين، فهناك حقوق عديدة يتم هضمها بسبب تلك القضايا.

حدثنا المحامي عن موضوع تزوير الوثائق والتحايل قائلا؛ "إذا رجعنا إلى أساس المشكل في تلك القضايا، نجد أنه في الكثير من الأحيان يقع بعض المتهمين ضحية "الغفلة" فقط، ويشرح المتحدث ذلك بقوله "نجد أن الفرد يوقع على وثائق إدارية رسمية دون قراءتها، وهو ما قد يجعله يوقع على محتوى لا يتوافق معه، أو لا يوافيه حقوقه، أو قد يكون عقدا يحمل محتوى يتنافى مع أحكام القانون".

أوضح بوسالة أنّ أكثر القضايا المعالجة في هذا الإطار؛ قضايا التزوير، التنازل عن ملكية ـ بالتحايل-، الموافقة على تحويل أموال وغير ذلك، منها القضايا العائلية، وأخرى التي تحدث بين المؤسسات، أو بين المؤسسات والأفراد، كلها تعالج على حدة حسب الحالة، يحقق فيها القاضي العام بالاستعانة بإثباتات رسمية وشهود عيان وغير ذلك، إلا أن الكثير منها يبقى معلقا بسبب غياب الإثبات.

التزوير، يضيف المحامي، نوع من أنواع الجريمة المنصوص عليها في المادة 215 من قانون العقوبات، ولا تقوم هذه الجريمة إلا بثبوته، فالحكم بالإدانة فيه يجب أن يقيم الدليل على توفر "العلم" لدى المتهم، ولما كان مجرد التمسك بالورقة المزورة لا يكفى في ثبوت هذا العلم، ما دام المتهم ليس هو الذي قام بتزويرها أو اشترك في التزوير أو حث شخصا آخر على القيام به.

أضاف المتحدث أن بعض القضايا تحدث بسبب "سذاجة" بعض المواطنين الذين يفتقدون لثقافة مطالعة الأوراق الرسمية التي تقدم لهم قبل توقيعها، وهذا راجع إلى أسباب مختلفة منها "الثقة العمياء" التي لا محل لها في هذه القضايا، سواء حيال الفرد مع مؤسسة، أو مؤسستين فيما بينهما، أو شخصين فيما بينهما، فتلك الثقة قد تؤدي بالفرد إلى توقيع وثائق تحمل قضايا أبعد مما يظن موقعها، كالتنازل عن ملكية مثلا -دون علم-، أو التنازل عن حق معين، أو بكل بساطة، المشاركة في قضية "غير قانونية" بالتوقيع على وثائق ـ مثلا ـ لترسيمها، وهنا يأتي للمحاكم نوعان من القضايا، سواء قضية القبض على المتهمين في حالة تلبس بسبب التزوير، أو قضايا من نوع رفع الضحية قضية على المتهم الذي استغل غفلته لدفعه على التوقيع على وثيقة لم يطلع على محتواها جيدا.

يشير المحامي إلى أن هذا النوع من القضايا موجود في الكثير من الأماكن، لاسيما بالإدارات العمومية، إذ أن مختلف العمليات الإدارية اليوم تتم وفق وثائق رسمية وعقود وغيرها من الوثائق التي لابد أن تتم قبل كل عملية مهما كانت صفتها، مثلا عند فتح حساب جاري، أو عند شراء شريحة أو عند شراء أي ممتلك أو استغلال خدمة أو غير ذلك، تثبت لكل طرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات، وفق شروط محددة، إلا أن أكبر خطأ قد يقع الفرد فيه ضحية، هو عدم قراءة تلك العقود جيدا وعدم معرفة ما يوافق عليه الطرف الثاني.

تمس هذه الظاهرة مختلف شرائح المجتمع، حتى المثقفين، ولا يمكن حصرها فقط في كبار السن أو الشخص مثلا الذي لا يجيد القراءة، فكثيرا ما نلاحظ أن ذلك السلوك أصبح في بعض الحالات عفويا جدا، كأن يقدّم الصراف في البنك وثيقة للزبون لتوقيعها بعد عملية معينة، السؤال الوحيد الذي يتلقاه الصراف من طرف الزبون هو "أين أوقع"؟ وليس ما محتوى هذا أو "لحظة لابد أن أطالع الوثيقة"، فذلك السلوك خاطئ وتلك الثقة العمياء قد يستغلها البعض لأبعد من ذلك، سواء للتزوير أو نهب ممتلكات خاصة، أو تحويل أموال لحساباتهم، أو الهروب من بعض الالتزامات اتجاه زبائنهم.

لهذا يدعو المتحدث المواطنين إلى أخذ كافة وقتهم لمطالعتها قبل توقيعها،  وإذا أمكن الحال الاحتفاظ بها لفترة وجيزة لمعاينتها، ثم اتخاذ قرار التوقيع عليها، كما يمكن الاستعانة بمحام خاص بالنسبة للوثائق الأكثر أهمية، كوثائق الملكية وما إلى ذلك، حتى ينصح المحامي موكله بما عليه القيام به ويشرح له تفاصيل العقد أو تلك الوثائق وما يترتب عليها قانونيا في حالة إمضائها.

نور الهدى بوطيبة