تعود كل صائفة ويعتبرها السكان عقوبة

غلاء الأسعار بالمدن الساحلية.. ضريبة موسمية

غلاء الأسعار بالمدن الساحلية.. ضريبة موسمية
  • القراءات: 618
 حنان. س حنان. س

أكّد قاطنون بالمدن الساحلية أنّهم يدفعون ضريبة سكنهم القريب من الشاطئ مع كلّ موسم صيفي بسبب إلتهاب الأسعار التي عادة ما يقف وراءها أعداد السياح المتوافدين على الشواطىء، ونفوا في حديث إلى "المساء" وجود ضوابط تنظّم الحياة التجارية، حيث تعرف أسعار أبسط الحاجيات زيادة وصفوها بـ«غير المقبولة"، وأكّدوا أنّهم يقعون ضحايا جشع التجار في مواسم العطل، وهو ما يخلق لديهم اضطرابا في حياتهم اليومية، فيما وقفت "المساء" على تطبيق سعرين مختلفين بمدينة زموري البحري أحدهما خاص بالسياح والآخر بالسكان المقيمين!.

تعرف الواجهة البحرية لمدينة بومرداس اكتظاظا كبيرا خلال الصائفة الجارية، حيث يتوافد عليها السياح من كلّ حدب وصوب للاستجمام بين رمال شاطئيها المركزيين الأوّل والثاني، حيث تتميّز المنطقة بمؤهلات طبيعية وسياحية تمكّنها من استقطاب أعداد هائلة من السياح السنة تلو الأخرى، وهو ما يخلق حركة تجارية مكثفة سواء بالنسبة لاستئجار السكنات للسياح التي يصل معدل كرائها إلى مليون سنتيم لليلة الواحدة، أوبالنسبة للمحلات المتراصة على طول الكورنيش التي تتضاعف الأسعار بها إلى حد جنوني في غياب أي رقابة أوضوابط.

ازدحام وأسعار ملتهبة!!

في السياق، تحدّثت "المساء" إلى سكان الواجهة البحرية، وهم أصحاب سكنات خاصة أوفيلات، ممن اعتبروا حديثهم إلى "المساء" بمثابة الاستغاثة من "وضع خارج عن كل سلطة رقابية". يقول مواطن من حي "البحري" القريب جدا من الواجهة البحرية، مؤكّدا أنّه ليس أسعار كراء السكنات هي التي تلتهب في الصيف، وإنّما أبسط حاجيات المواطنين مثل الخبز الذي يصل سعره إلى 20 دينارا للخبزة الواحدة وقارورة الماء المعدني لحدود 100 دينار. وأرجع المتحدث السبب إلى توافد آلاف السياح والمصطافين من داخل وخارج الوطن على هذا المكان تحديدا ببومرداس بفعل جمال شواطئه وكورنيشه وميزة المكان المفعم بالحركة طيلة موسم العطل.

من جهتها، أكّدت قاطنة أخرى بنفس الحي أنّها لا تقتني أيّ شيء من المحلات بالواجهة البحرية حتى وإن كانت على مرمى حجر من بيتها، مفضّلة بذلك التوجه إلى وسط المدينة البعيد عن مقر سكناها لاقتناء مستلزماتها عوض دفع "بروسي" مثلما تقول، مؤكّدة أنّ التجار يطبقون أسعارا جنونية على مختلف السلع كالخبز والحليب المعلّب والسكر والزيت وحتى المثلجات والسكاكر، بفعل التوافد الكبير للسياح خاصة منهم المغتربين "أصحاب الشكارة المستعدين لدفع أيّ سعر يطلب مقابل قارورة ماء أوعلبة جبن طازج أوخبز، ونحن من يدفع ثمن هذا "لهْبال"، تعلّق المتحدثة، مضيفة "تصوّروا أنّ الفليكسي بـ20 دينارا فقط لأنّنا قرب الشاطئ!"..

زموري البحري .. مدينة سياحية رهينة لاسمها!!

بزموري البحري (جنوب شرقي ولاية بومرداس) كان الواقع مشابها في الكثير من المناحي، فسكان حي "اللوتيسمو" الجامع بين السكنات الفردية لأصحابها وبين سكنات جاهزة نصبت بعد زلزال 2003، اشتكوا من نوع آخر من الضريبة الصيفية التي يدفعونها رغما عنهم، فزيادة عن نار الأسعار المطبقة على مختلف الحاجيات فإنهم يشتكون من نفاذها بسرعة بسبب كثرة الوافدين من السياح على الحي.

في السياق، تحدثت "المساء" مع أم مصطفى، التي استوقفناها وهي بطريقها إلى موقف الحافلات، قالت إنّ الصيف بالنسبة لها عقوبة مضاعفة، فزيادة عن الجلبة والصخب التي يحدثها المصطافون والغلاء الذي تعرفه مختلف الحاجيات، فإنّها تصطدم بواقع مرّ آخر وهو نفاذ المستلزمات في وقت مبكر من النهار بفعل التهافت الكبير للسياح عليها.

وتؤكد المتحدثة أنّها كثيرا ما تضطر للتوجه إلى مدينة زموري للتبضع أو حتى شراء أكياس الحليب، التي تنفذ قبل التاسعة صباحا - حسب تأكيدها - وهو ما يجعلها "تتربص" بمواعيد قدوم الشاحنة المزودة بهذه المادة الحيوية حتى تأخذ نصيب أسرتها منه قبل "هجوم" المصطافين عليها.

وبالمثل تقول مواطنة أخرى تقطن بموقع البيوت الجاهزة باللوتيسمو، مؤكّدة أنّه إذا لم تأخذ احتياطها بشراء الخبز عند الثامنة صباحا على أكثر تقدير، فإنّها تضطر لتحضيره بالمنزل (أي تحضير خبز الدار) أو ترسل أولادها إلى زموري، وكل هذا بسبب التهافت الكبير على هذه المادة الأساسية سواء من طرف المصطافين أو المطاعم التي يعرف نشاطها انتعاشا ملحوظا خلال هذه الفترة.

في السياق، يؤكّد محمد العامل بالمخبزة الوحيدة بالحي أمر التهافت الكبير على الخبز بسبب التوافد الكبير للمصطافين، قائلا إنّ مخبزته تنتج في الأيام العادية 1500 خبزة يوميا، وتضطر لمضاعفة العدد بفعل الاصطياف إلى 3000 خبزة يوميا "ورغم ذلك نسجّل عجزا لتلبية الطلب بفعل المخيمات الصيفية والمطاعم ومحلات الأكل السريع وحتى الطلب العادي للسكان والوافدين على المكان، ولا يمكننا مضاعفة الإنتاج بسب قدم العتاد وعدم اتساع المخبزة".

سعران..أحدهما للسياح وآخر لسكان المرسى!

من جهته، يؤكّد تاجر مواد غذائية بنفس الحي أمر تضاعف أسعار المستلزمات في الصيف، مؤكّدا أنّ الموسم الصيفي يؤثر في منحى الأسعار صعودا وهبوطا، مضيفا أنّ كلّ الحاجيات من مواد أساسية وخضر وفواكه تخضع لقانون العرض والطلب "وعليه لا يمكن الجزم بأنّ التجار يعمدون لرفع الأسعار بسبب الصيف".

نفس التاجر أكّد أنّ السلع الوحيدة التي تعرف زيادة في أسعارها بالمدن المحاذية للشواطئ هي المياه المعدنية والمشروبات الغازية، ملفتا إلى أنّ سعر قارورة الماء المعدني بزموري البحري وصل إلى 40 دينارا، أما على الشاطئ فسعرها قد يصل إلى 100 دينار سواء لدى الباعة المتجولين أو في المطاعم، أما سعر قارورة "كوكا كولا" سعة 2 لتر فيصل إلى 140 دينارا، وهو نفس ما أكّده فاتح، صاحب مساحة تجارية "سوبيرات" بمنطقة المرسى بزموري البحري، مؤكّدا أنّ الطلب الكبير على المياه والمشروبات الغازية يجعل أسعارها كالبارومتر في تزايد إلى حين عودة السياح إلى ديارهم وانتهاء الموسم الصيفي.

وبالمحاذاة من "السوبيرات"، تحدثت "المساء" إلى شابين قالا إنهما يقطنان بالمرسى، لما سألناهما عن ظاهرة غلاء الأسعار في الصيف لم يتوانيا عن تأكيدها، ولكنهما لفتا إلى ظاهرة أخرى، حيث يعمد تجار المرسى إلى تطبيق سعرين مختلفين، أحدهما خاص بالسياح والآخر بالسكان المقيمين، حيث أوضح نبيل أنّ سعر قارورة الماء المعدني قد يصل إلى 50 دينارا "ولكن البائع لا يتجرأ ويبيعني القارورة بهذا السعر لأنّه يدرك أنّه بعد انتهاء الصيف لن أشتري من عنده، وقس على ذلك بالنسبة لكلّ السكان، ومعنى ذلك غلق المحل التجاري".

فيما يبدي صديقه فتحي بعض الليونة على تصرف تجار المرسى، بقوله إنّ المنطقة سياحية وهي تعرف باقي أيام السنة ركودا مخيفا، خاصة في غياب التنمية المحلية ونقص الكثير من الخدمات لاسيما الصحية منها والمقتصرة على قاعة علاج موصدة الأبواب على طول الخط، إلى جانب غياب صيدلية وأمور أخرى "لذلك فإنه من الطبيعي أن يستغل التجار مناسبة الصيف التي تنتعش فيها المنطقة برفع الأسعار وتحقيق بعض الربح".

جدير بالذكر، أنّ بالمرسى حانوت واحد لبيع الخضر وآخر لبيع الفواكه يفتحان فقط برسم الموسم الصيفي ويوصدان بعده، وهما أصلا عبارة عن مساحة على قارعة "البولفار" ـ مثلما يسمى - مغلقة بالقصب، أما الأسعار المطبقة فأقل ما يمكن أن توصف بها أنها "مُحرقة" لتزيد بذلك من حرارة الأجواء حرا آخر، فالبطاطا بـ60 دج والطماطم بـ150 دينارا والفلفل الحلو بـ100 إلى 150 دينارا، الدلاع بـ80 للكلغ والبطيخ بـ55 دج والعنب بـ300 دج.. فمن يزايد!!، والأمر لا يقف هنا فسعر الكيلوغرام من اللحوم البيضاء وصل إلى 380 دج بزموري البحري، و410 دينارا بمدينة تيقزيرت حسب أصداء وردت من هناك، وسعر لحم الخروف وصل إلى 1350 دج حسب مصطاف من ولاية البيض استأجر شالي بحي اللوتيسمو بزموري البحري، أما السلع ذات الاستهلاك الواسع مثل العجائن والسكر ومواد التنظيف فقد عرفت هي الأخرى زيادة ولكنها طفيفة قد تصل على أكثر تقدير 5 دنانير ولكنها تبقى زيادة موسمية تشكل ضريبة لسكان المدن الشاطئية..

المطالبة بتخفيض الأعباء .. حل واقعي

يرى السيد ناصر آيت مجبر رئيس مكتب ولاية الجزائر للفدرالية الجزائرية للوكالات العقارية أنّ لجوء التجار لرفع أسعار السلع والحاجيات بالمدن المتاخمة للشواطئ بمثابة العقوبة الحقيقية التي يدفع ثمنها السكان المقيمون بتلك المدن. وكشف لـ«المساء" أنه لا بد للسلطات المعنية أن تجد حلولا واقعية لهذا الإشكال.

ولئن أبدى تفهما للجوء التجار لاستغلال الموسم الصيفي لتحقيق بعض الربح بالنظر لركود التجارة في غالبية المدن الشاطئية، إلا أنه اعتبر أن الإنقاص من بعض الأعباء يمكنه خلق نوع من الموازنة بالنسبة للسكان المقيمين، ومن ذلك الإنقاص في أسعار فواتير الكهرباء والغاز والماء أو حتى في ضريبة الكراء في الموسم الصيفي، "ففي النهاية ليس كل ساكن قرب الشاطئ بقادر على قصد مدينة مجاورة من أجل شراء مستلزماته، وليس كل ساكن يستأجر مسكنه ويقصد الأهل للاستنفاع بسعر شهري قد يصل أو يتجاوز 300 ألف دينار"، يقول آيت مجبر مضيفا "أعتقد أن الإنقاص من الضرائب بالنسبة لهؤلاء السكان كفيل بخلق بعض الاتزان بين السياح والسكان المقيمين، هذا حتى لا يكون موسم العطل نعمة على بعض ونقمة على الآخر، كما أن صيغة تطبيق مقترحنا سهلة جدا يكفي فقط بعض التنسيق والتنظيم لحل المسألة".