أبعاد تاريخية رسّختها الظروف الاجتماعية

عقلية «البايلك» تسيء لمظاهر التنمية

عقلية «البايلك» تسيء لمظاهر التنمية
  • القراءات: 858
رشيدة بلال رشيدة بلال

لازالت عقلية «البايلك» مسيطرة في المجتمع الجزائري من خلال بعض الممارسات غير المسؤولة تجاه بعض الهياكل التابعة للدولة، ممثّلة في المحطات الخاصة بتوقّف الحافلات والكراسي بالحدائق العمومية والحاويات، وحتى جدران وأبواب المراحيض العمومية التي يتم تخريبها، فقط لتفريغ شحنة الغضب؛ كرد فعل يرفض واقعا معيَّنا.

رصدت «المساء» في العديد من الأحياء بالعاصمة عددا من محطات توقّف الحافلات في حالة كارثية؛ زجاجها محطّم وكراسيها ملوّثة، ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحد، فإن رغبت في الجلوس في حديقة عمومية ببعض البلديات يكون من الصعب أن تجد كرسيا مناسبا بسبب أعمال التخريب؛ فإما أن تجده محطما أو ملوّثا.

هذه الممارسات غير المسؤولة رغم أنّها تقلق أغلب المواطنين إلاّ أنّ ضعف ثقافة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» شجّعت، من جهة، على انتشارها إلى جانب تفشي ثقافة «تخطي راسي» التي أصبحت هي الأخرى مسيطرة، وشجعت، من جهة أخرى، على تفشي مثل هذه التصرفات غير الحضارية، وهو ما أكّده عدد من المواطنين الذين تحدثت إليهم «المساء»، والذين أجمعوا على أنّه يصعب عليهم التدخل لتوقيف بعض التصرفات، لأن الإجابة معروفة: «هذا ملك الدولة» أو عبارة «تاع البايلك»، وعادة مثل هذه التصرفات، حسبما  أكّد عدد من المستجوبين، يقوم بها شباب تعبيرا عن رفضهم لواقع معيّن، فمن يعاني مثلا من مشكل اجتماعي كأزمة السكن أو العمل يقوم بتفريغ جام غضبه على هذه الأملاك، وفي المقابل لا يمكن لأيّ كان منع هذه الاعتداءات لأنّها ليست ملكا لهم.

التخلص من عقلية «البايلك» يحتاج إلى تغيير الذهنيات

يقول الأستاذ يوسف حنطبلي، مختص في علم الاجتماع في دردشة مع «المساء»، إنّ مصطلح عقلية «البايلك» قديم يعود إلى العهد العثماني، حيث كان يطلَق على الأملاك التي لم تكن تابعة للشعب الجزائري بـ «أملاك البايلك»، وكان ينظر إليها على أنها ليست من ممتلكاته، ولا يجوز له التصرّف فيها، مشيرا إلى أنّ هذه العقلية مع دخول الاستعمار الفرنسي، تجذّرت في المجتمع الجزائري، وبقي ينظر إلى كلّ الهياكل التابعة للجهة الحاكمة، على أنها لا تخص الشعب وتعكس دائما السلطة.

لم تتمكن الفترة الانتقالية التي عاشها الشعب الجزائري بعد الاستقلال، حسب المختص في علم الاجتماع، من تغيير هذه العقلية، بل على العكس من ذلك، كشف أفراد الشعب عن نوع من القطيعة بين ما يعتبرونه ملكية خاصة وبين ما تملكه الدولة من هياكل ومرافق. وكرّست هذه العقلية «التصوّر الخاطئ»، مشيرا إلى أنّ التاريخ في هذا الإطار، يكشف من خلال أحداث أكتوبر التي وقعت في ثمانينيات القرن الماضي، حقيقة أنّ الشعب متمسّك بعقلية «البايلك»، ومن الصعب تغييرها بدليل أنّ كلّ الاعتداءات التي وقعت وقتها مسّت كلّ ما يرمز إلى الدولة من هياكل، بينما لم يتم الاعتداء على أملاك الشعب.

تغيير عقلية «البايلك» يحتاج، حسب المختص الاجتماعي، لأن يشعر أفراد المجتمع بأنّ كلّ الهياكل التابعة للدولة وُجدت لخدمتهم، وأنّها مظهر من مظاهر التنمية، غير أنّ ما يحدث في مجتمعنا ويجعل من الصعب تغيير هذه العقلية، إجراء مقارنة بين ما يعيشه الفرد من وضع اجتماعي صعب وبين ما يعتقد أنّه من مظاهر التنمية، فغياب عنصر التكافؤ بينهما عمّق الشعور بالقطيعة، ولعلّ أبسط مثال، يقول الأستاذ حنطبلي، «رمي الحجارة على القطارات، والذي عادة يكون من طرف سكان القرى أو من القاطنين بالأحياء القصديرية، الذين يعبّرون من خلال هذه التصرفات عن رفض كل ما يرمز إلى أملاك الدولة»، مردفا أنّ تغيير العقليات يحتاج لأن يُشعر المواطن بالرضا، هذا العنصر الذي نجده ينعكس على بعض البلديات التي لا يتم فيها الاعتداء على ما يسمى بهياكل الدولة، بينما يجري تحطيمها وتخريبها ببعض البلديات أو  المناطق التي يعاني سكانها من أوضاع مزرية.