بين المتعامل الاقتصادي والجمعيات الخيرية

عرض تصوّرات تؤسس للشراكة

عرض تصوّرات تؤسس للشراكة
  • القراءات: 858
❊رشيدة بلال ❊رشيدة بلال

تعتمد معطيات التنمية المستدامة في العالم، على ما يساهم به القطاع الاقتصادي وعلى رقابة الدولة وما يمكن أن يقدّمه القطاع الثالث ممثلا في المجتمع المدني. وبحكم أنه بات من الضروري على القطاع الاقتصادي ممارسة المسؤولية الاجتماعية من خلال تخصيص جزء من أرباحه للمساهمة في التنمية المجتمعية غير الربحية التي تُعتبر مظهرا من مظاهر التحضّر، بادرت جمعية «جزائر الخير» مؤخرا، بتنظيم ملتقى، بحثت فيه مختلف الآليات والرؤى المقترحة، لجعل المؤسسات الاقتصادية تبادر بإبرام عقود تتسم بالديمومة مع المجتمع المدني النظامي، هدفها تمويل المشاريع الخيرية، والمساهمة في تحقيق واحد من أهداف التنمية المستدامة ممثلا في محاربة الفقر.. «المساء» احتكت بعدد من الخبراء والمتعاملين الاقتصاديين وممثلي الحركة الجمعوية. وعن تصوراتهم لتفعيل شراكة تنموية رصدت هذه المقترحات.

الدكتور عبد القادر دريش (أستاذ بالمدرسة العليا للتجارة)نتطلع لضبط ميكانيزمات تُشعر المتعامل بمسؤوليته

قال الدكتور عبد القادر دريش، أستاذ بالمدرسة العليا للتجارة، في حديثه مع «المساء» على هامش أشغال الملتقى، إنّ الجمعيات تملك صورة واضحة عما يحتاجه أفراد المجتمع من الطبقة الهشة والفقيرة، لأنّها قادرة على تلمّس الواقع الذي يُعتبر من صميم مهامها كمؤسّسة خيرية. وتملك، في المقابل، المؤسسات الاقتصادية القدرة على تغطية جانب من هذا الاحتياج. ويوضح: «انطلاقا من هذا كان من الضروري البحث في كيفية الرقيّ بالعمل الخيري؛ من خلال تفعيل شراكة قوية، يشعر فيها المتعامل الاقتصادي بالمسؤولية المجتمعية».

وحسب محدثنا، فإن البحث في الآليات من خلال الملتقى في طبعته الثالثة، الغاية منه الانطلاق من ميكانيزمات قانونية تنظيمية لتقوية الشراكة بين الجمعيات الخيرية وقطاع الأعمال، لكون أحد الأسباب التي جعلت بعض الجمعيات تتوقف عن تنفيذ برامجها الخيرية، غياب الدعم المالي؛ يقول: «ومن ثمة أصبح من الضروري أن يرتقي مفهوم المسؤولية المجتمعية لدى المتعامل الاقتصادي، بجعله مدركا لدوره، المتمثل في المساهمة بالتنمية المجتمعية».

وحول أهم آلية من شأنها أن تفعّل عامل الشراكة بين الجمعيات الخيرية النظامية والمتعاملين الاقتصاديين، يجيب المتحدث بأنها تنحصر في الجانب القانوني، ممثلا في بروتوكولات شراكة تلزم المؤسسات الاقتصادية، إلى جانب السير نحو تنظيم الجمعيات في إطار مؤسساتي منظّم ودائم يسهّل عملية الشراكة، ويؤسس لعامل الثقة بين الطرفين، ويضمن، من جهة، دعما ماليا دائما، ومن جهة أخرى، «نمارس رقابة دورية على نشاط المؤسسات الخيرية، التي تقودنا إلى ما يُعرف بحوكمة العمل الخيريّ».

الدكتور محمد عدمان (أستاذ بالمدرسة العليا للتجارة)نحو ضبط المنظومة القانونية التي تحكم الأنشطة غير الربحية

أرجع الدكتور عدم ان ضعف الشعور بالمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية تجاه الجمعيات الخيرية، إلى البيئة الجزائرية عموما، التي يرى أنّها لازالت حديثة، وجاءت من خلال برامج الدعم التي جاءت بها الدولة في إطار اتفاقيات مع الهيئات الدولية التي تهدف إلى الخروج من منطق الربح والذهاب نحو المشاركة في التنمية المجتمعة.

وأوضح المتحدث أن ثقافة دعم البرامج الخيرية يُفترض أنّها كانت موجودة منذ القدم، وتدخل في عادات وتقاليد المجتمع المستوحاة من التربية الدينية؛ كون الإسلام يحث على هذه القيم، ولكن كممارسة لازالت ضعيفة وبحاجة إلى دفع.

وعن مدى استعداد المؤسسات الاقتصادية للدخول في علاقات شراكة مع المجتمع المدني، أوضح الأخصائي أنّ المتعاملين الاقتصاديين يصنَّفون إلى أربعة، بعضهم لديهم استعداد فطري للمشاركة في العمل الخيري، بينما آخرون يمارسونه لتحقيق بعض الأغراض؛ كالتهرب من الضريبة. ونجد آخرين يرفضونها تماما لأنّها تُعتبر بمثابة عائق، بينما نجد الصنف الرابع لا يبالي أصلا بالعمل الخيري أو الدخول في مشاريع غير ربحية. وانطلاقا من هذا أصبح، حسبه، من الضروري ضبط المنظومة القانونية التي تحكم مثل هذه المعاملات، والوصول إلى إجبار المؤسسات الرافضة أو غير المبالية، على تبنّي مجال المسؤولية الاجتماعية، والمشاركة بصورة فعلية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

الأستاذ عمر هميسي (مستشار في مجال الاستراتيجية والتمويل)نحو جعل العمل الخيريّ ضمن استراتيجية المؤسسات

وصف الأستاذ هميسي المجتمع المدني بالفاعل في الحياة المجتمعية، غير أن الإشكال الذي يُطرح اليوم في تصريحه إلـى «المساء» عند الحديث عن إمكانية إبرام عقود شراكة بين المتعامل الاقتصادي والمؤسّسات الخيرية، يتمثل في كون كلا الطرفين ينظران إلى بعضهما على أن كل واحد منهما عليه البدء أولا بالمبادرة، فالمجتمع المدني ينتظر أن تبادر المؤسسات الاقتصادية من تلقاء نفسها، بتمويل المشاريع الخيرية، بينما المؤسسات الاقتصادية تنتظر من جهتها، إقبال المجتمع المدني عليها؛ طلبا لدعم مشاريعها الخيرية؛ يقول: «هو ما نحاول طرحه وبحثه من خلال هذا الملتقى الذي تدور إشكاليته في كيفية الجمع بينهما في نقطة واحدة»، شارحا: «بحكم أنّنا لم نصل بعد إلى نقطة الشراكة يُنظر إليهما على أنهما خصمان، لأن كل واحد يبحث عما يمكن أن يستفيد منه من وراء الدعم أو من وراء تقديم الخدمة الإنسانية»، مشيرا إلى أن المفروض اليوم، وهي الثقافة التي يجب أن نرسّخها، أنّ المتعامل الاقتصادي لا يبادر فقط بتقديم الأموال المتمثلة في هبات أو منح، وإنّما هو مدعو للمساهمة والمشاركة في المشاريع الخيرية أو تدعيمها ومرافقتها، لأن المؤسّسات اليوم تحتاج إلى رؤية واضحة لنتائج ما تقدّمه من دعم، ولا يمكنها الاستمرار إذا لم يكن هناك مشروع مثمر، وبالتالي فالمطلوب، حسبه، البحث بصورة جدية عن نقطة التقاء لبناء شراكة في العمل الخيري لا ممول للعمل الخيري، وهذا لا يتحقّق إلاّ بتفعيل آليات جديدة، تجعل مجلس إدارة أيّ مؤسسة اقتصادية يعتبر العمل الخيري عنصرا من عناصر استراتيجية المؤسسة. 

الدكتور عيسى بن الأخضر (رئيس جمعية «جزائر الخير»)الرغبة في الشراكة لدى المتعاملين الاقتصاديّين بدأت تنتعش

يشير الدكتور عيسى بن الأخضر، رئيس جمعية «جزائر الخير» خلال مداخلته، إلى أن الإرادة عند المتعاملين الاقتصاديين في الجزائر بدأت تنتعش في الثلاث سنوات الأخيرة، حيث وقفت الجمعية على تجارب حيّة لمؤسسات اقتصادية، فتحت أقساما خاصة بالعمل الخيري، غير أن الإشكال المطروح، حسبه، والذي بادرت الجمعية من خلال تنظيم الملتقى بمعالجته، هو البحث في كيفية تسريع عملية المشاركة التي تتّسم بالبطء، خاصة إذا ما تمّ مقارنتها بالدول التي تحوّل فيها تخصيص جانب من الأرباح المؤسساتية إلى تمويل العمل الخيري، كمظهر من مظاهر التحضّر والتقدم.

ويوضّح الدكتور بن الأخضر: «ما نحتاج إليه لتمكين الجمعيات من القيام بدورها وحمل المؤسسات الاقتصادية على المشاركة بصورة جدية بعيدا عن المناسباتية، هو خلق آليات تحفّز المتعامل الاقتصادي على خوض تجربة العمل الخيري»، مشيرا إلى القوانين التي تحث على ضرورة التحلي بالمسؤولية الاجتماعية، التي تساهم في رسم صورة جيدة عن المؤسسة، ويبقى فقط البحث عن تفعيل هذه القوانين، والعمل بأسرعها ممثلا في عقود أو بروتوكولات شراكة.

ناصر حيدر (مدير مصرف السلام)في جعبتنا مشاريع تقضي على الفقر

أشار ناصر حيدر، مدير مصرف «السلام» في كلمته بالملتقى، إلى أنّ المؤسسات الاقتصادية اليوم مدعوة إلى التخلي عن مفهوم مساعدة المجتمع المدني في منظورها  التقليدي، المتمثل في تقديم منح أو إعانات، وإنّما مطالَبة اليوم بأن يكون دورها أكثر إيجابية؛ بالتصدي لجذور الفقر وليس لمظاهره. والسؤال الذي ينبغي، حسبه، أن يُطرح: كيف نحدّ من الأسباب التي تؤدي إلى الفقر والحاجة؟. ويجيب قائلا إنّ مفهوم التنمية المستدامة يسعى اليوم إلى توجيه النشاط الاقتصادي لتجاوز فكرة الربحية، ويمتدّ ليحتوي احتياجات المجتمع»، موضّحا أن مفهوم الشراكة تطوّر من مجرد علاقة اقتصادية إلى علاقة تشاركية، حاول مصرف «السلام» تجسيدها على أرض الواقع؛ من خلال طرح عدد من المشاريع الخيرية، ولعل أهمها «وضع صندوق للأعمال الخيرية، هدفه دعم المشاريع الخيرية، والعمل على إحياء بعض الأبعاد التنموية، ومنها الاستثمار في شعيرة الزكاة بالتوجّه نحو ما يسمى بـ «زكاة الاستثمار»، ناهيك عن العمل على صيغة أخرى، ممثلة في إنشاء صندوق ضمان التمويلات المصغّرة لحاملي المشاريع من الفئة الهشة والمحتاجة، والتي تعزف بعض البنوك عن تمويلها، إلى جانب مشروع باب الرزق بالشراكة مع جمعية «كافل اليتيم» الموجّه، بالدرجة الأولى، لدعم الأرامل واليتامى، مشيرا إلى أنّ المصرف وحده تمكّن من تمويل 47 مشروعا في الخياطة و10 في صناعة الحلوى، ولازالت، حسبه، القائمة مفتوحة لطرح مشاريع تنموية خيرية جديدة، تهدف إلى تغيير واقع المحتاج، وجعله «فعالا اجتماعيا».

سليم عايد (مسيّر شركة متيجة للتغليف)تحويل جزء من الأرباح التزامٌ وليس خيارا

عكَس سليم عايد، مسيّر شركة «متيجة للتغليف» بولاية تيبازة لدى مشاركته في فعاليات الملتقى الوطني حول تفعيل آليات الشراكة بين الجمعيات الخيرية والقطاع الاقتصادي، عكس جانبا من الممارسة الميدانية للعمل الخيري الذي تقوم به الشركة لدعم المشاريع الخيرية، كنموذج فعّال في العملية التنموية على مستوى ولاية تيبازة.

وفي حديثه مع «المساء» على هامش أشغال الملتقى، أوضح أن الشركة فتحت منذ تأسيسها، المجال لدعم المشاريع الخيرية؛ من خلال توجيه جزء من أرباح الشركة لدعم النشاطات غير الربحية؛ «لشعورنا، يقول، بنوع من الالتزام تجاه هذه الفئات الهشة».

من جهة أخرى، يرى محدّثنا أنّ تخصيص جزء من أرباح المؤسّسة الاقتصادية أيا كانت، لم يعد اختياريا، وإنّما تحوّل إلى التزام ومسؤولية مجتمعية للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية، مشيرا إلى أن أهم ما ينبغي  للجمعيات أو المؤسسات الخيرية اليوم إدراكه إن كانت ترغب في كسب ثقة المتعامل الاقتصادي، هو العمل في إطار قانوني ومنظّم، وأن تكون أهدافها وبرامجها مسطّرة وواضحة، مشيرا إلى أنّه كمتعامل اقتصادي، خصّ الجانب الإنساني من عائد الشركة غير الربحي إلى الجمعيات المنظمة الموجودة على مستوى الولاية.