كميلة سنوسي مهندسة معمارية لـ"المساء":

عدم استشارة الخبراء خلق فوضى ملوثة للبصر

عدم استشارة الخبراء خلق فوضى ملوثة للبصر
كميلة سنوسي مهندسة معمارية نور الهدى بوطيبة
  • القراءات: 842
❊نور الهدى بوطيبة ❊نور الهدى بوطيبة

يعد امتلاك منزل فردي حلم الجميع، حيث يمنح هذا النوع من السكن الشعور بالانتماء، وبناء مسكن حسبما يهواه الفرد يمكن أن يتجسد في الواقع، ولا ينجح في تحقيقه إلا القليلون، وبين هذا وذاك، يبقى اختيار المخطط المعماري للبيت مبنيا على معايير محددة، تراعي الكثير من التفاصيل، على غرار الجانب الجمالي للواجهات الخارجية، لكن هل يحترم الجميع تلك المعايير؟ وهل تتم استشارة مهندسين معماريين؟ وكيف نفسر الفوضى العمرانية لمعظم مدننا بسبب المساكن المبنية بشكل فوضوي؟

كانت لـ"المساء" جولة استطلاعية، بخصوص هذا الموضوع، بين عدد من المواطنين لمعرفة ما يجب التركيز عليه قبل بناء البيت، وتبين أنهم مصنفون إلى فئتين؛ فئة تهتم بالجانب الجمالي للواجهة الخارجية، وتركز على تصميم المسكن بطريقة تراعي مختلف المعايير، حتى وإن كان على حساب مساحته الداخلية، إلا أن هذه الفئة تشكل الأقلية مقارنة بالفئة التي غلبت في السنوات الأخيرة، وتركز على تصميم بيت لا جمال في تصميمه الخارجي، لتكون الأولوية للمساحة الداخلية، إذ يفضلون تصميم بيت على شكل عمارة، كي لا يتم التنازل عن أي شبر من الواجهة الخارجية.

وللاستفسار عن ذلك التفكير، كان لـ«المساء" لقاء مع المهندسة المعمارية كميلة سنوسي، التي أوضحت أن الهندسة المعمارية في الجزائر مرت بثلاث مراحل أساسية؛ المرحلة الأولى كانت قبل الاحتلال الفرنسي، وكان آنذاك ما يعرف بالجمعيات التعاونية التي تتمثل في مجموعة من المهندسين المعماريين والحرفيين الذين يهتمون بكل التفاصيل الفنية الجمالية، وكانت لهم معايير محددة يبنون وفقها، ويحترمون البيئة، الطقس وتضاريس المنطقة، وكانت تعرف بالمعايير العامية، فرغم بساطة وسائل البناء، إلا أن تلك المباني كانت تعتبر تحفا فنية، تراعي كل التقاليد والذهنية السائدة آنذاك، مثل اعتماد مدخل "شيكان" الذي يقصد به تصميم مدخل أول، حفاظا على حرمة المرأة، ويكون على شكل مدخل مقوس يشكل بابا خارجيا، يعبر منه الغريب قبل أن يدخل الباب الرئيسي للبيت.

أضافت المهندسة أن المرحلة الثانية كانت خلال الاحتلال الفرنسي، الذي حاول طمس الهوية وفرض هوية المستعمر، والدليل على ذلك، أن أول ما قام به المستعمر هو البناء على الواجهة الخارجية للمدينة، وتغطية البنايات القديمة منها، كالقصبة، بسبب اعتقاد المستعمر بأن المناطق الساحلية هي دائما الإستراتيجية والحساسة لفرض السلطة فيها. أما المرحلة الثالثة، تقول سنوسي، فتمثلت في المرحلة الانتقالية التي تتواصل إلى غاية اليوم، وهي مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث وجد المجتمع الجزائري نفسه يعيش أزمة سكن، بعد عودة الجزائريين إلى المدن والنزوح الريفي، والرغبة في الدخول إلى العاصمة في السنوات التي توالت، لتتبنى الدولة سياسة "الاحتواء" التي تمثلت في خلق صيغ معمارية، هدفها الأساسي القضاء على الأزمة فقط وإعادة إسكان الجزائريين، فأهمل خلالها تماما الجانب الجمالي وأصبح الفرد لا يفكر إلا في القضاء على أزمته والسكن، وهو ما جعل ذلك التفكير يتوارث من جيل لآخر، وفقد بذلك الجزائري الذوق فيما يخص الهندسة المعمارية، مما خلق فوضى عارمة في مدننا وطمس جمالها، خصوصا أن المستعمر حاول طمس ثقافة، وفرض ثقافته الخاصة.

وأكدت المتحدثة أنه خلال السنوات الأخيرة، عاد المجتمع من جديد ليبحث عن هويته، وأصبح يهتم أكثر بالفن والتقاليد والعادات القديمة، إلا أن تطبيق ذلك المبدأ انحصر على ميسوري الحال، والدليل استعانتهم بمهندسين معماريين لمساعدتهم على تصميم بيت بواجهات جميلة تضفي لمسة فنية للمدينة.

أشارت كميلة سنوسي إلى أن قانون 65-75 جاء لتنظيم سوق العقار،  والقضاء على البنايات الفوضوية التي شهدتها الجزائر، حيث جاء المشرع بقانون استلزام حيازة رخصة بناء قبل الانطلاق في العملية، لكن في بداية الأمر لم يحقق القانون مسعاه، تضيف سنوسي، ففي غياب الرقابة وجهل القانون تواصلت البنايات الفوضوية في البروز كالفطريات، وأصبح من الصعب القضاء على الظاهرة، وخلال سنة 2008، جاء قانون 15-08  بهدف تقليل الأضرار، وكان له جانبان؛ علاجي، حيث فرض على أصحاب البنايات غير المكتملة والفوضوية إنهاءها في ظرف خمس سنوات، وجانب ردعي، بأن تسجل مخالفات لكل الأشخاص الذين لا يحترمون الهندسة المرفقة في ملف طلب رخصة البناء والموافق عليها، ورغم كل ذلك، كان ولا يزال من الصعب استيعاب الأمر وفرض قانون التسوية.

أوضحت المهندسة المعمارية أن المشكل الذي زاد من تأزم الوضعية، وأدى إلى تواصل انتشار تلك "الفوضى" في الواجهات، عدم استشارة المجتمع للأخصائيين قبل البناء، لتجد أن كل فرد يبني كما يحلو له، وغيّب كليا الذوق الرفيع في هندسته، حتى تحولت أكبر المدن إلى واجهات "ملوثة للبصر"، إلا بعض المناطق القليلة التي صنفت ضمن المناطق المعمارية المحمية بموجب القوانين الدولية لـ«اليونسكو"، في إطار حماية التراث.

أكدت الأخصائية أن نقاش المهندسين المعماريين الجزائريين لا زال منحصرا في إشكالية "ما هي الهندسة المعمارية الجزائرية؟ للبحث عن معايير تعكس الهوية الجزائرية وتعزز ثقافتها، تترجمها بنيات مراعية للثقافة الجزائرية ومحافظة على الطابع الفني لديها.

في الأخير، قالت المتحدثة، إن للمهندس المعماري دور في القضاء على الفوضى التي ترسم مدننا، بإقناع الزبون باستشارة أخصائيين قبل البناء، واحترام خطة البناء وعدم الخروج عنها، لتفادي فوضى يصعب القضاء عليها، مشيرة إلى أن عدم احترام القانون في احترام الخطة التي تمت الموافقة عليها، تهدد صاحب البناية مستقبلا ببروز قرارات تنص على هدم كل تلك البنايات التي لا تحترم الرخصة المقدمة.