الزيراوي... خبز الدار ولبن الشكوة حاضرة في كل الأحوال

عادات وطقوس رمضانية آيلة للزوال بالأوراس

عادات وطقوس رمضانية آيلة للزوال بالأوراس
  • القراءات: 1387
ع. بزاعي ع. بزاعي
تجتمع العائلات الأوراسية على دعوة الأهل والأقارب لتقاسم مائدة الإفطار مع صغيرها الصائم لأول مرة، وتحافظ هذه العائلات على تقاليد قديمة، فتحرص على توريثها للأجيال، ومنها أن ‘’يكسّر’’ الطفل الصائم لأول مرة صيامه بتناول كأس حليب الذي يحضر بـ«الشكوة" والذي تنبعث منه رائحة العرعار وحبات التمر. وتنفرد بعض العائلات التي لا تزال متمسكة بطقوس رمضان بتحضير ‘’الرفيس التونسي’’، والزيراوي.. وهي أنواع من الحلوى التقليدية بدأت تأخذ طريقها إلى الزوال، إلا أنها أساس إفطار الطفل الصغير الذي يصوم لأول مرة عند بعض العائلات الأوراسية.
هذه بعض صور احتفاء العائلات الأوراسية بصيام أحد أبنائها لأول مرة، حسبما ترويه الحاجة اليامنة، 76 سنة من منطقة رأس العيون التي تستحضر ذكرياتها بصيام رمضان في البادية، وهي ميزة تحسب لتلك العائلات لأن الحداثة بالمدن الكبرى أتت على القسط الكبير من تلك الطقوس، ما يجعلنا نتأسف لاندثار بعض المظاهر بالمدن والتجمعات الكبرى، ولم يعد يمكن قراءتها سوى في عيون الشيوخ والعجائز.
 ديكور المدينة في سهرات رمضان عرف هو الآخر تغيرا جذريا، فأصبحت الساحات العمومية ومقاهي "الانترنت" قبلة الشباب وحتى الذين اتخذوا من الشهر فرصة للسهر على طاولات الدمينو. والأكيد أن ما ظل راسخاً ولم تنل منه تغييرات العصرنة هي بيوت الله التي لا تزال تعج بالمصلين الذين يؤدون صلاة التراويح عبر كل البلديات والدوائر  بمسجد أول نوفمبر بباتنة الذي يتسع لـ 10 آلاف مصل، هذا الصرح الإسلامي الذي أسهم في إنجازه المرحوم المجاهد العقيد الحاج لخضر الذي حوّل المكان الذي أنجز به بحي النصر من مطار عسكري استعمله الاستعمار لقنبلة الشعب الجزائري من خلال ما يعرف بـ "الطائرة الصفراء"  التي كانت وقتها تقنبل المدنيين العزل، حيث حوله إلى قبلة الإسلام والمسلمين، ويعرف كثافة منقطعة النظير للمصلين الذين دأبوا على أداء التراويح به.
ومن الطقوس الراسخة أيضا بالمنطقة هي الأطفال على صوم رمضان إذ يتم خلال أول يوم من صيام الأطفال، الذي يكون حسبما جرت عليه العادة ليلة النصف من رمضان أو ليلة الـ27 منه، إعداد مشروب خاص يتم تحضيره في المنزل، ولا تختلف طرق الاحتفال بصيام الطفل لأول مرة من منطقة لأخرى فحسب، بل من عائلة إلى أخرى أيضا، إذ هناك بعض العائلات التي تشجع صغارها على الصوم، ولو لنصف يوم دون إرغامهم على صيام اليوم كله، كخطوة أولى لاكتشاف ماهية الصيام والتعوّد عليه، وهناك من العائلات من تحرص على تصويم صغيرها يوماً واحداً ثم تفطره اليوم الثاني، ليتمكّن من صيام اليوم الموالي، وهكذا يتعوّد الطفل من تلقاء نفسه على تحمّل الإمساك عن الطعام والشراب تدريجيا. تقول في السياق ذاته السيدة اليامنة إن ثمة من الطقوس التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تزول في وجود بذرة خصبة من الشباب المسلم المحافظ، وما تقوم به الأسر في تربية الأولاد وفق ما تقتضية الشريعة الإسلامية وتحفيز الأطفال على الصيام واعتياده.
بعيداً عن هذه الأجواء، بدت "الرحبة" بالسوق المركزية التي تتوسط المدينة محطة لربات البيوت لاقتناء شربة الفريك التي لا تبارح المنازل إلّا مع قدوم عيد الفطر المبارك. وغير بعيد عن هذه السوق، ينتشر باعة «النوقة» وباعة "البيزا" التي تعرف رواجاً كبيراً ساعات قليلة قبل الإفطار، حيث استعادت مكانتها بعدما عرفت أشغال ترميمات بادرت بها بلدية باتنة لتعود للواجهة وترسم طقوس سنوات خلت ببهوها الذي يعرف إقبالا منقطع النظير لربات البيوت.
ولم تشذ عن القاعدة العديد من المنتزهات والحدائق العمومية والتي تشكل وجهة العائلات لقضاء ساعات السهر، فمنهم من يقصد حديقة قادري بفسديس وحديقة جرمة ومنتزه «حملة القديمة» ومنتزه تازولت "لامبيز".. وعلى غير العادة لم تسجل العائلات البسكرية حضورها القوي كما هو الشأن في السنوات القليلة الماضية، إلاّ أن ديكور الساحات العمومية هذه السنة التي تزامنت وحرارة الأجواء، استقطبت الشباب الذي يفضل السهر.
كما امتد النشاط التضامني التلقائي للمواطنين للتكفل بالأفارقة المهاجرين ولو في قلتهم هذه السنة بعد عمليات الترحيل التي شملتهم قبل أشهر قليلة والجود عليهم في حدود المستطاع، فضلا عما توفره لهم المصالح المختصة من عناية ورعاية في هذا الشهر الفضيل. وحتى الأمن الولائي بباتنة  خصص بدوره عملية إفطار جماعي لمستعملي الطريق  بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم.. وتأتي هذه المبادرة حسب رئيس خلية الاتصال والعلاقات العامة بأمن ولاية باتنة محافظ الشرطة، عبد الله ساعي، تكريسا لمبدأ الشرطة الجوارية من خلال هذه المبادرة الخاصة بإفطار الصائمين.
وأوضح المتحدث أن المصلحة الولائية للصحة والنشاط الاجتماعي والرياضات التي عكفت على توفير وجبات ساخنة لمستعملي الطريق خلال موعد الإفطار كل يوم جمعة طيلة شهر رمضان الفضيل، وذلك على مستوى الحاجز الأمني بطريق بسكرة، حيث جسدت هذه المبادرة في الجمعة الأولى، ليتم توزيع 50 وجبة لفائدة مستعملي الطريق وعابري السبيل.
وكانت المبادرة قد لاقت استحسانا كبيرا. وذكر بالمقابل أن هذه المبادرة تندرج في إطار الحملة التحسيسية للحد من حوادث المرور الناجمة عن السرعة المفرطة قبيل موعد الإفطار، وتوعية السائقين بخطورة حوادث المرور، بالإضافة إلى تقديم النصائح والإرشادات المرورية التي لا تقل أهمية عن المبادرات التضامنية، فضلا عن راحة وسلامة المواطنين في هذا الشهر الفضيل.