نسائم رمضان تهبّ على قسنطينة

عادات وتقاليد متوارثة لاستقبال ضيف عزيز

عادات وتقاليد متوارثة لاستقبال ضيف عزيز
  • القراءات: 478
شبيلة. ح شبيلة. ح

يحظى شهر رمضان باستقبال خاص في عاصمة الشرق على غرار باقي ولايات الوطن، كلٌّ حسب عاداته وتقاليده المتوارثة من جيل لآخر؛ حيث تنطلق إجراءات التحضير لهذا الشهر الكريم قبل حلوله بأسابيع أو أكثر منذ حلول شهر شعبان؛ من خلال بعض العادات التي تقوم بها الأسر القسنطينية. وقد جرت العادة بأن تستقبل العائلات شهر رمضان بتقاليد خاصة، تبرز خصوصية هذه المنطقة الشرقية.

ينطلق التحضير لشهر رمضان بعاصمة الشرق منذ حلول شهر شعبان؛ حيث تستعد ربات البيوت لاستقبال هذا الشهر من خلال عادات ألِفتها سنويا. وأولها عملية التنظيف الكبيرة التي تشمل البيت؛ حيث تتسابق ربات البيوت في تنظيف المنازل من أولها لآخرها، أو إعادة طلائها لمن استطاع. وبعد الانتهاء من حملة التنظيف تقوم النساء بغزو الأسواق والمحلات التجارية بغرض التبضع؛ إذ نلاحظ قبل حلول شهر رمضان، حركة غير عادية، تطبعها الزحمة، والتهافت على اقتناء كل ما يلزم المطابخ والبيوت، كما جرت عليه العادة في كل موسم يحل فيه الشهر الفضيل؛ فمع بدء العد التنازلي لمغادرة شهر شعبان وفي اليوم الأخير منه، تعرف أسواق المدينة حركة دؤوبة من طرف المواطنين، وخاصة ربات البيوت، اللاتي يخرجن لاقتناء كل ما يلزم مطابخهن وكذا المنازل.

أوان جديدة كل رمضان عادة لا تستغني عنها القسنطينيات

تعرف الأسواق ومحلات بيع الأواني المنزلية منذ بداية شهر شعبان، حركة تجارية غير عادية، وإقبالا كبيرا من ربات البيوت على اقتناء لوازم جديدة للمطبخ، ولتجديد ديكور المنزل؛ كتقليد يتجدد سنويا لاستقبال شهر رمضان المبارك بحلة جديدة.

وتقبل النساء على اقتناء ما يلزم من قدور وصحون وحتى ملاعق؛ لتغيير مختلف الأواني؛ ترحيبا على طريقتهن، بالشهر الفضيل الذي لم يعد يفصلنا عنه إلا أيام قليلة.

وأصبحت متاجر الأدوات المنزلية تعج طوال شهر شعبان، بالنساء، وربات البيوت الراغبات في اقتناء كل جديد لمطابخهن؛ إذ أجمع العديد من النساء اللواتي التقينا بهن، على سعيهن لإجراء تغييرات جذرية على منازلهن، وجعلها في حلة جديدة بحلول رمضان، لا سيما أن الأواني الجديدة بات يغلب عليها الطابع الجمالي الذي يبهر الناظرين، ويُرغمهم على شرائها بدون سابق إنذار.

مساجد في أبهى حلة لاستقبال المصلين

يحرص القسنطينيون وكغيرهم من الجزائريين، قبل رمضان، على تنظيف المساجد لاستقبال الشهر في أبهى حلة، مع الحرص على تزيينها أو إعادة طلائها، وأحيانا شراء زرابي جديدة، أو تجديد كل مرافق المساجد؛ من إنارة، وصيانة للأجهزة الصوتية، وتنظيف أماكن الوضوء وخلافه.

وتشهد مختلف مساجد الولاية على غرار كل سنة، حركة نشيطة من خلال حملات تنظيف مكثفة؛ تحضيرا لاستقبال المصلين لصلاة التراويح؛ حيث يتطوع الكثير من الشباب ومن رواد المساجد في العملية، بكثير من الحماس والنشاط. كما إن مكاتب سبل الخيرات التابعة للمساجد، تنسق العمليات لتجعلها منظمة؛ قصد تحضير المصلين؛ من أجل أن يكون رمضان في أجواء روحانية وأماكن نظيفة. كما تشارك بعض الفتيات في عمليات مكثفة للتنظيف؛ كغسل السجاد في المنازل، وتنظيف الأرضية، وغسل الستائر، وتهيئة دورات المياه وأماكن الوضوء.

البهارات أساس المطبخ القسنطينيّ

أضحت محلات بيع البهارات والتوابل الوجهة الأولى والمقصد الرئيس للعائلات القسنطينية؛ فقد باتت مكونا أساسيا في المطبخ الرمضاني؛ حيث تنبعث روائح البهارات التقليدية من المحلات والأسواق المختصة في بيعها، ليجد الزبون نفسه مجبرا على شراء كميات منها بعد أن أسرته مناظر عرضها على طاولات مزدانة بمختلف الأنواع والألوان، وموضوعة في أكياس قماش، تُعرض خصيصا بها؛ لتحافظ على النكهة.  ويتم عرض تشكيلات من التوابل والبهارات والأعشاب المحلية والمستوردة؛ على غرار الكركم، والكزبر، والحبة السوداء، وزريعة البسباس، وجوزة الطيبة، وحبة الحلاوة، ورأس الحانوت، والفلفل الأحمر الحار والحلو، وغيرها، بطريقة مغرية تستقطب الزبائن، إضافة إلى المياه المقطرة؛ كماء الورد والزهر؛ لاستخدامها في المطبخ القسنطيني لصنع ما لذّ وطاب من الأطباق التقليدية المشهورة خلال هذا الشهر الفضيل؛ كطجين العين، وشباح السفرة، وطاجين الملوك... وغيرها.

مطحنة الشط قِبلة لتحضير "شوربة الفريك"

لعل ما يميز التحضيرات للشهر الفضيل بالولاية، تمسّك سكانها بعاداتهم خلال هذا الشهر. ومطحنة الشط خير دليل على ذلك. هذه الأخيرة، اليوم، ورغم المطاحن المتواجدة بالولاية، لا ينافسها أحد بحكم تاريخها، وجودة الخدمة التي تقدمها لزبائنها من داخل وخارج الوطن؛ فهي جزء لا يتجزأ من تراث المدينة العريقة بشهادة مرتاديها.  وتُعد مطحنة الشط المتواجدة بالمدينة القديمة "السويقة"، من أقدم المطاحن بعاصمة الشرق؛ فرغم السنوات الطويلة على إنجازها منذ سنة 1954، غير أنها إلى حد الساعة، لم تفقد هويتها؛ فهي قِبلة، ومحج العائلات القسنطينية التي تقصدها من كل صوب وحدب وحتى الجالية الجزائرية بالخارج، خاصة خلال شهر رمضان؛ لما لذلك من نكهة فريدة؛ من خلال التوافد الكبير للمواطنين الذين يقصدونها بغرض طحن أهم منتج يُستعمل طيلة الشهر الفضيل، في تحضير أهم طبق لا تستغني عنه أي عائلة في صينية رمضان، وهو "شوربة الفريك". وتعرف المطحنة انتعاشا منقطع النظير بدءا من الأسابيع الأخيرة من شهر شعبان حتى الأسبوعين الأولين من رمضان؛ حيث إن العاملين بهذه المطحنة يعملون بيد وعلى ساق، للانتهاء من مئات الطلبيات الخاصة بطحن الفريك وكذا التوابل وغيرها.