الاحتفالات في النعامة أربعة أيام

عادات تقوي الأواصر والمردود سيد الأطباق

عادات تقوي الأواصر والمردود سيد الأطباق
  • القراءات: 2274
فائزة لعموري فائزة لعموري

تحتفل الأسر النعامية برأس السنة الأمازيغية مساء اليوم الممتد من الحادي عشر، إلى غاية الرابع عشر من جانفي من كل عام، ويفضل الأغلبية إحياء هذا التقليد ليلة الثاني عشر إلى الثالث عشر من نفس الشهر. وحول احتفالية يناير، أشارت خالتي فاطنة بلحمر، إحدى الساكنات بمنطقة ريفية لا تزال تحافظ على العادات والتقاليد في ولاية النعامة، إلى أن الموالين في القديم كانوا يستعدون للاحتفال بهذه المناسبة عن طريق تحضير "الكليلة" التي يستخرجونها من حليب الماعز أو الشياه ويقومون بتجفيفها، كما كانوا يشرحون ويجففون اللحم ويقومون أيضا بتحميص القمح ورحيه لاستخدامه يوم الاحتفال، مشيرة إلى أن الطبق المعروف الذي تحضره كل البيوت النعامية بمناسبة رأس السنة هو المردود (البركوكس) الذي يحضر بالترفاس الجاف والشريح (اللحم المجفف) والفقاع والكليلة، كما تقوم النساء بتحضير (الروينة). وفي إطار حديثها عن الاحتفال قديما، قالت خالتي فاطنة بأن الفلاحين أو سكان القصور كانوا يجمعون غلاتهم من ترفاس وقمح وخضار وبقول كالحمص والفول ويقدمون جزءا منها للموالين أو لمربي المواشي الذين بدورهم يقدمون لسكان القصور (الدهان) أي سمن الشاة إلى جانب  الرب، حيث يتم تقديمهما في"العكة" وهي عبارة عن كيس مصنوع من جلد الشاة، كما يقدمون لهم أيضا الكليلة، إذ تقدم هذه الأشياء في إطار تبادل الهدايا التي يتم استعمالها أثناء إقامة احتفالات رأس السنة.

الأسر النعامية لا تنسى فقراءها

الأسر في النعامة لا تنسى الفقراء في مثل هذه المناسبة، حسب الحاجة فاطنة، حيث تُقدَّم لهم أطباقا كبيرة من الدقيق وعليها مقدار حفنة كبيرة من الكليلة ومقدار حفنة من الدهان، وتسمى هذه الحفنة من الدهان التي يتم إخراجها من العكة بـ"الهلبوز" ليتسنى للفقير أيضا إحياء هذه المناسبة، مشيرة إلى"أن العديد من سكان النعامة قديما كانوا في الليلة التي تسبق يناير وتسمى "بالحاجوجة" يحضرون الكسكسي بالحليب فقط، دون أن يضاف له أي شيء من التوابل أو "لحرور"، حتى يكون العام الجديد عاما أبيض وجميلا خال من المشاكل، على حد تعبيرها.

سبعة أطباق توزع على الجيران

وحسب خالتي فاطنة، تحضر عدة أطباق تقليدية ومختلف المكسرات والشاي، حتى تختلط الخيرات ويعم العام الجديد الخير، فسكان النعامة من البدو لديهم عادة لازالوا متشبثين بها إلى حد الساعة، وتتمثل في ملء صحون تقليدية كبيرة مصنوعة باليد، يسمى الواحد منها بالطبق بما تم تحضيره في البيت من طعام، وقبل أن يلتم شمل أفراد الأسرة حول المائدة ويشرعون في الأكل، تحمل تلك الأطباق من قبل الأطفال الذين يتولون مهمة الخروج بها وتسليمها لسبعة من الجيران، يتم حصرهم حسب موقعهم من البيت الذي أخرجت منه، والأولى بهذه الهدايا؛ البيوت التي تقع على ميمنة وميسرة البيت الذي خرجت منه تلك الهدية والمقابلة له التي تقع خلفه مباشرة. وبعد تناول الطبق الرئيسي في وجبة عشاء يناير، يأتي مباشرة دور الشاي - تقول خالتي فاطنة - الذي يتم شربه ساخنا بعد أكل المردود المصنوع بدهان لعرب و لشحم أو القديد، عوضا عن شرب الماء أو مختلف العصائر أو المشروبات الغازية وهذا حفاظا على صحة الإنسان. وفي السهرة، يكون الموعد مع "الروينة" التي يطلق عليها سكان النعامة اسم "الطمينة" والتمتع بشرب لبن الشياه أو البقر الذي يصنع في البيت وتسمى عملية صنعه بـ«المخض في الشكوة" (والشكوة هي كيس مصنوع من جلد الشاة يشبه إلى حد كبير القربة، لكنها خالية تماما من الصوف) والمكسرات بمختلف أنواعها، تجمع حفنات منها في  "سرات’’ أو في أكياس صغيرة تعطى للأطفال الذين يشاركون في اليوم الموالي أصدقاءهم فرحة تناولها، وهو ما يساهم في تقوية روابط المحبة والصداقة بينهم. وتذكر الخالة فاطنة أن المردود الخاص بيناير يجب أن يفتل من قبل النساء المتقدمات في السن في الطبق، وهو على شكل صحن كبير مسطح الشكل يصنع من سعف النخيل، بعد عصر اليوم الذي يتقرر الاحتفال خلاله من الأيام الأربعة 11 أو 12 أو 13 أو 14 يناير، حتى يكون طعمه لذيذا وشكله جميلا ومتقن الفتل، كما أن للبن قسط للجار والفقير حتى يأتي العام بخير وفير.

 التنوع حاضر عند النعاميين

يحتفل بعض سكان النعامة بطرق أخرى بيناير، فمنهم من يقيم في أول يوم من الاحتفال ما يسمى بـ"الحاجوجة"، لكن بتحضير كسكسي بالمرق الأبيض والتوابل، مع الابتعاد عن إضافة أية مادة تعطي للطبق لونا أحمر، كالطماطم المجففة أو الطازجة أو المصبرة، وفي اليوم الثاني، تقوم الأمهات بتحضير المردود الأبيض كذلك بـ«الكليلة" و«الدهان" و«الشريح"، مع إضافة مزيج من البقول، وهو شرط أساسي لتحضير هذا الطبق في رأس العام وتتألف هذه البقوليات من الحمص والفول والبازلاء والعدس، إضافة إلى القمح، وهو ما يسمى محليا بـ«المخلط"، وهناك من يذبح الخرفان، لاسيما أن الأسر النعامية تحتفل بالمناسبة في بيت الوالدين، إذ يتجمع الأبناء من الذكور والإناث المتزوجين رفقة أزواجهم وأطفالهم، وكل واحد منهم يجلب ما كان بمقدوره اقتناؤه من لحم وكسكس ومردود وأنواع مختلفة من المكسرات والحلويات التي ترمى على رأس أصغر فرد في العائلة بعد وضعه في قصعة كبيرة، كما أن من شروط طبخ المردود؛ وضع نواة تمر واحدة لتطهى معه ويتحصل عليها أحد من أفراد العائلة أو الجيران (الذين يتم تبادل أطباق المردود معهم) في صحنه سيكون - حسب المعتقدات - عامه مليئا بالمسرات والأفراح والحظ الوفير، ولعل أهم ما يميز هذه الاحتفالات ونجده عند كل أسر هذه المنطقة دون استثناء؛ عدم رفع بقايا المكسرات وبقايا المأكولات من مكان الاحتفال، وعادة ما يتمثل المكان في قاعة الضيوف والأكل وعدم تنظيف الأواني وتركها على حالها إلى غاية اليوم الموالي، حيث يتم تنظيف البيوت صباحا من مخلفات الاحتفال ويعود سبب هذه العادة إلى الاعتقاد السائد ببقاء الخير طيلة العام وعدم نفاده.