رمضان في عاصمة البيبان

عادات تضامنية وسهرات لتوطيد العلاقات

عادات تضامنية وسهرات لتوطيد العلاقات
  • القراءات: 1800
 آسيا.ع آسيا.ع

لم يعد شهر الصيام لدى أهل برج بوعريريج الركن الرابع من أركان الإسلام فحسب، بل وفرصة لاسترجاع الموروث الثقافي والحضاري والاجتماعي عندهم، حيث يكتسي رمضان في الولاية طابعا مميزا لدى الكبار والصغار، من خلال ممارسة الكثير من العادات والتقاليد المتوارثة في المنطقة التي بدأ يؤثر عليها النمو الديمغرافي السائد الناجم عن الاختلاط وتداخل العادات والتقاليد والثقافات.

يتيح شهر رمضان المعظم للبرايجية فرصة عظيمة لتوطيد العلاقات التضامنية التي تزيد من التكافل الاجتماعي وموعدا لإحياء التراث وكثير من العادات والتقاليد التي تجاوزها الزمن.

اهتمام خاص بالأطفال الذين يصمون لأول مرة

ما يزال التمسك قائما بعادة اجتماعية دينية وهي الاحتفال بالأطفال الذين يصومون لأول مرة، فتوضع الحناء على يد كل صغير يستطيع صيام يوم كامل، وغالبا ما يكون اليوم الخامس عشر أو السابع والعشرين قصد تشجيعه وتحبيب تأدية هذا الركن من الدين إلى قلبه، إذ يولي البرايجية أهمية كبيرة لأبنائهم الذين يصومون لأول مرة، من خلال الاحتفال المميز الذي يقام لهم، فيحاط الطفل الذي يصوم لأول مرة بمظاهر احتفالية خاصة، كتعبير عن انتقاله من عالم الطفولة إلى عالم البالغين ويتحول الطفل في ليلة صومه الأولى إلى زعيم أو سلطان تلبي العائلة رغباته، ويحصل على هدايا ويلبس ثيابا خاصة ويُحضّر له إفطار خاص عند الأذان، بإعطائه كأس ماء أو "شربات" بها قرفة وماء الزهر، يوضع بداخله خاتم من الفضة أو الذهب، ويصعد الطفل فوق سطح البيت ويستقبل القبلة ويشرب الماء، حيث تعتقد العائلات بهذا التقليد أن الطفل سيكون محظوظا في حياته المستقبلية ويسود قومه ويكون دائما في رفعة وبعدها تعطى للطفل حبة تمر وبيضة مسلوقة، ثم يجلس لأول مرة للإفطار على مائدة البالغين من أفراد العائلة، بعدما كان يخصص له مكان مع الأطفال، ويمكن للطفل في هذا اليوم أن يمارس سلطته على أوليائه، وما على الوالدين إلا طاعة الأوامر ويتساوى في ذلك الذكور والإناث، في حين تقوم العديد من العائلات من مختلف أقطار الولاية بشراء ثياب جديدة للطفل الذي يصوم لأول مرة، أو يلبس حلة تقليدية وينظم له احتفال خاص تحضره العائلة والأقارب، ويتلقى بعد الإفطار هدايا ونقودا وأكلات خاصة، وقد يرافق أباه إلى السوق لشراء تلك اللوازم بنفسه ويشارك في اختيار بعضها، كما تقوم بعض النسوة للطفل الصائم لأول مرة بتحضير مشروب حلو يدعى "الشاربات"، وهو مزيج من الماء والسكر وماء الزهر، يضاف إليه عند البعض عصير الليمون وتعتقد الأمهات أن هذا المشروب الحلو يجعل صيام الطفل حلوا ويحبب عنده الركن كي يصوم مرة أخرى. في مناطق أخرى، يحظى الطفل الصائم بمعاملة الكبار، وعند الأذان يقوم أحد كبار العائلة؛ الجد أو الأب، بحمل البنت أو الطفل على كتفه ويوضع في أعلى منطقة من البيت (السطح)، وعند الأذان يفطر الطفل على حبة البيض أو "الغرايف" بالعسل قبل أن يجلس إلى مائدة الإفطار رفقة الكبار.

سهرات وزيارات بالتداول .. 

من عادات وتقاليد عاصمة البيبان؛ عادة "العرضة" وهي دعوة الأصدقاء والأقارب وحتى عابري السبيل إلى مائدة الإفطار، حيث تعتبر سنة حميدة يتسابق عليها السكان ولعل أبرز مظاهر التكافل والتضامن الاجتماعي التي غدت علامة رمضانية مسجلة؛ تبادل الأكلات مع الجيران، فضلا عن عادة "الدور" المتمثلة في تناول أبناء الحي أو الدوار الواحد لوجبة الإفطار، مجتمعين عند أحدهم على أن يتم ذلك بالتداول، كما تظهر مع حلول شهر رمضان حلة إيمانية، فتتزين المساجد ويزداد واردوها، حيث لا تستوعب هذه المساجد العدد المتزايد من المصلين، مما يفرض على القائمين عليها تخصيص الساحات المجاورة من أجل أداء صلاتي العشاء والتراويح.

ومن العادات الراسخة أيضا، السهرات التي تبدأ بعد عودة الرجال من صلاة التراويح، فالشباب ينظمون بعضهم البعض أو يخصصون أماكن للقاء، فمنهم من يتسامرون بحكايات ومغامرات وتسطير مشاريع دنيوية ودينية وآخرون يقضون سهراتهم في لعب "الدومينو أو الكارطة أو البوكير"، حيث تتعالى أصوات التشجيع وتحتدم المراهنات والمشاحنات في أجواء تنافسية أخوية مميزة، وآخرون يقضونها بمقاهي الأنترنت أو الساحات العمومية ومنهم من يخصصها لزيارة الأهل والأقارب.

موعد للتضامن الاجتماعي ورجوع بالذاكرة إلى الأصل

من مظاهر الشهر الفضيل، قيام بعض المحسنين بالتعاون مع الجمعيات الناشطة، كالهلال الأحمر الجزائري والكشافة الإسلامية الجزائرية، بتنظيم موائد إفطار جماعية، كما يشرف بعض ملاك المطاعم على توفير وجبات ساخنة لعابري السبيل، إذ قبل الإفطار بنصف ساعة، يتم توقيف الشاحنات والسيارات ودعوة السائقين والركاب لهذه الموائد. كما أن مطاعم الرحمة بمختلف مناطق برج بوعريريج تفتح أبوابها  للفقراء وعابري السبيل في أغلب بلدياتها.

احتفال خاص بالنصفية وليلة السابع والعشرين

بعد مضي 20 يوما من الصيام، تبدأ العائلة البرايجية في التحضير للاحتفال بليلة السابع والعشرين بعد أن يتم الاحتفال بـ«النصفية"، وهي منتصف شهر رمضان، حيث تقوم ربات البيوت بتحضير وجبة خاصة تسمى "عشاء النصفية" التي يتم فيها تحضير طبق من العجائن،  كـ«الشخشوخة أو الرشتة أوالثريدة أو بربوشة"، تضاف إليها أطباق من اللحم المشوي والشوربة، يتواصل السهر في ذلك اليوم إلى غاية السحور. وتمر أيام قليلة من الانتهاء من الاحتفال بالنصفية، يأتي دور التحضير للاحتفال بليلة السابع والعشرين، هذه الليلة المباركة التي فضلها الله عز وجل على ألف شهر، يتم فيها ختان الأطفال، خاصة أبناء الفئة المعوزة، مع تنظيم دورات دينية خاصة للأطفال حفظة القرآن، ناهيك عن الاحتفالات الدينية التي تقوم بها العائلات البرايجية والتي تختلف من عائلة إلى أخرى.