المسقي وتاكظورت وأوان ومتون وأهاليل..

عادات الأسر الورقلية لإحياء المولد النبوي الشريف

عادات الأسر الورقلية لإحياء المولد النبوي الشريف
  • القراءات: 4448
مبعوثة المساء إلى ورقلة /حنان. س مبعوثة المساء إلى ورقلة /حنان. س
حتى وإن اختلفت عادات منطقة عن أخرى في إحياء مناسبات معيّنة أو أعياد بعينها، فإن الراسخ في تقاليد مجتمعنا هو مجموع الطقوس التي تمثل تلك العادات، والتي بقيت الأجيال المتلاحقة تحافظ عليها عبر الزمن. حديثنا اليوم عن إحياء مناسبة المولد النبوي الشريف بمنطقة ورقلة، إحدى أهم ولايات الجزائر، فإن كانت تُعرف لدى العامة بعاصمة البترول، فهي في أعين أهلها مدينة الأصالة والتمسك والمحافظة على الموروث التقليدي المادي والمعنوي.
تعيش «المساء» هذه الأيام بمدينة ورقلة، على وقع تحضير الأسر الورقلية وغيرها، لإحياء مناسبة المولد النبوي الشريف. ففي سوق «لحجر» الشعبي وسط المدينة، وقفنا على حركة كثيفة للمواطنين لاقتناء حاجاتهم اليومية، ومن ذلك مستلزمات المناسبة الدينية الشريفة؛ إذ تقول مواطنة التقيناها بالسوق، إن المولد النبوي الشريف من بين المناسبات التي تحرص الأسرة الورقلية على إحيائها، وهذا بتحضير بعض الأطباق التقليدية المعروفة جدا بالمنطقة، مثل الشخشوخة والمسقي وتاكظورت والسفوف.. وغيرها، موضحة أن سر إحياء أية مناسبة أو عيد يكمن في اللمة العائلية، التي عادة ما تسبقها لمة من نوع آخر؛ بمعنى لمّ المال أو التويزة، مثلما تُعرف في بعض جهات الوطن، وهو مبلغ مالي يغطي شراء المستلزمات الكثيرة لتحضير «عشا المولود».
في هذا السياق، تقول السيدة خضرة بوهلال إن جمع الأموال يكون في صبيحة ليلة المولد؛ حيث تُعهد العملية أحيانا لسيدة من المنزل الكبير؛ أي بمنزل الجدة الذي سيشهد اللمة مساء، بحيث يتبرع أفراد العائلة بمبالغ متفاوتة، ويُجمع المبلغ في الأخير، والذي قد يصل إلى حدود 50 ألف دينار، ثم يُعهد لرجال من العائلة لشراء المستلزمات، وهذا طبعا بعد إعداد قائمة بالاحتياجات. وقالت محدثتنا إنها تدب في أرجاء المنزل الكبير حركة غير عادية طوال اليوم؛ مما يوحي بأن مناسبة عزيزة على القلوب يتم التحضير لإحيائها. ومن أجل ذلك تقسَّم الأدوار على النساء والشابات أيضا، حيث تستعد كل سيدة موكل إليها تخضير صنف من الأكلات التقليدية، وتشرع في عملية طهي الطعام بعد صلاة الظهر.. وفي جو مشحون بالتنافس لإظهار «حنة اليدين»؛ أي براعة كل واحدة.. يبدأ التحضير لمائدة عشاء المولد النبوي..
وعلى المائدة، يكون المسقي والشخشوخة وتاكظورت والسفوف واوان...وأباريق الشاي، إلى جانب المقروط والغريبية، بحضور جميع أفراد العائلة، وتستمر السهرة لساعات متأخرة من الليلة الشريفة.
والمسقي هو طبق الكسكسي باللحوم البيضاء أو الحمراء، حسب اللهجة المحلية، وإن كان الكسكسي طبقا موحدا في التسمية في الجزائر، إلا أن طريقة التحضير هي التي تصنع الفارق بين هذه الجهة وتلك. فحسب السيدة نعيمة بن شيبة من مدينة توقرت العريقة، فإن الكسكسي التوقرتي تكون حباته خشنة بعض الشيء، ويحضَّر لمناسبة المولد الشريف بلحم الدجاج وبمرق أبيض تحديدا. وقالت إن هذه عادة قديمة جدا متوارَثة عبر أجيال متلاحقة بتوقرت. وبالمقابل، تشير السيدة وردة كربوسة، من المنطقة، إلى أن الشخشوخة بمرق أحمر والفلفل الحار من الأطباق التي تميّز الاحتفال بالمولد الشريف، مشيرة إلى أن نساء منطقة توقرت مازلن محافظات على عادة تبادل الأطباق التقليدية عند إحياء المناسبات الدينية.
أما السفوف وتاكظورت فهما نوعان من الحلويات التقليدية العريقة جدا بولاية ورقلة. فأما السفوف فعبارة عن سميد محمّص مخلوط بغرس التمر والدهان العربي؛ يعني زبدة من حليب الغنم، إضافة إلى «الكليلة»، وهي نوع من أنواع الجبن المستخرَج من حليب الماعز. يتم خلط كل المكونات للحصول على السفوف، الذي يوزَّع على الجميع بعد عشاء ليلة المولد.
«تاكظورت» ـ وهي الطمينة لدى جهات أخرى من الوطن ـ تحضَّر من غرس التمر المرحي المخلوط بفرينة القمح الصلب والمسمى محليا «أمندي»، ويعجَن بالدهان و«الكليلة»، وتشكَّل كويرات. ويوزَّع تاكظورت أيضا على الجمع، وسمته البارزة هي الطعم الحلو. ويصحب هذا وذاك كؤوس الشاي وحبات أوان، وهي عبارة عن فول يابس محمَّص في الرمل، يعتبره أهل المنطقة أحسن من الكاوكاو وباقي المكسرات بألف مرة.. وهذه القعدة التقليدية بين أطباق وحلويات المنطقة، يتبعها  تراتيل متون القرآن الكريم، وتصحبها أيضا أهاليل وأهازيج إذا كان في الأسر «طهور» لأطفال العائلة..