تملك معصرة تقليدية بالعفرون وتأبى التخلي عنها

عائلة رنجة.. 100 سنة في عصر الزيتون

عائلة رنجة.. 100 سنة في عصر الزيتون
  • القراءات: 948
رشيدة بلال رشيدة بلال

لاتزال عائلة رنجة بمدينة العفرون بولاية البليدة، وفية لحرفة الأجداد؛ حيث تضرب لسكان المنطقة وما جاورها وحتى من خارج الولاية، موعدا كل سنة، مع بداية عصر الزيتون، لتقدم لمحبي زيت الزيتون أجود الأنواع معصورة بطريقة تقليدية، حيث تتكفل العائلة التي تملك معصرة يعود تاريخها إلى أكثر من 100 سنة، بعصر الزيتون، وبيعه من المعصرة، مباشرة، إلى الزبائن. وعن قصة صنعة عصر الزيتون التي توارثتها عائلة رنجة أبا عن جد، زارت "المساء" وحدة الإنتاج، وتحدثت مع عمي مصطفى رنجة، عن هذه الحرفة، وسر تمسّك العائلة بها رغم التحديات التي تواجهها اليوم.

تقع معصرة الزيتون لعائلة رنجة، بقلب مدينة العفرون. ويزورها، يوميا، عدد كبير من المواطنين بمجرد بدء موسم العصر؛ للحصول على زيت الزيتون من المعصرة مباشرة. وفي المقابل تكون كميات زيت الزيتون محضَّرة بعد عصرها بطريقة تقليدية في انتظار زبائنها الأوفياء. وعن بداية امتهان عمي مصطفى حرفة عصر الزيتون يقول: "في الحقيقة، عصر الزيتون لا يمكن ربطه بتاريخ معيّن؛ لأني وُلدت في عائلة توارثت هذه الصنعة أبا عن جد، وبالتالي فإن انتمائي لعائلة احترفت هذا العمل، جعلني، أيضا، أمارسها منذ صغري؛ ولعل هذا ما جعل هذه الحرفة تأبى الزوال في عائلتنا؛ لأننا توارثناها، ونحبها، ونرغب في إطالة عمرها، وحمايتها من الاندثار؛ بالحرص على تعليمها لأبنائنا"، مردفا في نفس السياق: "فأنا، مثلا، أبلغ من العمر 75 سنة ولاأزال أمارسها بكل شغف وحب رغم أن لي مهنة أخرى بعيدة كل البعد عن عصر الزيتون"، مشيرا إلى أن عائلته امتهنت صناعة عصر الزيتون لما يزيد عن مائة سنة، وهو تاريخ طويل، يحتّم على أفراد العائلة الاستمرار في الحفاظ على هذه الحرفة التقليدية العريقة.

موسم العصر يجمع شمل العائلة

وحسب عمي مصطفى، فإن ممارسة صناعة عصر الزيتون على مدار سنوات، جعلت أفراد العائلة يكتسبون الكثير من المعارف حول نوعية الزيتون، والطريقة الصحيحة لعصره، ومختلف أسراره التي تختلف باختلاف حبة الزيتون، والمكان الذي يُجلب منه. ولعل هذا ما جعلهم يحافظون على الطريقة التقليدية في العصر، والمتمثلة في الاعتماد على الرحى المصنوعة من الصخر، التي تدور بطريقة ميكانيكية طيلة اليوم من أجل عصر الزيتون، مشيرا في نفس السياق، إلى أن أهم تحدٍّ، اليوم، يواجه معصرة الزيتون، هو عدم وجود اليد العاملة، التي تجلب إليهم الزيتون من الجبال لعصره؛ إذ لا يعتمدون على جهة معيّنة، وإنما يتعاملون مع أي شخص يجلب لهم الزيتون من حقوله. وبحكم الخبرة التي تملكها عائلة رنجة، فهي قادرة على تقديم أجود أنواع الزيت المعصور، للمستهلكين مباشرة.

وأهم ما تسعى عائلة رنجة للحفاظ عليه من خلال امتهانها على مدار سنوات عصر الزيتون، هو اسمها، الذي ارتبط بزيت الزيتون؛ من أجل هذا ظلت العائلة وفية لهذه الحرفة رغم أن كل واحد من أفرادها لديه مهامه الخاصة، إلا أن موعد عصر الزيتون يجمعهم في هذه المعصرة؛ قال عمي مصطفى في هذا الإطار: "وأنا واحد منهم؛ حيث أقدم اعتذاري للعاملين معي؛ لأني أتخلف عن منصب عملي، فقط، لكي أكون في الموعد مع مهنة أجدادي. ولعل ما عزّز حب زيت الزيتون الذي نعصره للناس، أننا نقوم ببيعه، مباشرة، للمستهلكين؛ حتى لا يتم التلاعب به".

بقليل من الدعم يمكننا الذهاب إلى التصدير

وعبّر محدّث "المساء" عن أمله في أن تولي الدولة اهتمامها للعصر التقليدي للزيتون، مردفا: "نحن كعائلة امتهنت، على مدار سنوات، هذه الحرفة التي نجيدها، نتمنى أن تُمنح لنا قطعة أرض خارج المدينة؛ حتى نشيّد معصرة أخرى، ولا نكتفي بمجرد العصر والبيع على المستوى المحلي فقط، بل يمكننا، اعتمادا على ما نملكه من خبرة في المجال، أن نذهب إلى التصدير، خاصة أن زيت الزيتون الجزائري من أجود الأنواع". وأكد عمي مصطفى أن الأجداد كانوا يصدّرون الزيتون لزبائنهم خارج الوطن، "وهو ما نتطلع لإعادة إحيائه بالقليل من الدعم"، يضيف المتحدث. 

وردّا على سؤالنا عما إذا كان زيت الزيتون يختلف من منطقة إلى أخرى من حيث الجودة والنوعية، أكد محدثنا: "زيت الزيتون لا يختلف عن بعضه البعض؛ لأننا نتحدث عن ثمرة الزيتون، التي نقوم جميعا بجلبها من أجل عصرها، ولكن العبرة في طريقة العصر، التي تصنع الفارق بين زيت آخر"، لافتا إلى أن خبرتهم مع هذه الحرفة، جعلتهم يحرصون على جلب الزيتون من أعالي الجبال؛ لضمان الحصول على حبات الزيتون الطبيعية، الغنية بالزيت، والتي تعطي منتوجا طبيعيا وفيرا وصحيا. 

معصرة عائلة رنجة ـ يختم عمي مصطفى ـ "تُعد رمز مدينة العفرون. واكتسبت شهرتها من نوعية زيت الزيتون الذي تعصره. وعلى الرغم مما يواجهنا من مشاكل، خاصة ما تعلق بقلة اليد العاملة التي تجلب الزيتون، ومشكل النفايات التي تنتَج عن عصر الزيتون والتي نأمل أن يكون هناك من يهتم بها لإعادة تدويرها، إلا أننا مازلنا متمسكين بها. ونعمل، اليوم، على توريثها لأبنائنا حتى تظل حية لا تزول".