العنف اللفظي في الشوارع

ظاهرة في تصاعد مخيف

ظاهرة في تصاعد مخيف
  • القراءات: 1239
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

برزت في شوارعنا خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة مستهجنه تثير حفيظة المتجولين بين الأزقة وبعض الأحياء بالعاصمة، وهو العنف اللفظي، الذي يشتد أحيانا لأتفه المناوشات وأبسط المواقف، حيث أصبحت الظاهرة من أبرز أشكال العنف الممارس ضد أفراد المجتمع داخل الأحياء، وفي الشوارع والأماكن العامة ومراكز التسوق، وحتى داخل وسائل النقل وفي حظائر السيارات، حيث يلجأ البعض إلى الكلام المستفز والبذيء للتعبير عن الاستياء، أو رفض موقف ما، وأحيانا دون أي سبب، فيما أرجع خبراء الاجتماع الأمر إلى أسباب عديدة، أهمها غياب الوازع الأخلاقي، والظروف الصعبة التي يعيشها البعض.

في جولة استطلاعية قادت "المساء" إلى بعض الأحياء الشعبية بالعاصمة، التي يكثر فيها هذا النوع من المواقف، تحفظنا على ذكر اسم البلدية احتراما لأهلها، ولعدم ربط ذلك الحي بواحدة من أبشع الظواهر التي برزت وسط شباب اليوم، كان لنا حديث مع عدد من أصحاب المحلات هناك، أكدوا لنا أن المنطقة توصف بـ"الساخنة"، وتشهد يوميا مواقف مماثلة، أحيانا تكون لأتفه الأسباب. حول هذا، استهل سمير بائع بمحل تجاري، كلامه بقول: "نعم، الأمور تنطلق من مناوشات كلامية، إلى سب وشتم وعنف جسدي"، وأضاف أنه "كثيرا ما يصل ضحيتها إلى حد الضرب أو حتى القتل، وإذا ما تم التحقيق في القضية، تجد السبب وراءها تافها"، وذكر أيضا، أن تلك الظاهرة أصبحت "مثيرة للاشمئزاز"، تضع الكثير من المواطنين في وضع حرج، لمجرد أنهم مروا بالقرب من موقع الحادثة، لاسيما العائلات، لما تسمعه من كلام مشين وسب وشتم غير لائق بتاتا، وكأن الاحترام لم يعد له أي اهتمام، خصوصا أنه في زمان ليس بالبعيد، كان الاحترام متبادل بين جميع الأفراد، حتى وإن اختلفوا بينهم، بل وكان البعض يتنازل عن حقه أحيانا لتفادي ذلك النوع من المواقف.

من جهته، قال الشاب محمد، 25 سنة، إن العنف اللفظي جزء من الشوارع الجزائرية، لاسيما في الطرقات، وبات الجميع يعكس نرفزته في الشارع، ويعبر عن ما بداخله بأبشع صور العنف اللفظي، لا احترام ولا مراعاة لأي كان، كبيرا وصغيرا، ولا حتى رجل قانون، لتنتهي تلك النزاعات بمحاولة المارة فك الخلاف بين اثنين.

على صعيد آخر، قال أسامة، طالب جامعي؛ لقد كنت شاهدا مرة على موقف غريب لمناوشة كلامية بأصوات صارخة، وعنف لفظي وكلام جارح، كان سببه "نظرة"، بعدما سأل أحد المارة شخصا آخر بقوله؛ لماذا تنظر إلي؟ فنظرة عفوية من شخص آخر أثارت جنونه ووصلت به إلى التعبير عن قلقه بالسب والشتم والتهديد، فهناك نظرات تصل أحيانا إلى مناوشات كلامية وشجارات لا يحمد عقباها.

في هذا الصدد، حدثنا مولود مسعود، أخصائي اجتماعي، قائلا: "إن هذه الظاهرة تبرز بشكل واضح في المجمعات السكنية المكتظة، والتي تعرف بالأحياء الشعبية، البعض يسميها "الأحياء الساخنة"، بسبب أوضاع المعيشة والحالة المادية المزرية لبعض العائلات، إلى جانب المشاكل الاجتماعية التي يتخبط فيها البعض، وهذا ما يخلق ضغطا رهيبا على الفرد، يحول سلوكه من متزن إلى سلوك عدواني وعنيف، يبحث عن أتفه الأسباب للدخول في مناوشات وتحرير ذلك الضغط". أضاف أنه في الكثير من الأحياء، قد نكون شاهدين على مواقف مماثلة في الشوارع الجزائرية، لاسيما في الطرقات، حيث أصبح الكثيرون لا يتسامحون، وشعورهم بأنهم ضحية "الحقرة" يجعلهم ينتفضون بعنف كبير، لدرجة السب والشتم، لا احترام لكبير ولا لصغير أو رجل أو امرأة، وهذا ما أصبح يهدد أخلاق المجتمع ويضعها على المحك.

أضاف المختص، أن تلك السلوكيات غير مسؤولة وغير مقبولة في أي حضارة، وأي بلد، وهي مرفوضة ومستهجنة، لابد من القضاء عليها بتعزيز الوازع الديني والأخلاقي، وتهذيب السلوكيات منذ الصغر، للقضاء على مختلف أشكال الانفعال على أتفه الأسباب والقضاء على الغضب غير المبرر، كما أن الاهتمام بالوضعية الاجتماعية وترقية المجتمع، كفيل بتهذيب تلك السلوكيات والقضاء على العنف اللفظي في الشوارع الجزائرية.

شدد مولود مسعود، على أن هذه الظاهرة الاجتماعية المؤرقة، غالبا ما تلقى مسؤولية استفحالها على عاتق جيل الشباب، الذي يستعمل الكلام البذيء للتعبير عن ذاته وتحرره من القيود الاجتماعية، بما فيها الأخلاق، من خلال محاولة تحرره من الأحكام المجتمعية والقضاء على كلمة "عيب"، إذا ما تعدى أحد على حقه، أو حتى مارس سلوكا لم يتفق معه، لكن تحميل المسؤولية للأجيال الناشئة وحدها، يضمر تنصلا للأسرة والمجتمع من مسؤولياتهما في الأمر، ويدل على إهمال للحيثيات التي تقف وراء ظاهرة تمس مختلف الفئات الاجتماعية، رغم الدور الكبير لمؤسسات التنشئة في أداء دورها التربوي، سواء الأسرة أو المدرسة، فكثيرا ما تجد بعض الشعوب الفقيرة التي تعيش اضطهادا سياسيا واقتصاديا، مهذبة وسلوكها متزن ومرن وسط مجتمعها..