موضة أم تمرد على القيم ؟

ظاهرة الوشم والخرم تنتشران كالنار في الهشيم وسط الشباب

ظاهرة الوشم والخرم تنتشران كالنار في الهشيم وسط الشباب
  • القراءات: 1252
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

انتشرت خلال السنوات الأخيرة، ظاهرتي الوشم أو ما يعرف بـ"التاتو"، وكذا الخرم أو الثقب، في أجزاء من الجسم، على غرار السرة أو طرف الحاجب وسط الشباب من الجنسين، وهي من الصيحات التي عرفتها الشعوب الأوروبية والأمريكية منذ الأزل،  والمحرمة في ديننا الحنيف، حيث تسعى فئة من الشباب إلى مواكبة تلك الموضة، من خلال الرسومات التي تطبق على الجسد، وتعكس بعض المعاني والأحاسيس، في حين يبقى البعض الآخر مجرد رغبة في تقليد فنان أو البعض المشاهير، وتتعدد الصالونات التي لا يزال الكثير منها يقدم تلك الخدمة، بعيدا عن أعين الرقابة، لعدم حيازتها على اعتماد يسمح لها بذلك.

في جولة استطلاعية قادت "المساء"، إلى عدد من صالونات التجميل بحثا عن صالون يقدم ذلك النوع من الخدمات، التي يبدو أنها أصبحت رائجة وسط الشباب، حيث اقتربنا من بعض الصالونات المنتشرة في أكبر الأحياء، ولمسنا استغراب عدد من صاحباتها، لاسيما التي تديرها كبيرات السن، اللواتي أشرن إلى أن هذا النوع من الخدمات، لاسيما أن الوشم "مرفوض" في مجتمعنا، لأنه محرم شرعا، إلا أن البعض الآخر من جيل اليوم، الأهم بالنسبة له هو مواكبة الموضة.

عند انتقالنا إلى صالون بقلب العاصمة، بالتحديد في شارع ديدوش مراد، لاحظنا أن المحل يعرض بكل فخر خدمات تجميل الأظافر، الوشم والخرم، حيث تعد هذه الأخيرة أكثر الخدمات انتعاشا لدى صاحبة المحل، وفي حديثها قالت: "إنه منذ أكثر من ثلاث سنوات الأخيرة، انتعشت هذه الخدمة في الجزائر، وبات الوشم والخرم من أكثر صيحات جيل اليوم، المواكب للموضة بشكل خاص، مشيرة إلى أن ذلك حرية شخصية وكل فرد حر في ذاته وفي جسمه، وما يمكن أن يقوم به، موضحة أن أكثر الفئة إقبالا على خدماتها هي الفتيات بين 23 و40 سنة، وهي المرحلة التي يحاول فيها الفرد إبراز جماله وملامحه من خلال القيام بذلك، وأوضحت المتحدثة، أنه اليوم أصبح التجميل بأنواعه تصرف يعتمده الكثير من الرجال والنساء، وفي التجميل يكون الحديث عن كل ما يشمل تغيير ولو بسيط في الشكل الخارجي من الجسم، حتى وإن كان وشما.

الوشم الخفيف للنساء والصاخب للرجال

عن أكثر الأساليب المعتمدة للوشم، تقول صاحبة المحل، هنا تنقسم الخدمة إلى نوعين، فسواء رجال أو نساء، يبقى الوشم المعتمد خفيف ومتحفظ نوعا ما، لا يشمل الجسم كاملا، لكن الفرق واضح بين الفتاة والرجل، فالفتاة تتعمد الأسلوب غير المرئي تقريبا، كرسم خفيف عند المعصم، أو الكاحل أو على الأصابع أو وراء الأذن وما إلى ذلك، في حين يفضل الرجل الرسوم الأكثر وضوحا نسبيا مقارنة بالنساء، وتكون على الذراع، أو إحدى الأرجل أو على الكتف، وتكون برسوم أكثر صخابة حتى تكون واضحة، نظرا لحجم وجسم الرجل، وعن أسعارها تقول المتحدثة؛ تنطلق من 3000 دينار جزائري للرسم البسيط، ويزداد السعر وفق المساحة.

وأضافت أن خدمة الخرم، تبقى إلى حد الساعة تعتمدها النساء أكثر، وبعدما كانت تقتصر على الأذنين، فاليوم الموضة تفوق ذلك، على حد تعبيرها، تكون في البطن على مستوى السرة، أو في الأنف، أو الفم أو على مستوى الحاجبين، وطريقة تطبيقها بسيطة.

حول هذا، وعند سؤالنا عن الإبر المستعملة، أكدت المتحدثة أن العملية آمنة وتعتمد كل أساليب الوقاية لمنع انتقال العدوى.

الدكتورة ريم بن عصمان تحذر: مخاطر الإبر المستعملة كبيرة

من جهتها، حذرت ريم بن عصمان، طبيبة مختصة في الأمراض الجلدية، من الأعراض الجانبية للوشم والخرم، وبالتحديد الإبر المستعملة للقيام بذلك، والتي تعتمدها بعض صالونات التجميل دون رخص، مشيرة إلى أنه اليوم، لابد التنبيه بشكل خاص للمشاكل المرتبطة بتلك الإبر المستعملة، لذلك الذي يعد أخطر من الوشم في حد ذاته.

أكدت المختصة أن العديد من المحلات التي تعمل في هذا المجال، باتت لا تحترم بتاتا معايير الصحة والسلامة، معرضة بذلك صحة زبائنها للخطر، مشيرة إلى أن اللوم اليوم، لا يلقى فقط على عارضي الخدمة، بل أيضا على الزبائن الذين يركضون وراء صالونات التجميل لا علاقة لها بطب التجميل، خصوصا أن البعض يعتمدون على وسائل وتقنيات تتطلب الشهادة والتجربة، بحثا عن الأسعار البخسة، مما يجعل من هؤلاء ضحايا الكثير من الأخطاء، وهو ما يدفعهم إلى التوجه نحو أطباء الجلد لتصحيح الأخطاء.

من الأخطار المترتبة عن ذلك، تقول بن عصمان، إن البعض لا يحترمون معايير السلامة، وهذا ما يجعل تلك الإبر المستعملة خطيرة، ويجعلها تنقل الأمراض المعدية، على غرار التهاب الكبد الفيروسي، وفيروس ضعف المناعة، إلى جانب أمراض أخرى أقل خطورة، لكن لا تقل تعقيدا كالطفح الجلدي، أو الحساسية، أو التهاب البشرة وغيرها، لهذا دعت المختصة إلى التوجه نحو ذوي الخبرة، إذا كانت هناك حاجة لذلك، فالصحة لا ثمن لها.

الأستاذ محمد عبد الكافي قديد: موضة مزدهرة أم غياب للمبادئ وانحطاط

في هذا الصدد، قال محمد عبد الكافي قديد، أستاذ علوم إسلامية، وإمام مسجد ببلدية المحمدية، إنه قبل سنوات لم يكن الوشم من عادات الجزائريين، ولم يكن هناك إقبال عليه من قبل، إلا من فئة قليلة، كان أكثرها متطرفا وممن لديهم سوابق عدلية ومساجين، أما البقية فكان يتجنبها خوفا من العادات والتقاليد ونظرة المجتمع السلبية، لكن يبدو أن الظروف تغيرت، يقول الإمام، والمبادئ اضمحلت، فاليوم هناك إقبال كبير وملفت من قبل الشباب، خاصة الفتيات على الوشم، لأنه بات الاعتقاد السائد، أنه يتماشى مع الموضة والحداثة، على غرار المشاهير، وما يشاهدونه على شاشات الهاتف والتلفاز، لا سيما تحديد الحاجبين والرسم على القدم أو على المعصم، أو أماكن أخرى من الجسد، تكون في مناطق غير مكشوفة، وحتى مكشوفة، يتباهى بها هؤلاء على الشواطئ.

أضاف الإمام أن الوشم حرام، استنادا إلى الحديث الشريف: "لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة المغيرات خلق الله"، مؤكدا أن الوشم للتجميل أو الزينة محرمة شرعا، بينما تلك التي تقوم على مصالح طبية مطلقة كإزالة التشوهات والتداوي فهذه لا ضرر منها، إلا أنه اليوم، الكثير من الشباب وصلوا إلى قناعة تامة وإيمان مطلق بأن جسدهم خاص بهم، ويحق لهم أن يفعلوا به ما يشاؤون، بعيدا عن نظرة الدين الإسلامي الذي يحرم الوشم، وبالرغم من اعتبارها شكلا من أشكال العصيان المجتمعي، إلا أنها ممارسات انتشرت، للأسف، وسط المجتمع الجزائري.