العائلات البرايجية تستقبل "شاو الربيع"

طقوس احتفالية تزينها "المبرجة" و"الرفيس"

طقوس احتفالية تزينها "المبرجة" و"الرفيس"
  • القراءات: 787
آسيا عوفي آسيا عوفي

"شاو الربيع الربعاني.. كل عام تلقاني في الفيلاج الفوقاني"؛ كلمات ترددها العائلات البرايجية للاحتفال بقدوم فصل الربيع، وإقامة ما يسمى بـ"شاو الربيع"، وتعني بداية ودخول الربيع ونهاية فصل الشتاء القارس، بعد سقوط الأمطار الكثيرة والثلوج، التي حرمت الكثير من العائلات من الخروج والتنزه، بسبب سوء الأحوال الجوية، وتقيم ولاية برج بوعريريج التظاهرة، بداية ربيع كل سنة.

يكون ذلك في ثلاث جمعات، إذ تنطلق بداية من الجمعة الأولى من شهر مارس، وهي تظاهرة محلية ذات امتداد لعادات وتقاليد عريقة متجذرة عند العائلة البرايجية، فمنذ زمن طويل، اعتاد جميع أفراد العائلة الخروج إلى المناطق الخضراء الشاسعة، ومعهم أكلات وحلويات معدة خصيصا للاحتفال بفصل الربيع، ولمعرفة عادات وتقاليد البرايجية في هذا الشأن، اقتربنا من العائلات وعرفناها.

عائلات تنهض باكرا للخروج وأخرى تخرج بعد الظهر

هناك من العائلات من يخرج أفردها لاستقبال "شاو الربيع" في الصباح الباكر، لتحضير كل مستلزمات اليوم، لأن موعد الرجوع إلى المنزل يكون في المساء، بالتالي لابد من تحضير الزاد المتمثل في الخبز والماء والجبن والزيتون، أي وجبة باردة، وهناك من يشتري السمك أو اللحم ويقوم بشيه في الغابة، وكذلك "المبرجة" والبرتقال والحلويات المتنوعة، وقبل هذا كله، تقوم الأم بتحضير البيض المسلوق، وكل فرد في العائلة يتحصل على نصيبه، إذ يقوم بتوزيعه الأب على أولاده، ويتحصل كل فرد على قطعة واحدة من "المبرجة"، وحبة برتقال وبيضة وحلويات، وفي بحثنا حول سر اختيار البرتقال بدل الموز والتفاح، وجدنا إجابتين؛ الأولى أن البرايجيين لم يعرفوا الموز والتفاح قديما، عكس البرتقال الذي هو منتوج جزائري موجود بوفرة منذ زمن، بالتالي كان التقليد أكل البرتقال بحلول الربيع، أما الجواب الثاني، فهو أن البرتقال يحتوي على فيتامينات النشاط والحيوية، وهو فيتامين "ج" الذي يجعل الفرد الذي يستقبل الربيع في نشاط دائم.

"المبرجة" سيدة الطعام وبدونها لا يحلو المقام

"المبرجة" أو "البراج"، كما يحلو للكثيرين تسميتها، هي أهم ما يميز الربيع في منطقة برج بوعريريج، وهي عبارة عن قرص من دقيق القمح الصلب، تحشى بالتمر المعجون وتقسم إلى مربعات صغيرة، تطهى في طاجين على نار هادئة، إلى جانب "الرفيس" الذي لا يختلف كثيرا عن "البراج"، والذي تحمص فيه حبات الدقيق الخشن على النار، حتى يتحول لونها إلى ذهبي، ويخلط بالتمر المعجون مع الزبدة ويوضع في قالب خاص، فلا تستغني عائلات البرج عن هذه الأطباق التي تميز هذا اليوم، إلى جانب "القرص" وهو أشبه بـ"الكسرة"، التي تدهن بصفار البيض لتبدو صفراء كصفرة أزهار النرجس، وتوضع في سلال صغيرة خاصة بالأطفال، مع حبات البرتقال والتمر وحلويات خاصة بالربيع.

وللبنت المتزوجة نصيبها

لا تغفل العائلات البرايجية عن نصيب بناتها المتزوجات من احتفاليات الربيع، حيث تسرع الأمهات عادة إلى تحضير "المبرجة" و"الرفيس"، ويجد الرجال في اقتناء حلوى الربيع والبرتقال والتمر، لتأخذه الأم إلى جانب الوالد إلى ابنتهما، متباهين أمام أهل زوج ابنتهم بما جلبوه لها، وتقوم بدورها بتوزيع جزء منه على الجيران، كما تحرص الأمهات على صنع "القرص" لكل أحفادها، ولا تنسى بعض العائلات حق أبنائها الذين يؤدون الخدمة الوطنية، أو الذين يعملون في سلك الأمن بعيدين عن منازلهم، حيث يحتفظون بنصيبهم من "البراج" و"الرفيس"، ويأخذونه في القفة إلى الثكنة التي يقيم بها ابنهم الغائب.

ربيع اليوم والأمس

بمرور السنوات والتطور الحاصل في يومنا هذا، يختلف "شاو الربيع" بين الأمس واليوم، ويكمن التباين في تنوع الحلويات، فهناك حلويات لا يمكن عدها ولا نعرف حتى تسميتها، إلى جانب الفواكه، على غرار التفاح والموز، وحتى العنب والأناناس التي دخلت في مراسيم الاحتفال بهذه المناسبة، كما أن الأطفال والفتيات كانوا في السابق يحملون أكياسا، والآن أصبحت تصنع لهم قفف ملونة تحمل اسم "باربي" و"فُلَة"، هذا عن ربيع اليوم، ففي ربيع الأمس، كانت العائلات تكتفي بـ"المبرجة" والبرتقال والبيض المغلى في جو من التضامن والحب بين العائلات، ويتجلى ذلك في تبادل "المبرجات"، مقتنعين بالقليل وما فيه من بركة، فيما تقوم السيدات بجلب بعض الخضر من الحقول والمعروفة باسم "البقول"، وهي الظاهرة التي انعدمت مؤخرا، كون النساء الكبيرات في السن قليلات جدا، بالتالي ليس هناك من يعمل على نقل هذا الموروث للأجيال المتعاقبة، كما أن جيل اليوم يبحث عن الموضة ومسايرة التطور التكنولوجي.

للإشارة، فإن العائلات السطايفية والبرايجية تجمعهما نفس الطقوس، للاحتفال بفصل الربيع الذي لطالما امتاز باعتدال جوه وجمالية مناظره، حيث تخرج العائلات، خاصة الأطفال الصغار، إلى الحدائق والمساحات الخضراء في أوائل شهر مارس.