الكسكسي يوحي باللمة

طبق مبارك يكفي الجميع

طبق مبارك يكفي الجميع
الكسكسي يوحي باللمة
  • القراءات: 1528
❊ رشيدة بلال ❊ رشيدة بلال

لا يختلف اثنان على أن الكسكسي بمختلف ألوانه وأذواقه، أكثر الأطباق التقليدية التي تحب العائلات أن تعدها في المناسبات السعيدة، وحتى الحزينة، ولعل السر في ذلك لا يكمن فقط في كونه الطبق المحبوب أو الأكثر شعبية، وإنما إلى توفر جملة من الميزات الأساسية فيه، التي رشحته ليكون الأول على المائدة دون منازع. وعن جملة الميزات التي يعتقد الكثيرون أنها وراء احتلاله الصدارة من دون منازع، تحدثت "المساء" إلى عدد من الطهاة، على هامش مشاركتهم مؤخرا في صالون الكسكسي.

أولى الميزات التي جعلت من طبق الكسكسي واحدا من الأطباق الأكثر طلبا في المناسبات، على حد قول الشاف غنية هناني، مختصة في الطبخ التقليدي من ولاية خنشلة، أنه "يزكى"، أو بعبارة أخرى، لا تقع ربة البيت مطلقا في إحراج إن اختارت أن تحضر الكسكسي في وليمة ما،  من احتمال أن لا يكفي الحضور، لأن الكسكسي وكما هو معروف، واحد من الأكلات التي تزداد كثافة حباته، الأمر الذي يجعل العائلات بمختلف ربوع الوطن تختاره لولائمها، ناهيك عن كونه من الأكلات الخفيفة على المعدة وسريعة الهضم وغير مكلف، إذ تختاره العائلات الميسورة والغنية دون غيره.

بينما أوضحت الشاف صليحة سوالمية من ولاية باتنة، مختصة في الطبخ التقليدي في معرض حديثها لـ«المساء"، إلى أن الكسكسي يعد واحدا من أبرز الأطباق التقليدية التي تشتهر بها الجزائر عموما، وولاية باتنة خصوصا، بالنظر إلى الأنواع المختلفة التي تجعل الولاية تختلف عن غيرها من حيث الأنواع وطريقة التحضير، وتقول مثلا، إن من بين الأنواع التي تعرف بها المنطقة؛ كسكسي "الخروب" و«البلوط"، مشيرة إلى أن السر في إقدام العائلات على اختياره في المناسبات والأفراح، وحتى عند اجتماع العائلة في المنزل خلال أيام العطلة الأسبوعية، كونه يعكس "اللمة العائلية"، ناهيك عن أنه تقليد تعودت عليه العائلات منذ القدم، بالتالي يتجه الأغلبية، حسبها، إلى اختياره كطبق عائلي جماعي، وأكثر من هذا، ما يعزز صفته في أنه يرمز إلى اللمة، أنه كان يقدم في صحن واحد لكل أفراد العائلة، يجتمعون حول ما كان يسمى قديما "المثرد" المعد من الطين ويتناولونه بملاعق خشبية.

بينما ذهبت الشاف ليلى عنان، من ولاية البليدة، في حديثها عن رمزية الكسكسي إلى أبعد من هذا، حيث وصفت طبق الكسكسي "بالطبق التضامني" الذي يعزز الروابط العائلية ويزيد من تلاحمها، قائلة إنه إن صح التعبير، وسيلة تصل بها العائلات رحمها من خلاله، وإن رغبت عائلة ما دعوة الأقارب والأحباب تحضر لهم وليمة يكون فيها الكسكسي سيدة المائدة، وفي أحيان يتم تحضير أكثر من نوع واحد.

بينما اتجه المختص في الطبخ التقليدي من ولاية تيزي وزو، صادق سي حاج محند، إلى تفسير تمسك العائلات بهذا الطبق التقليدي في المناسبات والولائم، إلى كونه تراثا يجري اليوم تناقله كغيره من الموروثات، ممثلا في الصناعة التقليدية، ويشرح "أجدادنا فيما مضى كانوا يبادرون إلى إحياء مناسباتهم السعيدة بتحضير هذا الطبق الذي  يأكل منه القريب والبعيد، المعني بالوليمة وغير المعني، من خلال التصدق منه، وهو التقليد الذي دأبت عليه العائلات وظلت الأجيال تتناقله فيما بينها جيلا عن جيل، الأمر الذي ساهم في حفظ رمزيته".

ربط آخرون سر تمسك العائلات الجزائرية بتحضير طبق الكسكسي في  مختلف المناسبات، إلى أنه "طبق مبارك" على حد قول المختصة في الطبخ التقليدي، الفلسطينية المقيمة في الجزائر نسرين مقداد، التي أشارت في معرض حديثها، إلى أن واحدا من أهم الميزات التي جعلتها تحب طبق الكسكسي، أنه من الأطباق التي يطرح فيها المولى عز وجل البركة، حيث يكفي الجميع حتى وإن استعملنا حفنة فقط، الأمر الذي جعل أغلبية العائلات تميل إلى اختياره لتمكين الجميع من الاستمتاع "ببنة" هذا الطبق الشعبي.

جمع الشاف ساسي عوينات، في حديثه عن رمزية الكسكسي بينه وبين الفرح، وحسبه "إن رغب أيا كان أن يعبر عن مدى فرحته بشخص ما أكرمه بطبق الكسكسي، ولعل هذا ما جعله حاضرا بقوة في المناسبات السعيدة، وحتى المناسبات الحزينة، إذ يعتبر هذا الطبق التقليدي المميز من أكثر الأطباق التي تميل العائلات إلى التصدق به على موتاها، بالنظر إلى العدد الكبير من المحتاجين الذين يأكلون منه.