ارتفاع غير مسبوق في حوادث المرور بالجزائر

صائفة "دموية" على الطرقات

صائفة "دموية" على الطرقات
  • 54
رشيدة بلال رشيدة بلال

❊ 95 بالمائة من الحوادث أسبابها عامل بشري

صنعت حوادث المرور خلال صيف 2025، الحدث على الصعيدين المحلي والوطني، إذ لا يكاد يمر يوم دون تسجيل ارتفاع لافت في عدد الحوادث، خاصة في الولايات الساحلية. وهو ما وصفته مصادر من مصالح الحماية المدنية والأمن بـ"الأكثر دموية"، بالنظر إلى الأرقام المسجلة. فحسب إحصائيات الحماية المدنية، تم منذ بداية موسم الاصطياف، الذي مازال متواصلا، تسجيل 13209 تدخل، خلف 16364 جريح و359 وفاة، مقارنة بصيف 2024، الذي شهد تسجيل 409 وفاة، ما يعني أن الحصيلة لا تزال مرشحة للارتفاع أكثر.

ورغم الحملات التحسيسية المتواصلة، إلا أن الواقع اليومي يكشف، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وما تعرضه مختلف المصالح عبر صفحاتها، ممثلة في الأمن والدرك والحماية المدنية، من أرقام، حجم الحوادث المتسلسلة التي باتت تودي بأرواح العشرات.

إذا كان شهر رمضان معروفًا بارتفاع وتيرة "إرهاب الطرق"، لأسباب مختلفة، مثل القلق، وقلة النوم، والعجلة، فإن فصل الصيف بدوره يشهد حركية مكثفة، بسبب تنقل العائلات نحو الولايات الساحلية ومختلف فضاءات الترفيه، مما يخلق ازدحامًا غير مسبوق على الطرقات، لاسيما خلال ساعات الليل، حيث يطيل الكثيرون السهر.

العامل البشري وراء 95٪ من الحوادث

تؤكد المكلفة بالإعلام على مستوى المندوبية الوطنية للأمن في الطرق، السيدة فاطمة خلاف، أن العامل البشري يبقى السبب الرئيسي وراء 95.92٪ من الحوادث المسجلة، خلال النصف الأول من سنة 2025.

وأوضحت أن الفئة الأكثر تورطًا في هذه الحوادث، هي فئة الشباب والمراهقين، ممن يفتقدون للوعي الكافي بقواعد المرور. وذكرت أن السلطات تعمل على تكثيف الحملات التحسيسية، بإشراك الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، من أجل ترسيخ ثقافة مرورية واعية.

أضافت أن الحملات شملت لقاءات ميدانية مع مستعملي الطريق من مختلف الفئات، وركزت على إشراك مختصين في السلامة المرورية، مؤكدة أن السلامة مسؤولية جماعية، تتطلب تطبيق القانون، إزالة النقاط السوداء، وتعزيز إشارات المرور.

وفي ردها على سؤال حول أسباب الارتفاع الكبير للحوادث صيفا، أرجعت خلاف الأمر، إلى كثافة التنقلات والسفر لمسافات طويلة والإرهاق الناتج عن الحرارة المرتفعة، لاسيما خلال الليل، حيث تؤدي هذه العوامل مجتمعة، إلى فقدان التركيز، وتجاهل تدابير السلامة، مما يساهم في تزايد الحوادث.

تحسيس وردع.. معادلة الوقاية

المديرية العامة للأمن الوطني، أطلقت حملة وطنية تحت شعار "تمهل في سياقتك... سلامتك غايتك"، استهدفت مختلف فئات المجتمع، منها السائقون، الأطفال، الشباب، والراجلون، ونُفذت في الساحات العمومية والمجمعات التجارية، بالتنسيق مع هيئات محلية.

ورغم أهمية هذه المبادرات، شددت خلاف، على أن الردع يظل وسيلة فعالة، لكنه ليس كافيًا لوحده، مشيرة إلى ضرورة التربية المرورية المستدامة لتعديل السلوك، بالإضافة إلى العقوبات القانونية الرادعة.

البليدة..  دراجات نارية في قلب الحوادث

من جانبها، أوضحت المكلفة بالإعلام لدى مصالح الحماية المدنية لولاية البليدة، الرائد مريم بوعوينة صايغ، بأن هذه الصائفة شهدت ارتفاعًا كبيرًا في عدد الحوادث، حيث سُجل 13209 تدخل وطنيا منذ بداية الموسم، ومازال متواصلا، مقابل 13104 تدخل خلال صيف سنة 2024. كما بلغ عدد الجرحى 16364 جريح و359 وفاة، مقابل 15792 جريح و409 وفاة، في السنة الماضية.

كما أشارت إلى أن الحوادث في ولاية البليدة، ترتبط بشكل خاص بالدراجات النارية، التي تُسجل بشأنها يوميًا حوادث قاتلة، غالبًا ما تكون نتيجة اصطدام بالدراجات أو السيارات أو الشاحنات. ومن بين الحوادث الأخيرة التي هزت الولاية، وفاة شابين في مقتبل العمر، لا تتجاوز أعمارهما 25 سنة.

ورغم الجهود المبذولة من طرف مصالح الحماية المدنية والدرك الوطني والأمن، فإن كثافة الحركة في الطرق المؤدية إلى الشواطئ والفضاءات الترفيهية، تبقى عاملاً إضافيًا مؤثرًا في ارتفاع عدد الحوادث، دون إغفال العامل البشري، السرعة المفرطة والتهور، خاصة من طرف الشباب.

7565 مخالفة مرورية أغلبها  للدراجات النارية

سجلت مصالح الأمن العمومي بأمن ولاية البليدة، خلال شهر جويلية المنصرم، تحرير 7565 مخالفة مرورية، من بينها 1691 مخالفة تم توجيهها لأصحاب الدراجات النارية، في إطار الجهود المتواصلة لضمان احترام قانون المرور، وردع المخالفين على مستوى الإقليم الحضري.

أكدت مصالح الأمن، أن مختلف فرقها العاملة في الميدان، تواصل عملها بوتيرة مكثفة، لتطبيق القوانين المنظمة لحركة السير، من خلال التصدي للتجاوزات والمخالفات المرورية، مع مواصلة الحملات التحسيسية الهادفة إلى توعية السائقين بضرورة احترام قانون المرور، لتفادي الحوادث وضمان سلامة الجميع.

وقد أسفرت هذه المخالفات المرورية والتجاوزات الخطيرة، عن إصابة 30 شخصًا بجروح متفاوتة الخطورة، داخل الوسط الحضري، الأمر الذي استدعى، حسب مصالح أمن البليدة، تكثيف العمل الوقائي والردعي، حيث تم تنظيم 15 عملية مراقبة ميدانية، لمحاربة السرعة المفرطة باستعمال أجهزة الرادار على مستوى النقاط السوداء ومفترقات الطرق.

وفي السياق ذاته، يواصل عناصر الأمن العمومي، المنتشرون عبر مداخل ومخارج المدينة ومختلف مفترقات الطرق، تزامنا والحركية الكبيرة التي تعرفها الولاية، بحكم أنها منطقة عبور نحو بعض الولايات الساحلية، مرافقة مستعملي المركبات، بهدف التقليل من المخالفات والتجاوزات اللامسؤولة، إلى جانب تنظيم حملات تحسيسية عبر مختلف دوائر وبلديات الولاية، تضمنت تقديم نصائح وتوصيات مرورية وأمنية لفائدة السائقين والمواطنين.

مقاربة علمية للحد من الحوادث

في بادرة مبتكرة، أبرمت جمعية الممرنين المحترفين للسياقة، اتفاقية شراكة مع جامعة الجزائر "2" ـ(أبو القاسم سعد الله)، بهدف تجسيد مشاريع مبتكرة في مجال السلامة المرورية.

تنص الاتفاقية، وفق ما كشفته السيدة نبيلة فرحات، رئيسة الجمعية، على إنشاء أول منصة رقمية ذكية جزائرية، لجمع وتحليل معطيات حوادث المرور، وتطبيق نظريات علم الاجتماع والسلامة المرورية، مع تقديم دراسات ميدانية حول سلوك الأفراد بمختلف فئاتهم من أطفال، شباب، نساء، كبار سن، وذوي الاحتياجات الخاصة.

كما تشمل الاتفاقية، تنفيذ مشاريع ميدانية علمية واجتماعية، تُعنى بتنمية الوعي المروري والفكر السلوكي الإيجابي لدى فئات المجتمع، خاصة الجيل الصاعد، وتطوير مقاربات لفهم تأثير العوامل الثقافية والاقتصادية في الحوادث، بالإضافة إلى تنظيم دورات تكوينية لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة، لتعريفهم بحقوقهم في السلامة المرورية.

ستشرف اللجنة المشتركة على تنظيم أيام دراسية، ورشات تدريبية، مؤتمرات وطنية ودولية، وملتقيات فكرية لتعزيز الوقاية المرورية، وتكوين المربين والمشرفين، وفق أحدث المعايير العالمية، كل هذا يصب في إطار مساعيهم الرامية إلى المساهمة في محاربة إرهاب الطرق، وفق رؤية مبنية على أسس علمية،  حسبما أكدته رئيسة الجمعية.