الدعوة إلى تنظيم نشاط بيع المخبوزات التقليدية

شباب يتحدون البطالة بعجن ”الكسرة”

شباب يتحدون البطالة بعجن ”الكسرة”
  • القراءات: 3287
❊   رشيدة بلال ❊ رشيدة بلال

استقطبت صناعة مختلف أنواع العجائن في السنوات الأخيرة، عددا كبيرا من الشباب الذين وجدوا فيها منفذا للهروب من شبح البطالة،  والتوقّف عن التفكير في الحرقة بحثا عن حياة أفضل، وهو ما يعكسه العدد الكبير من المحلات الصغيرة أو أشباه المحلات التي توزّعت في مختلف الأحياء، وأحيانا بمعدل محلين في حي واحد، بالنظر إلى الطلب الكبير عليها، خاصة ما تعلق منها بصناعة كسرة الطاجين، حيث يصل الطلب ذروته عند منتصف النهار.

من منا لم يقف يوما عند واحد من محلات بيع مختلف أنواع العجائن لشراء كسرة ساخنة أو مطلوع أو محاجب أو المبرجة، وغيرها من الأكلات التقليدية. الأكيد أن الأغلبية انساقت وراء رائحتها القوية،  خاصة عند حلول موعد الغداء. والمفارقة أن الإقبال في أول الأمر كان مقتصرا على الرجال، إلا أن خروج المرأة للعمل وضيق وقتها، دفعها هي الأخرى إلى التردد على تلك المحلات لاقتناء حاجتها من هذه المعجونات التقليدية، التي اختار عدد من الشباب التخصص فيها وبرعوا في استقطاب حتى المرأة الماكثة في البيت.

مهنة من لا مهنة له

وعن السر وراء إقبال الشباب على امتهان صناعة كل أنواع العجائن، أرجعه أغلب المستجوبين الذين تحدثت إليهم المساء، إلى سهولة المهنة من جهة، والهروب من شبح البطالة من جهة أخرى، وبسبب إقفال باب التوظيف في أغلب القطاعات، الأمر الذي دفع بالأغلبية إلى التفكير في مشاريع خاصة، وهو ما جاء على لسان عبد الرحمان (شاب ثلاثيني تقني سامي في الإعلام الآلي) الذي أشار في معرض حديثه، إلى أن ولوجه عالم صناعة المعجنات راجع بالدرجة الأولى إلى فشله في الظفر بعمل في مجال تخصصه، وحتى خارجه.

ولأن الحظ لم يحالفه في الحصول على تأشيرة والسفر طلبا للعمل، قرر أخيرا العمل في مجال صناعة الكسرة التي لم يجد فيها أية صعوبة تذكر من حيث التوظيف، إذ بمجرد أن عرض خدماته، لقي الترحيب من شباب مثله، فراح يتعلم أولى الخطوات للتخصص في نوع معيّن، ومن ثمة أصبح يعمل في صناعة الكسرة، ويرضى بالقليل من المال الذي يسدّ به حاجاته اليومية، إلى أن يجد عملا أفضل منه، يقول صناعة مختلف أنواع العجائن تجارة رائدة وتلقى إقبالا كبيرا عليها، كما أنها مهنة سهلة ويمكن لأي كان ممارستها، غير أنني أعتقد أنها ليست مهنة مستقبل، خاصة أن أغلب الشباب العاملين فيها غير مؤمنين اجتماعيا، الأمر الذي يجعل من سنوات عملنا فيها مضيعة للوقت، ويعلق هي مهنة من لا مهنة له”.

بدأت بالعجن واليوم أوظف الشباب

إذا كان الشاب عبد الرحمان يعتبر عمله في صناعة المعجنات عملا مؤقتا، فإن الشاب خالد.ب مختص في تحضير كل أنواع العجائن، من بلدية بوزريعة بالعاصمة، يخالفه الرأي، حيث بادر منذ أشهر فقط في فتح محل خاص بصناعة الكسرة و«المطلوع، وأشار في معرض حديثه إلى أن تفكيره في الإقبال على هذا النشاط، جاء بعد أن لاحظ حاجة سكان حيه إلى كل ما هو أكل تقليدي، ولأنه كان عاطلا عن العمل بسبب عدم حصوله على فرصة شغل في مجال تخصصه، قرر أن يؤسس لنفسه مشروعا خاصا، ولأن كل ما هو تقليدي مطلوب بكثرة، خاصة من قبل الرجال الذين لديهم زوجات عاملات، فقد حقق مشروعه الذي بدأ بـ«الكسرة و«المطلوع، وهو اليوم يحضر كل أنواع المعجنات ولديه طلبيات خاصة بببعض المناسبات”.

أحب محدثنا نشاطه كثيرا، بالنظر إلى الإقبال الكبير عليه لشراء كل أنواع المعجنات، إلى حدّ دفعه إلى التفكير في توظيف عدد من الشباب، وعلق بالقول حقيقة ليس تخصصي، غير أنني أعتبرها مهنة المستقبل لأن الأكل التقليدي مطلوب بكثرة”.

بينما أشار عبد الحميد (شاب ثلاثيني، ليسانس في الإعلام الآلي، مختص في صناعة كسرة الطاجين و«كسرة التمر أو المبرجة)، إلى أن سر توجهه إلى ممارسة هذه المهنة النسائية يعود إلى سهولتها، موضحا أنها من المهن التي لا تحتاج إلى أية شهادة، يكفي فقط أن يطّلع الممتهن لها، على كيفية تحضيرها فقط.

وبحكم أن وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، عالم مفتوح على كل مجالات التعلّم، ويقول من مختلف ما يعرض، طريقة صناعة الكسرة، وقررت ولوج هذا العالم بعد أن تعبت من البحث عن عمل في مجال تخصصي، وبعد أن مارستها لما يزيد عن السنة، أحببتها، خاصة عندما أقف على إقبال النساء عليها بكثرة، الأمر الذي يجعلني أتيقن بأنها مهنة مطلوبة بكثرة، رغم أن العائد منها قليل، لكن يظل أحسن من البطالة أو المغامرة والموت في عرض البحر”.

تسابق للحصول على كسرة ساخنة

احتكت المساء لدى تواجدها في واحد من محلات بيع الخبز التقليدي، كما أصبح يسميها أصحابها، بعدد من الزبائن من الجنسين، ولعل أولى الملاحظات التي وقفنا عندها، أن الحصول على ما ترغب في أكله يحتاج إلى الوقوف في طابور، بالنظر إلى التوافد الكبير على هذه المحلات، خاصة عند موعد الغداء، وبدرجة كبيرة من الموظفين الذين تجذبهم رائحة الأكل التقليدية.

في دردشة المساء مع بعض الزبائن، أشاروا في معرض حديثهم إلى أنّ إقبالهم على مثل هذه الأكلات التقليدية راجع إلى الهروب من كل المأكولات التي تعدها محلات بيع الأكل السريع، التي أصبحت تشكّل تهديدا حقيقيا للصحة، بسبب ارتفاع نسبة السكري والملح والدهون فيها، وعلى حد قول أحد المستجوبين، فإن الاكتفاء بـ«كسرة الطاجين الساخنة وبعض الجبن أو حبات الزيتون تقيه شر الأمراض، بينما علق مواطن آخر بالقول، إن لهفته على كل ما هو تقليدي، راجع إلى أنه زوجته عاملة ولا تملك الوقت الكافي لتحضير مثل هذه العجائن، إلا في عطلة نهاية الأسبوع، الأمر الذي جعله يجد ضالته في مثل هذه المحلات ويعلق أصبحت أتغدى دائما على كسرة ساخنة صباحا، وفي أغلب الأحيان، آخذ منها حاجتي عند العودة إلى المنزل، لأنها تظل أفضل بكثير من الخبز”.

بينما علقت مواطنة كانت تقف هي الأخرى في الطابور بالقول، إن انشغالها بتربية أبنائها ومرافقتهم الدائمة إلى المدرسة، جعلها لا تملك الوقت الكافي لتحضير مثل هذه المعجنات، الأمر الذي يدفعها إلى شرائها، وتوضح أخيرا أصبح هناك من ينوب عنا في تحضير مثل هذه المعجنات، وحصلنا على نوع من الراحة”. في حين أوضحت مواطنة أخرى موظفة بمؤسسة خاصة، أنها تشعر في بعض الأحيان، بالحرج عند شرائها مثل هذه المعجنات من رجال تخصصوا في صناعتها، وتؤكد أنها تحرص كثيرا على تحضير كل أنواع المعجنات في منزلها إرضاء لأفراد أسرتها، لكنها تقف عاجزة في بعض الأحيان، بسبب ضيق الوقت وكثرة الأعمال، الأمر الذي يضطرها إلى شرائها حتى تكون متوفرة في المنزل، خاصة أن زوجها يحبها كثيرا.

في حين اعتبرت مواطنة أخرى تخصص الرجال في صناعة كل أنواع المعجنات مكسبا هاما للنساء، لأنه في رأيها رفع عنهن عناء تحضيرها ويكتفين بشرائها جاهزة”.

تنظيم نشاط بيع الأكل التقليدي

أرجع حاج الطاهر بولنوار، رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، الإقبال الكبير من الشباب خاصة، على بيع الخبز التقليدي، إلى سهولته من جهة، إذ يمكن لأي كان ممارسة هذا النشاط، والتسيب في ممارسة الأنشطة التجارية التي أصبحت مفتوحة بشكل كبير على كل ما يتعلق بالأكل، وقال في تصريحه لـ«المساء، إن الطلب الكبير على مثل هذه الأنشطة راجع إلى صعوبة ممارسة النشاط التجاري، بالنظر إلى غلاء تكاليف الكراء والضرائب، الأمر الذي يدفع بالبعض إلى فتح أشباه محلات والتخصص في بيع كسرة الطاجين أو المطلوع أو المحاجب”. مشيرا إلى أن ما شجع على انتشار مثل هذه الأنشطة، سرعة نفاذ الخبز من المخابز، مما جعل البعض يسدّ حاجته بمثل هذه الأكلات التقليدية، ومن ثمة التعود عليها من جهة، إلى جانب انتشار موجة العودة إلى كل ما هو تقليدي وصحي خوفا من الأمراض.

من جهة أخرى، دعا محدثنا بالنظر إلى تزايد عدد الممارسين للأنشطة التقليدية، خاصة ما تعلق منها بالأكل، إلى ضرورة تنظيمها من طرف السلطات المحلية، لاسيما أن الشبان وجدوا فيها ملاذا للتخلص من البطالة، هذا الجانب الإيجابي ـ يقول ـ الذي ينبغي دعمه وتنظيمه”.