فن الشـارع في الجزائـر العـاصمة
شباب يبدع في الهواء الطلق

- 92

بعيدا عن القاعات المغلقة، والمتاحف وصالات العرض، يتفنن كثير من الشباب بعروضهم في شوارع العاصمة، مبرزين مهاراتهم في مختلف الفنون والطبوع الغنائية والرسم والنحت، وحتى عروض الخفة، والحركات البهلوانية، يستميلون بذلك المارة ومحبي تلك العروض، كل من جهته يحاول الإبداع على طريقته في تلك الفنون ويطلق العنان لروحه المحبة لذلك الفن، بحثا من جهة عن تقدير لموهبته، أو توجيه أو تأطير أو حتى كنوع من كسب لقمة العيش بدل مد اليد او طلب مساعدة من الغير.
في جولة استطلاعية قادت "المساء" إلى شوارع العاصمة وبالتحديد إلى شارع ديدوش مراد، على طول الطريق مرورا بشارع اودان، اصطف عدد من هؤلاء الشباب، الذين أعطوا وجها جديدا للعاصمة بطابعهم الفني، تميز كل واحد منهم بفن وطبع معين من الإبداعات، تارة مغني، وتارة عازف موسيقي، وتارة رسام، أو حتى لاعب خفة ولاعب ورق، حيث تحولت تلك الساحات العمومية خاصة بعد أزمة كورونا، إلى متاحف في الهواء الطلق، ومنصات حرة للتعبير عن شغف فني يعيشه البعض، وكسر بذلك الكثير منهم، نظرات الحيرة الاجتماعية، والتي توحي بالاختلاف والغرابة عن طبع المجتمع عاداته وتقاليده، خصوصا وأنها من النزعات الفنية الجديدة وسط المجتمع الجزائري.
وعلى عكس قاعات العرض أو صالات الفن التي قد تكون مقيدة أو مكلفة، يستمتع هؤلاء الشباب بمساحة لا ضيق فيها، لهم حرية مطلقة في الإبداع، خصوصا بعد ترخيص بلدية العاصمة لهؤلاء كقرار جاء بعد فترة من اعتقال الملقب بمحمد فيتا، الذي اعتقل في شوارع العاصمة بسبب العزف والغناء دون ترخيص، في إطار ضبط النظام العام في العاصمة، لتتحول العاصمة بعد فترة، إلى ورشة إبداع لا حدود لها في استقطاب هواة الفنون بمختلف طبوعها. في هذا الصدد، أبدى عدد من الفنانين الذين التقتهم "المساء" خلال جولتها، أن فن الشارع فرصة لإثراء الوجه الثقافي للعاصمة، كما أنه يعمل على تعزيز السياحة ثقافية، وإبراز الوجه الشبابي للعاصمة.
أوضح صالح، عشريني عازف للغيتار بمحاذاة الجامعة المركزية، أن عزفه في الشارع، ليس من أجل كسب المال، وإنما لمحاولة صقل موهبته من خلال كسر أحد أكبر مخاوفه وهو الرهاب الاجتماعي، مشيرا إلى أنه يقوم بعمله من حين لآخر، عند فراغه أو خلال الأيام التي لا يدرس فيها، وباعتباره طالبا جامعيا، يحاول التوفيق بين هذا وذاك إلى حين تخرجه من كلية الاداب، وتوجهه وربما نحو معهد الموسيقى للتخصص في الموسيقى.
أما نذير ثلاثيني، رسام يحاكي روبوتات وأوجه بعض المشاهير ويقدم خدمة رسم أوجه المارة مقابل ألف دينار لصورة بسيطة، فبدوره قال هذا كل ما أبدع فيه وشغفي الكبير هو الرسم، متخرج من أحد مراكز الفنون والثقافة التابعة للوزارة الوصية، أوضح أنه يحاول دائما التخصص في المجال، إلا أن المجتمع لا يزال يعاني ضعف تلك الثقافة بالدرجة التي تسمح للفنان بالعيش عيش كريم، إذ يبقى الفن آخر اهتمامه ولا يقبل مثلا في اقتناء لوحة فنية مقابل الكثير، ليبقى هذا الفن حبيس ذلك الفكر، موضحا أن الشارع يسمح من جهة بطرح تلك الطاقة الفنية دون اهدار الجهد في البحث عن قاعة العرض او دفع الكثير مقابل ذلك.
أما نبيل بشارع العر بي بن مهيدي، فكان غناؤه رفقة صديقه، مجرد هواية حيث قال ان اليوم مواقع التواصل الاجتماعي هي احدى الدوافع التي تحفز سلوكيات الشباب، وربما ذلك ما دفعني نحو الغناء في الشارع، على حد قوله، مشيرا الى ان تلك التظاهرات التي تقام اليوم وتعطي الحرية للشباب في التعبير عن ميولهم الفنية امام الملاء امر بالغ الاهمية ربما لفنان صاعد، يمكن من خلال ذلك على الاقل تقييم قبول المجتمع له، وتقييم مستواه واعطائه والبحث عن نقاط قوة وضعف من خلال ردود فعل المجتمع لأدائه.