لمذاقه الفريد ونكهته المميزة

شاي تيميمون يغزو أحياء العاصمة

شاي تيميمون يغزو أحياء العاصمة
  • القراءات: 1905
ق.م ق.م

غزا باعة الشاي الصحراوي المعروف بشاي تيميمون، كل أحياء العاصمة الشعبية منها والراقية وفضاءات التسلية والترفيه، حيث نقل باعته عادة سكان الجنوب في شرب الشاي إلى العاصمة ومختلف مدن الشمال، فإلى جانب الباعة المتجولين عبر الطرقات والأسواق وهم يحملون أباريق الشاي على موقد من الجمر، تجد في كل حي من العاصمة فضاءات مخصصة لبيعه، بل حتى في المقاهي هناك زوايا مخصصة لبيع هذا المشرب مع المكسرات والحلويات الشرقية.

ويمتهن هذه الحرفة شباب قدموا من مختلف ولايات الجنوب، تراهم يفتحون محلات متخصصة أو يتجولون ويحملون أباريق نحاسية كبيرة ينادون بأعلى صوتهم «شاي تيممون»؛ نسبة إلى مدينة تيميمون، أو «شاي صحرواي» و»شاي الطوارق» وغيرها من العبارات التي تجذب الزبائن وتدفعهم إلى ارتشاف كأس من الشاي الذي بات منافسا حقيقيا للقهوة بسعر يتراوح بين 25 و30 دينارا، حسب حجم الكوب.

تغيير عادة مئات العاصميّين.. من تناول القهوة إلى الشاي صباحا

من أشهر وأقدم باعة الشاي المتجولين بقلب العاصمة عبد الرحمن بكلاني صاحب 46 سنة، احترف هذا النشاط منذ سنة 2005. وحسبه فإن زبائنه خلال أيام السنة من فئة التجار وعمال الإدارات العمومية ووسائل النقل، والذين يمر عليهم يوميا من حي باب الوادى إلى غاية شارع حسيبة بن بوعلي بالجزائر الوسطى؛ حيث يشرع عادة في تحضير الشاي على الساعة الرابعة صباحا حيث يقيم بوادي قريش، ويعده على الجمر مع مزيج من النعناع الأخضر واليابس، يأتي به خصيصا من تيميمون. 

وبعد الانتهاء من تحضيره وملء إبريقين من سعة 10 لتر للواحد يشرع في عمله سيرا على الأقدام، مرتديا مئزره الأبيض، وتكون الانطلاقة مع تجار سوق الساعات الثلاث بباب الوادي مرورا بحي العقيد لطفي، ثم ساحة الشهداء،  على أن يعود لملء الإبريقين ويواصل رحلته مع تجار سوق بوزرينة وساحة الأمير عبد القادر، وفي كل نقطة يقف عندها يجد زبائنه في انتظاره. ويقول المتحدث إنه ساهم في تغيير عادة مئات العاصميين بتناولهم الشاي بدل القهوة صباحا.

   وفي شهر رمضان الكريم يغيّر عبد الرحمن «مواقيت العمل»؛ إذ يشرع في بيع الشاي دقائق قبل الإفطار؛ نزولا عند رغبة بعض الزبائن. وبعد الإفطار يواصل عمله الذي يدرّ عليه دخلا يوميا يقارب 2000 دينار وهو يجوب الطرقات ويمر على المحلات سيرا على الأقدام.

ويتجلى ارتفاع الطلب على الشاي الصحراوي بالعاصمة في الانتشار الكبير للخيم الصحراوية في معظم أحياء العاصمة، والتي تم نصبها في فضاءات عمومية، على غرار بهو قصر المعارض ومنتزه الصابلات وحتي داخل بعض المراكز التجارية. وتوفر هذه الخيمات لمرتاديها أنواعا عدة من الشاي؛ حيث كشف عبد السلام وهو صاحب خيمة بالبريد المركزي، أنه يسوّق أكثر من 10 أنواع من الشاي بما في ذلك بعض أنواع «الشاي الطبي» كذلك المخصص للقولون العصبي، وآخر لالتهابات المعدة أو الشاي الذي يُتناول قبل الأكل، وثالث بعده، والشاي الصباحي والشاي المسائي... وهي كلها حيل لزيادة المبيعات.

ومن الأنواع الجديدة للشاي الذي عرف رواجا هذه الأيام في أوساط المقبلين على الامتحانات ـ حسب نفس البائع ـ الشاي المساعد على تنشيط الذاكرة، ومصدره، كما قال، صيني لكنه يحضَّر بنفس طريقة تحضير الشاي الصحراوي، وهي الطريقة التي تبقى، حسب جميع الباعة، «سرا من أسرار المهنة».

خيمات الشاي تتحول إلى مطابخ للأكلات الصحراوية 

   ويقدَّم الشاي في هذه الخيمات مع عدة أنواع من المكسرات والحلويات، تقصدها العائلات لتناول الشاي وأخذ قسط من الراحة والاستمتاع بالأغاني الصحراوية... وأخذ صور تذكارية في جو صحراوي مكتمل؛ حيث استقدمت حتى الجمال من طرف أصحاب هذه  الخيم.

ويرتفع سعر الشاي في الخيمة نوعا ما مقارنة بسعره عند الباعة المتجولين؛ حيث يبدأ من 50 دينارا ويصل إلى 150 دينارا، حسب نوعه ومكوناته. كما يرتفع النوع الذي يضاف إليه عسل الملكة إلى 200 دينار للكأس، حسبما صرح به صاحب خيمة من مدينة المنيعة بفضاء الصابلات.

ولم تعد بعض الخيم مختصة في الشاي فقط، بل تعدته إلى إعداد وبيع العديد من الأطباق الصحراوية كالكسكسي لامنيعي والبشاري والمحاجب والدوبارة البسكرية والزفيطي الذي تشتهر به ولاية المسيلة، ويتراوح سعر هذه الأطباق من 500 إلى 1000 دج.

وأصبح المواطنون يميلون إلى الذهاب إلى مثل هذه الخيم التي انتشرت بالأحياء الراقية للعاصمة، على غرار حيدرة وبئر مراد رايس بدل المقاهي، للعديد من الأسباب منها الرغبة في تغيير الجو والغوص في أعماق الصحراء، في حين يفضّل  آخرون تناول الشاي الصحراوي عند أبناء الجنوب للذته وعجزهم عن إعداده بنفس المذاق في منازلهم، ومنهم من يأخذ كمية منه إلى البيت لباقي أفراد العائلة.

وأمام انتشار الشاي الصحراوي وتراجع الطلب على القهوة لجأ العديد من أصحاب المقاهي بالعاصمة، إلى تخصيص زاوية بالمقهى لبيع هذا المشروب، وعادة ما يتم كراء هذه الزوايا بأسعار باهظة تصل إلى 30 ألف دينار شهريا، حسبما صرح به محمد القادم من ولاية أدرار، الذي استأجر فضاء لا يتجاوز 5 أمتار متر مربع من مقهى شهير بحي باب الوادي.

ومن مظاهر شغف أصحاب المقاهي واهتمامهم بهذا النوع الجديد من النشاط، وجود عدة إعلانات بالمقاهي يبحث أصحابها عن محترفين في صناعة الشاي من الجنوب؛ تحسبا  لمزاولة هذا النشاط. وأصبحت إعلانات البحث عن محترفي إعداد الشاي تغزو هي الأخرى المواقع الإلكترونية المختصة في التوظيف وعلى صفحات الجرائد أيضا.

لم يعد الشاي الصحراوي منافسا للقهوة ومقاهي العاصمة فقط، بل أصبح كذلك منافسا للمشروبات التي توزع في الأعراس. واحترف العديد من شباب الجنوب مهنة صناعة الشاي بالأعراس والمناسبات، على غرار بشير 27 سنة، وهو طالب بجامعة الجزائر من تيميمون، تخصص في بيع الشاي لكن في الأعراس والمناسبات فقط. وتختلف طريقة عمل بشير في تحضير الشاي وتوزيعه بالأعراس والأفراح حسبما يطلبه صاحب الفرح. وتتراوح تكلفة ذلك من 3 آلاف إلى 5 آلاف دينار للعرس؛ إذ تم الاكتفاء بالتحضير والتوزيع، وتصل إلى 30 ألف دينار إذا طلب صاحب الفرح إحضار ديكور صحراوي مخصص في خيمة وبعض الأواني الصحراوية. وعن رواج هذه المهنة أبرز بشير أنها تدرّ «أموالا معتبرة» في فصل الصيف؛ حيث تكثر الأعراس والمناسبات والاصطياف بالشواطئ. ويوجد بالمنطقة الغربية للعاصمة، حسب نفس المتحدث، أكثر من 30 شابا من منطقة الجنوب يمتهنون هذه الحرفة في الأعراس والمناسبات.