شارع بورسعيد يسترجع عبق التجارة القديمة

شارع بورسعيد يسترجع عبق التجارة القديمة
  • القراءات: 737
 نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة
لا يزال شارع بورسعيد العتيق يحتضن بين أزقته الضيقة العديد من المحلات التي كانت ولا تزال وفية لأنشطتها القديمة في بيع السلع بالجملة، وليس نوع النشاط هو الذي تمت المحافظة عليه فقط، وإنما هناك تلك العادات التي ميزتها في مزاولة عملها منذ أولى ساعات النهار. انتقلت «المساء» في جولة ميدانية للاحتكاك بالمتجولين في ذلك الشارع الذي يمتد على طول يصعب رؤية أفق الطرف الآخر من الحي، بسبب الحشد الكبير من التجار الذين يحملون أكياسا كبيرة من بضاعتهم ويتنقلون بين محل وآخر للبحث عن ضالتهم.
يتميز المحل الأول الذي قصدناه بالفوضى العارمة، عارضا سلعته داخل علب كرتونية واحدة فوق الأخرى، إلا أنه كان يبدو على دراية تامة بنظامه فلم يتردد ثانية في سحب سلعة معينة من مكانها عند طلب الزبون، كان المحل يختص في بيع النظارات بمختلف أنواعها، الشمسية والطبية، أوضح لنا خلال حديثه أن تلك البضاعة يقتنيها الباعة لإعادة بيعها بأسعار يكون فيها هامشهم في الربح يختلف من منطقة إلى أخرى، وأوضح بأن أسعار بضاعة تلك المحلات التي تمتد على طول الشارع هي أسعار الجملة وتتميز بالرخاء مقارنة بأسعار المحلات الأخرى، باعتبارها تستمد بضاعتها من هنا..
وفور ذكر اسم الجزائر العاصمة، يتبادر إلى ذهن السامع عدد من الأحياء القديمة، مثل القصبة بباب الوادي، ساحة الشهداء، باب جديد، بورسعيد، علي بومنجل وغيرها من الشوارع التي لا تزال تحافظ على طابعها التقليدي الأصيل، حتى أن أفكار بعض قاطنيها لا تزال تنعكس منها روح الغيرة على التاريخ القديم والعادات التي ميزت الأجداد والأسلاف، شاعت شهرة هذه المناطق بفعل ارتباطها المتين بالعادات العاصمية من دون إغفال أصالة المحلات التي لا تزال متمسكة ببيع القطع الفنية والتقليدية أو الأدوات التي تستخدم في الصناعة الحرفية الجزائرية، فضلا عن تواجد بعض المطاعم والمقاهي الصغيرة التي تميزها حسن الضيافة.
وتبقى هذه السوق الشعبية تحتضن العديد من التجار، البعض اختص في بيع مستلزمات الخياطة والحياكة التقليدية، فضلا عن بعض أكسسوارات الزينة والساعات اليدوية، إلى جانب العديد من المحلات المختصة في بيع الملابس الرجالية، وكانت لنا طلة استثنائية على محل باتت صيحات الموضة الحديثة العملية تغزوه، وهو محل مختص في بيع أربطة العنق بأنواعها وموديلاتها المختلفة، اقتربنا من صابر رفقة عمه وأبيه، متقاسمين المهام داخل ذلك المحل العائلي بين أمين صندوق الصرف وبائع ومنظم للسلع، وأوضح لنا صابر أن عائلته تلازم هذه الحرفة منذ عقود من الزمن، ورغم عزوف رجال اليوم على هذا النوع من الألبسة والإقبال عليها فقط خلال الولائم، فإن عائلة صابر لم تتجرأ على التخلي عن هذه المهنة، لما لها من رمزية حضرية كبيرة في نفوس أفراد العائلة، ومن جهته قال عمه: «أن تجارة ربطات العنق كانت مباشرة بعد الاستقلال تستقطب العديد من الرجال من مختلف الفئات العمرية، وكانت تلبس أيضا خلال الأيام العملية، وكان الرجال يجدون متعة في تغيير لونها وتصاميم أشكالها، إلا أنه في الآونة، أصبح اللون الموحد هو الرائج، خاصة الأسود والرمادي، إذ باتت الألوان الأخرى ذات الألوان الساطعة لا تستقطب إلا فئة جد ضعيفة.
وعن السوق، قال لنا صابر أن هناك أماكن في العاصمة لا يعرفها السياح مع أن المتعة التي تقدمها قد توازي ما تقدمه المعالم السياحية والأثرية الشهيرة، وهذه الأماكن لا يعرف عنها ولا يرتادها سوى السكان المحليون أو التاجر الذي يبحث عن سلعة معينة الذي يملك خبرة أين يجدها.
وتكمن ميزة هذا الشارع في أن سكانه لا يزالون يحافظون على عاداتهم القديمة، فهو حي تقبّل جدرانه شوارع القصبة العريقة التي لا تزال تشهد الطابع المحافظ، مما يجعل عابرها يقع أسير جاذبيتها، يستنشق منها انتعاش أصالة الأحياء القديمة.
ومن خصوصيته أيضا، توفر عدد معقول من المراقد البسيطة في طابقها السفلي تلك المقاهي ذات الإضاءة الخافتة ومنضدة الدكان الطويلة، الطابع التي كانت عليه منذ القدم، وهي معلم أصيل نسبة لروادها من المجاهدين، الفنانين والمثقفين، جذبت إلى وقت قريب النخبة المشهورة في تلك المنطقة، وتتميز تلك المقاهي بصور الفنانين القدامى، وبعض الآلات الموسيقية القديمة المعلقة على الجدران.