أعلام وشجعان من منطقة غليزان

سيدي امحمد بن عودة قلعة العلم والجهاد

سيدي امحمد بن عودة قلعة العلم والجهاد
المؤرخ غرتيل محمد
  • 159
 أحلام محي الدين أحلام محي الدين

اختار المؤرخ والأستاذ محمد غرتيل، الحديث عن أعلام ومجاهدي غليزان الأشاوس، حيث أكد في تصريح لـ«المساء"، أن بلدية سيدي امحمد بن عودة بولاية غليزان، والتابعة لدائرة المطمر، وتتربع على مساحة 288 كلم مربع، وتعرف بتراثها الثقافي والتاريخي الأصيل، كانت منطلقا لجيوش من الطلبة لتحرير وهران من الاحتلال الإسباني، واقترن اسمها بالولي الصالح، أحد أشهر وأجل صلحاء ورجال العلم في الجزائر، خلال العهد العثماني، الشاعر والمجاهد والعالم الفقيه والمدرس، مؤسس زاوية سيدي امحمد بن عودة بغليزان، كما انجبت المنطقة عقولا وأعلاما وقفوا كالشوكة في حلق الاستعمار، على غرار الشيخ العلامة جلول بوناب والشهيد بن عدة بن عودة المدعو "سي زغلول"، الذي أرهق المستدمر. 

"طواع السبوعة" يدك الجيوش الصليبية

ولد مؤسس زاوية سيدي امحمد بن عودة بغليزان، عام 972 هجري، بمنطقة دار بن عبد الله إبن سيدي يحي الصغير، درس بزاوية سيدي امحمد بن علي المجاجي، وهناك لقب ببن عودة، نسبة لـ«لالة عودة بنت الشيخ سيدي امحمد بن علي المجاجي"، التي كفلته شخصيا. أسس الشيخ خيمتين (خيمة لطلبة العلم وخيمة لإطعام عابر السبيل)، لم يتوان الشيخ في إعلان الجهاد على الإسبان الصليبيين، فانتقل بجيش من طلبته إلى وهران، لمقارعتهم بكل شجاعة، ولازال الثغر الذي رابط به الشيخ موجود شرق مدينة وهران، مقابل البحر، إكراما له ولفضله في تحرير وهران، بنى له الباي محمد الكبير زاويته الموجود حاليا في بلدية سيدي امحمد بن عودة. توفي الشيخ الزاهد سلطان غليزان سنة 1034 هجري، ومن الألقاب التي أطلقت عليه؛ "طواع السبوعة"، "عواد"، "عدة"، "مول البحر".

خلال المقاومات الشعبية، انتقم الجنود الفرنسيون من قبيلة فلينة، بعد ثورة 1864م، التي قادها سيدي لزرق بلحاج، حيث قام الجيش الفرنسي بارتكاب جريمة في حق أهل المنطقة، تعرف بمحارق وادي خلوق، حاصر فيها الفارين وأثخن فيهم، في إطار ما يعرف بـ"سياسة الأرض المحروقة".

العلامة جمال بوناب سخر حياته وماله لتحرير العقول

قال الأستاذ محمد غرتيل: "من الشخصيات البارزة التي أنجبتها المنطقة أيضا، الشيخ العلامة جلول بوناب، وهو رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بغليزان، سخر ماله وعلمه خدمة لتحرير العقول ومحاربة الجهل والأمية، درس على يد العالم الجليل الشيخ عبد القادر المهاجي"، ولد الشيخ جلول بوناب سنة 1888، بيازرو في منطقة سيدي امحمد بن عودة بغليزان، حمل لواء الإصلاح والتعليم منذ عام 1928، مارس تجارة الحلي وجعل من دكانه مركزا للتعليم العربي الحر، كان رفيقا للعلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، رحمة الله عليه، الذي زاره بغليزان ثلاث مرات، وكان بيته قبلة للعديد من العلماء، أبرزهم الشيخ البشير الإبراهيمي، مبارك الميلي، العربي التبسي. تعرض نشاطه للتضييق وظل مراقبا من طرف السلطات الفرنسية، للحد من أعماله الإصلاحية والتربوية، توفي الشيخ عام 1958 ودفن بمقبرة غليزان.

الهجوم على ثكنة سيدي امحمد بن عودة 

تطرق المؤرخ أيضا، إلى بطولات أهل المنطقة، في إشارة إلى الهجوم الذي نظمه مجاهدو الثورة التحريرية على ثكنة للجيش الفرنسي، بمنطقة سيدي امحمد بن عودة، حيث اجتمع، وفق المؤرخ، الشهيد قرميط ناصر (سي عبد المومن) مع جنوده بدوار العناترة، للتخطيط للهجوم على الثكنة العسكرية بسيدي امحمد بن عودة، بعدما أمرهم قبل ذلك، بتوزيع كميات من الحبوب الموجودة بالمطامير الخاصة بجيش التحرير، على سكان الدوار الفقراء، كما طلب منهم منح بعض النقود للذين لهم عدد كبير من الأطفال.

بعد وضع اللمسات الأخيرة، اتفقوا على أن يكون الهجوم في يوم 10 فيفري 1957 م، بعد صلاة المغرب، نزل جنود الفصيلة بأكملهم إلى سيدي امحمد بن عودة، من بينهم: عبو عبد القادر المدعو (بيانجي)، حجبة محمد (أبلوراج)، مطاوي امحمد (تشيكو)، عمراني بن عودة (امسيح)، الصغير عدة (أحد أفراد فرقة شبيبة نور البلاد)، بوشناق عابد، احبوشة محمد (ولد السعيد)، بن اعمر الورسوسي، بلحسن بوعبد الله الحلاق (أحد أفراد فرقة شبيبة نور البلاد)، مضمون غنام (سي عبد الرزاق)".. وغيرهم.

اقتحم جنود جيش التحرير القرية بأمر من قائدهم سي عبد المومن، بالتكبير(الله أكبر) وإطلاق نار كثيف، ورمي القنابل اليدوية، مما تسبب في هلع كبير وسط جنود الاحتلال الفرنسي، وارتباك نتيجة الهجوم المباغت، ليستغرق ذلك الاقتحام حوالي عشر دقائق، بعدها انسحب أفراد كتيبة سي عبد المومن بهدوء وسط جنح الظلام، إلى أن وصلوا إلى دوار أولاد زيد، بقيت الفصيلة هناك الليلة كلها، ومع الصباح الباكر، وصلت الإمدادات العسكرية الفرنسية من مدينة غليزان، مباشرة إلى الدوار، أين رصد المسبلون تحركها، لتنسحب الفصيلة بسرعة نحو غابة سيدي لزرق، لتلحق بهم الطائرات الكشافة، حيث كشفت مجموعة منهم، فبدأت بإمطارهم بالقنابل، فأصيب الصغير عدة بجروح خطيرة على مستوى البطن، ليسقط شهيدا في ميدان الشرف.

أما باقي الفصيلة، فقد اشتبكت مع القوات الفرنسية التي كانت تلاحقهم داخل الغابة، فاستنجد العدو بالمدافع وطائرة "b26"، التي جعلت الغابة نارا ملتهبة، استمر الاشتباك حوالي ربع ساعة، ليستشهد كل من اعمر الورسوسي وعمراني بن عودة، وألقي القبض على حجبة محمد وبوراس الحاج، أين تم تعذيبهما بقسوة، ثم قاموا بإعدامهما في نفس المكان.

"سي زغول" أسد غليزان

أنجبت بلدية سيدي أمحمد بن عودة، أيضا، أبطالا برزوا خلال الثورة التحريرية، من بينهم "أسد غليزان". الشهيد بن عدة بن عودة المدعو "سي زغلول"، واسمه الحقيقي بن عدة بن عودة، أمه بلهادف فاطمة، ووالده يدعى بن عدة أمحمد، ولد في الأول من شهر فيفري من سنة 1927، بدوار العناترة، الواقع ببلدية سيدي امحمد بن عودة في ولاية غليزان. 

نشأ يتيم الاْب منذ طفولته، وأذاقته قسوة الحياة مرها، فقد أصيبت أمه بمرض السل عند ولادته، فأرضعته عمته حتى انتقل رفقة والدته المريضة إلى مدينة وهران، وهو في الثالثة من عمره، وفي عام 1932 م، توفيت أمه، فكفله خاله السيد بن يسعد مصطفى، وهو من رجال الثورة، فقد كان مناضلا معروفا في الحركة الوطنية، ومن أوائل المجاهدين الذين لبوا نداء الوطن والواجب.

كان سي زغلول، يتابع الدروس القرآنية في الكتاب التابع لزاوية بن عودة ولد المولاي بحي الحمري، وعندما اشتد عوده أخذ يعتمد على نفسه في كسب قوته، حيث كان يعمل عند أحد التجار .في عام 1942، عاد الى مسقط رأسه، إلا أنه لم يلبث هناك طويلا وسرعان ما اتجه مجددا نحو مدينة وهران، منذ حلول سنة 1945، أصبح يتردد على مدرسة للتربية والتعليم مع مجموعة من مناضلي الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري وجمعية العلماء المسلمين. في أواخر سنة 1948م، انضم إلى الجيش الفرنسي بوحدة المدفعية الخفيفة، وفي سنة 1949، حول إلى الهند الصينية، على متن الباخرة "كاليا"، ليشارك في الحرب هناك، وفي عام 1955 عاد إلى أرض وطنه الجزائر، وبعد أن قضى بين أهله وأصحابه عطلته التي دامت ثلاثة أشهر، والتي تعلم خلالها الكثير عن الثورة الجزائرية، عاد إلى الثكنة، ثم حول إلى مدينة الأربعاء، ليلتحق بعدها بناحية تلمسان.

التحاق "أسد غليزان" بجيش التحرير

في 12 مارس 1956م وبناحية تلمسان، فر رفقة مجموعة من الرفقاء من أحد مراكز الصبابنة، المتواجدة بضواحي مغنية، ليلتحق بجيش التحرير الوطني . في يوم 22 مارس 1956، عين سي زغلول برتبة ملازم، قائدا للعمليات العسكرية من ندرومة إلى وهران، عن الناحيتين الثانية والثالثة، في 14جوان 1956، استلم مهامه للتقدم نحو منطقة مداغ على رأس ثلاث كتائب.

شارك في عدة معارك ضد قوات المحتل الفرنسي، كمعركة ‘’سيدي غالم’’ الشهيرة ببلدية طفراوي بولاية وهران، وقد رقي بعد مؤتمر الصومام إلى رتبة ملازم أول، وعين قائدا عسكريا بالمنطقة الرابعة للولاية الخامسة التاريخية، قبل أن تلقي قوات الاستعمار القبض عليه سنة 1959، بضواحي عين تموشنت، إثر إصابته بجروح خطيرة خلال اشتباك مع الجيش الفرنسي، وقد تعرض إلى شتى أنواع التعذيب قبل أن يحكم عليه بالإعدام يوم 3 ماي 1960، من طرف المحكمة العسكرية الاستعمارية بوهران، غير أنه استطاع الفرار من السجن في السنة الموالية، وعين رائدا بجيش التحرير الوطني في نفس الولاية التاريخية.

خاض العديد من العمليات العسكرية البطولية، بعد فراره من السجن بمناطق مختلفة من الوطن، ليسقط في ميدان الشرف يوم 14 مارس 1962 بمزرعة ‘’أولاد بن رخرخ’’، التابعة حاليا لجديوية بغليزان، إثر كمين نصبه له جيش المستعمر الفرنسي.

الشهيد شقال النعيمي بطل معركة المناور الكبرى

برزت منطقة سيدي امحمد بن عودة تاريخيا أيضا، من خلال احتضان أهلها للشهيد الرائد شقال النعيمي (سي رضوان)، بطل معركة المناور الكبرى في 05 سبتمبر 1957، بعد إصابته في هذه المعركة بجروح خطيرة، نتيجة قصف قنابل النبالم الحارقة، تم نقله من جبل مناور إلى منطقة سيدي امحمد بن عودة بالضبط إلى عرش العناترة، لعلاجه، لكن للأسف الشديد، تم اكتشاف مكانه من طرف العدو وألقي عليه القبض، كما كانت دواوير المنطقة قبلة للعديد من قادة الثورة، أمثال النقيب سي بوسيف والشهيد سي عبد المومن وغيرهم.

أهم المعالم الموجودة على تراب بلدية سيدي امحمد بن عودة، إلى جانب الزاوية الشهيرة، هناك مقبرة الشهداء التي تحمل جثمان 59 شهيدا، وأيضا المعهد الوطني لتكوين الأئمة، الذي يتخرج منه سنويا عشرات الأئمة، كما توجد مغارة خلوة سيدي امحمد بن عودة (المعروفة بالعبادة)، وأيضا جبل حجر الباز، الذي يوجد عند مدخل البلدية، وسد السعادة الذي دشنه الرئيس الراحل هواري بومدين.