مسيرة رجل وهب حياته لخدمة المريض

سي أحمد بن الحاج الطبيب الذي حول بيته إلى مشفى

سي أحمد بن الحاج الطبيب الذي حول بيته إلى مشفى
  • القراءات: 1165
جمال ميزي جمال ميزي

من الصعب جدا أن تختزل مسيرة رجال وهبوا أنفسهم فداء لوطنهم، وبني جلدتهم في كلمات، فمنهم العالم والحكيم وآخر وهب نفسه فداء لخدمة أبناء قريته، في وقت كانت تصعب خلاله الحياة، فلا دواء ولا تمريض، بل كان الموت يخطف أبناء الكثر من القرى والمداشر على مرأى من أهاليها الذين لا حول ولا قوة لهم .

كان لزاما على أناس أن يرحلوا طالبين العلم في ربوع وطن شاسع يئن تحت وطأة استعمار غاشم يدمر كل شيء، ولعل سي أحمد بن الحاج عويرة الذي ينحدر من دوار ملوزة، واحد من أولئك الذين لم ينالوا حظهم في التعريف بشخصهم، بل هو السيف البتار الذي وقع في المعصم الخطأ بالنظر إلى الظروف القاهرة التي كان يعيشها آنذاك.

بحثنا لم يدم طويلا عن أرض المرحوم، فما إن وطأت أقدامنا أرض ملوزة حتى دلنا الكثير عن بقايا منزل كان في يوم من الأيام مشفى لكل من طلب الشفاء، حيث وجدنا في استقبالنا شيخا بلغ من السن عتيا ورسم في وجهه الدهر خطوطا من التعب، بعدما اشتعل الرأس شيبا، التقينا بالشيخ الربيع بن سي يحي، الابن البكر للشيخ أحمد، حيث راح يسرد لنا حكاية الشيخ الوالد سي أحمد فقال: «يعود تاريخ ميلاد والدي إلى سنة 1905، حيث التحق كأترابه بالكتاتيب التي كانت منتشرة بكثرة في المنطقة، ليختم القرآن في سن مبكرة، التحق بعدها بالمدرسة الفرنسية سنة 1912، كانت مشيدة بجوار مسجد النور حاليا، وكانت بوادر النباهة تظهر عليه واحتل المراتب الأولى في جميع مراحل حياته التعليمية، بل كان من المقربين جدا من مدير المدرسة لذكائه، ولأنه عربي كان لزاما، يضيف سي الربيع، أن يوضع حد له ولتعليمه، فكان يجالس العلماء رغم صغر سنه بالنظر إلى فطنته ونباهته، بل كان من المواظبين على حضور جلسات الصلح وإصلاح ذات البين إلى غاية سنة 1925، حيث  التحق بصفوف الجيش الفرنسي في إطار ما يعرف بالتجنيد الإجباري في بجاية، وفي سنة 1929 تزوج ورزق بمولوده الأول سنة 1930 «......أنا......» ليواصل سرد حكايته، وبعد الزواج أصبح مسؤولا عن عائلة. عمل كإسكافي إلى نهاية عام 1965 وكان خلال الثورة التحريرية الكبرى من أعيان المنطقة الذين يستقبلون قادة جيش التحرير، حيث حضر لقاءاتهم كالشيخ سي محمد بن العمراني وسي لخضر والسعيد بن العابد، وفي سنة 1959 وبعد بناء المحتشد بالقرية المذكورة، أين كان الاستعمار الفرنسي حينها يرسل بين الفينة والأخرى طبيبا للمحتشد لفحص الأهالي الأمر الذي حُتّم على سكان المنطقة، وبدأ البحث عن مترجم فوقع الاختيار على سي أحمد بحكم إتقانه اللغة الفرنسية، فعمل رفقة الطبيب كمترجم ليتعلم كيفية استعمال الحقنة، ثم تعلم تسميات الأدوية ومجالات استعمالها حتى بعد الاستقلال.

كان هذا الطبيب يستقبل المرضى في بيته من أجل المداواة، حيث أنه كان يحرر الوصفات الطبية لشراء الأدوية والأكثر من كل هذا، وبالنظر إلى ظروف المنطقة القاسية آنذاك وقلة النقل، كان الكثير من القرى المجاورة يأتون للمداواة عنده، فأصبح البيت بمثابة مشفى لا يغادره المريض، ليتكفل سي احمد بن الحاج بالشرب والأكل والمبيت حتى ينهي كل حقنه، كل هذا خدمة للناس بلا مقابل، يضيف سي الربيع الذي توفي سنة 1985.