مدينة تيبازة الأثرية

سحر طبيعة وقصة حب

سحر طبيعة وقصة حب
مدينة تيبازة الأثرية
  • القراءات: 1688
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تستقطب مدينة تيبازة الساحلية، التي تبعد بحوالي 70 كلم غرب العاصمة، العديد من الزوار من داخل الوطن وخارجه على مدار السنة، حيث تستميل ميزات تلك المنطقة وخصوصيتها عشاق المغامرة في جبالها المطلة على زرقة المتوسط، أو مفضلي الاستمتاع بنسيم البحر خلال فصل الصيف، في حين يجد محبو التاريخ والتراث نصيبهم من الجولات هناك، عبر عدد من المعالم التاريخية التي لا تزال قائمة إلى حد اليوم، لتبعث لدى أصحاب المخيلة الواسعة رغبة الإبحار في قصة ولت منذ مئات، أو آلاف السنين، لحضارات مرت من هناك.

خلال الجولة السياحية التي نظمتها الوكالات السياحية، في إطار مبادرة "جبلينار" للترويج للسياحة المحلية، وتعزيز العمل التطوعي لتنظيف بعض المعالم والغابات في عدد من الولايات عبر الوطن، كان للمشاركين فرصة اكتشاف سحر المدينة ذات التاريخ العريق، وهي مدينة تيبازة الساحرة، التي يتأثر طقسها بمناخ البحر الأبيض المتوسط المعتدل، لا حرارة ولا برودة كبيرة؛ صيفها لا تتعدى درجاته غالبا 26 درجة مئوية، وأكثر الشهور حرارة هو شهر أوت، أما فصل الشتاء فيتميز بأجواء معتدلة، أما أكثر الشهور برودة فهو شهر جانفي، حيث تصل درجات الحرارة إلى 11 درجة مئوية.

تلك الميزة جعلت منها الوجهة المثالية لعطل نهاية الأسبوع المفضلة لدى سكان الولايات والمدن المجاورة، حيث تنطلق الجولة من مدخل المدينة، أو بالأحرى على بعد بضع كيلومترات فقط من وسط المدينة، عبر الضريح الملكي الموريطاني، أو كما يحلو لسكان المنطقة تسميته بـ "قبر الرومية"، أو "قبر المسيحية"، الذي يروي للزوار أسطورة من أساطير المنطقة لقصة حب وشغف لملك موريطاني، فقد يختلف المؤرخون في الروايات حول معلم بحجم الضريح، يبدأ التأمل فيه على مسافة بعيدة لكبر حجمه، يبدو من بعيد مثل خلية نحل ضخمة لشكله الكروي، يتربع على إحدى الهضبات هناك، مطل على البحر الأبيض المتوسط، وقد اختار القدماء تيبازة مدينة لهم، ليس صدفة، وإنما لموقعها الاستراتيجي، إذ يمد القوة العسكرية بكل وسائل الدفاع بمنطقة سيدي راشد.

الضريح قبر ضخم، أسطواني الشكل، يتكون من صفائح حجرية متساوية الحجم، وينتهي بمخروط مدرج، يظهر عليه 60 عمودا، ويحتوي في داخله على قصص لا يعرف حقيقتها ولا تفاصيلها إلا من عاش في تلك الحقبة ومن احتك بها من السكان، لكن الأساطير وبعض المؤرخين يروون أن الضريح هو ما خلفته قصة حب جمعت بين الملك الموريتاني "يوبا الثاني" و"سيليني كليوباترا" ابنة كليوباترا ملكة مصر الفرعونية، حيث كان الملك يوبا الثاني ملك الإمبراطورية الموريطانية يعشق زوجته كليوباترا سيليني إلى حد الجنون، حيث حزن عليها بعد وفاتها حزنا شديدا، إلى درجة أنه قرر أن يخلد ذكراها بضريح عظيم بناه خصيصا للترحم على روحها، اتخذ شكل تحفة معمارية خالدة تحاكي أهرامات مصر، في منطقة سيدي راشد بولاية تيبازة.

تم تصنيف هذا الموقع ضمن التراث العالمي للإنسانية سنة 1982، كما صنف منذ سنة 2002، ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة "اليونيسكو"، بوصفه واحدا من الأضرحة الملكية الموريتانية والمواقع الجنائزية لفترة ما قبل الإسلام، ولا يزال إلى يومنا هذا يستقطب مئات الزوار يوميا، ليبلغ الآلاف خلال الموسم الصيفي، إذ يزيد التوافد على تلك المنطقة خلال موسم الصيف، إذ تعتبر المحطة الأولى لزوار المدينة، ولا يمكن تفويتها للاستمتاع بجمال منظرها.

ميناء المدينة..

يعد الميناء الذي يتوسط قلب العاصمة، أحد المعالم التي تستقطب اليوم زوار المدينة على مدار السنة، فبفضل ما روجت له المطاعم الخاصة ببيع الأسماك بأنواعها هناك، أصبحت تلك المنطقة الوجهة الرئيسية لعشاق تذوق الأسماك التي يقتنيها أصحاب المطاعم مباشرة من سوق السمك المحاذي للميناء، مما يضمن جودتها كونها طازجة، كما منحت السفن الصغيرة أو الزوارق لمسة جميلة للوافدين والراغبين في جولة صغيرة في البحر، تدخل البعض إلى شواطئ ليست بعيدة هناك، وتمنح لركابها فرصة التقاط صور للمدينة الساحلية من الواجهة البحرية، التي لا تقل جمالا عن منظرها المطل على البحر الأبيض المتوسط وجبل شنوة المحاذي للمدينة.

في نفس الرواق الذي يقود زائر مدينة تيبازة نحو عمقها، ترحب بنا مدينة الصناعة التقليدية، حيث يتربع هناك عدد من المحلات الخاصة بعرض المنتجات التقليدية، من أوان فخارية وبعض تجار القطع التذكارية الذين زادوا المكان جمالا، كما تسجل محلات بيع الأثاث القديم هناك نقطة مهمة لزوار المنطقة، لاسيما الأجانب الذين يعتبرون تلك القطع فنونا لا ثمن لها، خصوصا في مدينة أثرية كمدينة تيبازة.

الأطلال الرومانية

نهاية الرواق تجذبنا كالمغناطيس نحو مدخل الأطلال الرومانية، أو أنقاض ما تبقى من الحضارة الرومانية لدى مرورها بالجزائر، حيث تشهد تلك المنطقة أحد أكثر المعالم القائمة هناك، التي صمد جزء منها بشدة، بالرغم من العوامل البيئية التي أثرت على جزء كبير منها، بقيت بعض الجدران والسلالم، والصخور والبيوت تدل على هندسة معمارية جميلة، يمكن للمرشد السياحي هناك الإجابة عنها، لتحليل بعض الحقائق التاريخية، في حين يفضل آخرون إطلاق العنان لمخيلتهم وكيف كان يعيش ملوكها آنذاك، حيث تحتوي تلك المدينة الأثرية على العديد من المعالم، كالمعابد والمدرجات، والكنائس التي كانت تشكل مدينة متناسقة وكاملة لحضارة لا يزال تاريخها يروى لزوار المدينة، التي يأتون إليها من ربوع الوطن، ومن خارجه.