تزايد أوجه التكافل والتضامن

رمضان مدرسة لتقوية العلاقات الاجتماعية

رمضان مدرسة لتقوية العلاقات الاجتماعية
  • القراءات: 4998
حنان.س حنان.س

تكثر مظاهر التآزر والتضامن خلال رمضان بفضل تسارع الكثير إلى تقديم العون للغير من الفئات الهشة والمعوزة، ولا يختلف في ذلك الأفراد عن الجمعيات والسبب فضل شهر الصيام الذي يخلق قابلية لا مثيل لها في المسارعة نحو مساعدة الغير، ولعل هذا من الدروس الرمضانية في تقوية العلاقات الاجتماعية بين الناس. 

حول فضل رمضان في التكافل الاجتماعي، قال الأستاذ محند إيدير مشنان، مدير التوجيه الديني والتعليم القرآني بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف خلال محاضرة له بالمركز الثقافي الإسلامي للعاصمة؛ إن رمضان امتحان حقيقي يختبر العلاقات الاجتماعية بين الناس، واعتبر الشهر الفضيل وقفة سنوية لدعم العمل التضامني الذي يقبل عليه الأفراد بشكل تلقائي بما يزيد في التراحم. هذه العلاقة وصفها الأستاذ مشنان بالعلاقة الأفقية بين العبد وغيره، متحدثا أيضا عن علاقة عمودية بين العبد وخالقه خلال رمضان، ترتقي إلى أسمى أوجهها، وبالمثل ترتقي علاقة الفرد بغيره بفضل أوجه التكافل والتآزر، مبرزا أن ممارسة العبادة في أحسن صورها في شهر الصيام ترتبط كذلك بتوطيد العلاقة التضامنية بين أفراد المجتمع.

ويبادر الناس طوعيا بتقديم المساعدات للمحتاجين والمعوزين من باب التسابق نحو الاستزادة من الحسنات، وهو ما يجعل رمضان شهر التسابق نحو تقديم المساعدات للغير من دون الانخراط في أية جمعية، يقول تعالى؛ "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ"، ويقول أيضا "وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ".

غير أن سبل التعاون والتضامن هذه التي تكثر وتزيد في رمضان، تتضاءل كثيرا بعده، كأنها مظاهر تأتي بقدوم رمضان وتختفي برحيله، بالرغم من كون التراحم بين الأفراد فضيلة راقية تظهر جليا في قوله عليه الصلاة والسلام؛ "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ".

ومن دروس رمضان كذلك في توطيد العلاقات الاجتماعية يذكر المحاضر تعزيز التعامل الحسن مع الآخر، اقتداء بقول الرسول عليه الصلاة والسلام ؛”وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفـُِثْ، وَلا يَصْخَب، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِم"، ومعناه اتقاء أسباب الجدال الذي قد يحدث بين الناس أيام رمضان والذي من شأنه إحداث الشقاق في المجتمع، داعيا في السياق إلى إعادة النظر في توظيف فضيلة الرحمة في بعض المؤسسات، ومنها الصحية التي يتأسف بشأن تدني صور معاملة الأطقم العاملة بها تجاه المرضى وذويهم مقارنة بمؤسسات صحية في دول غربية "أصبحت الرحمة لديها فضيلة راقية جدا"، يقول المحاضر.

ولأن رمضان شهر الرحمة والمغفرة، فإن ذلك يتحقق بالفطرة الإنسانية سواء بالتعبد الذي يزداد تلقائيا، أو بالتضامن والتكافل الذي أصبحت  له بعض الدروب القائمة مع حلول كل رمضان، ومن ذلك مطاعم الرحمة وإفطار عابري السبيل، وهي اللفتة التي يقبل عليها الجزائريون سواء بالتبرعات أو بالتطوع، خدمة لعباد الرحمان "وهذا ما يسمى بالقيمة المضافة التي يقدمها العبد لغيره ولمجتمعه، ولا عجب أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام قدوتنا في هذا المقام، حيث كان أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان. وهو ما يعني أن التضامن الاجتماعي لابد ألا ينقطع بقية السنة أو أن يتراجع ويخفت، وإنما لابد أن يكون في خط ثابت حتى يتجلى المعنى الحقيقي للحديث الشريف "الرّاحمون يرْحمُهم الله".

أما السبيل الآخر الهادف إلى تقوية العلاقات في المجتمع فهو التغافر والتسامح من خلال أبسط مظهر قد يغيب كامل أيام السنة، وهو اللمة الأسرية على مائدة الإفطار، ناهيك عن التصافح يوم العيد "ونحن كجزائريين نستعمل كلمة "نغافر"، على فلان أو علان ونقصد بذلك أن نسلم عليه بمناسبة العيد، إلا أن أصل الكلمة هو المغفرة والتسامح بين الأفراد، خاصة منهم المتخاصمين.. وهذا في الحقيقة ما هو إلا إصلاح للعلاقات الاجتماعية"، يقول المحاضر مستشهدا بالآية الكريمة؛ "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ألا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ والله غفور رحيم".