رغم التطور الذي عرفته الأعراس التلمسانية

رقصة "الصف" موروث فني ثقافي شعبي يأبى الزوال

رقصة "الصف" موروث فني ثقافي شعبي يأبى الزوال
  • القراءات: 1614
ل. عبد الحليم ل. عبد الحليم

إلا أن هناك قواسم مشتركة بينها وأوجه التقارب أكثر من أوجه الاختلاف وتعتبر رقصة "الصف" والمصنفة كطابع فني تراثي يؤدى خلال مختلف الأفراح والمناسبات، ومنها الأعراس وحفلات ختان الأطفال وتنظيم الولائم الشعبية كالوعدة مثلا، وتؤدى أيضا تقديرا وتكريما لضيوف أعزاء يحلون بها، كما أن رقصة "الصف" تؤكد من خلال عنوانها على أنها تؤدى على شكل صف من النساء فقط لا يحدد عددهن أو عمرهن، إلا أنهن يتميزن باحترام وتقدير من طرف سكان الدشرة أو العرش.

 لهذا السبب يتم دعوتهن للغناء في هذه المناسبات، حيث تقف كل واحدة بجانب الأخرى والكتف على الكتف ولا يترك فراغ بينهن، وتحمل كل واحدة منهن أيضا البندير، وهو آلة موسيقية تقليدية مستديرة الشكل مصنوعة من جلد الغنم، ليشكّـلن بذلك صفا يضم ست إلى سبع نساء أو أكثر من ذلك، ويقابلهن على بعد مسافة قصيرة صف آخر من النساء من نفس العدد، وينظرن إلى بعضهن البعض كل واحدة في مواجهة الأخرى ويؤدين أغان احتفالية بالمناسبة، في انسجام مميز وتكامل في الأداء وأيضا الرد فيما بينهن، وتمتاز هذه الرقصة التي قال عنها بعض الباحثين في علوم التاريخ والإنسان بأنها قد تكون متأصلة من فترة وجود الأمازيغ بجبال تلمسان.

وقد يكون السكان الأصليون لتلمسان أول من مارسها وبلهجاتهم المحلية، إلا أنه تطور أداؤها من حيث اللهجة والكلمات والتعابير مع دخول الإسلام، وأصبحت تؤدّى بالعربية وبشكل خاص الدارجة المحلية، وما يؤكـد ذلك أن عدة مناطق لها امتداد أمازيغي ما زالت تحتفظ بها كمنطقة بيدر بمسيردة والدشرة ومزوغن وبني حماد في جهة الواد الأخضر(وادي الشولي) شرق تلمسان، وكذا قرى بني سنوس، وليس هذا فحسب. بل ما تتميز به النساء اللائي يؤدين الرقصة أنهن يرتدين ألبسة تقليدية، وهي ما يسمى بالبلوزة البسيطة التي يغلب عليها اللون الأبيض، وهو دليل على الصفاء والنية والاحترام. وتضع النساء على رؤوسهن غطاء تقليديا، غالبا ما يكون مزركشا ببعض الألوان الداكنة، كما تتزين ببعض الحلي التقليدية من الفضة وحتى  الذهب، ويتميزن ويبدعن في تزيين أيديهن وأرجلهن بالحناء ذات اللون الأحمر الداكن القريب إلى السواد. 

وتعرف رقصة الصف رواجا وممارسة مكثفة خلال مواسم الأعراس في الربيع أو خلال فصل الصيف، وتختلف كلمات الأغاني حسب موقع النساء المرددات للأغنية، فعند خروج العروس من منزل والديها، يقال في مطلع الأغنية: "احليل لعروسة مسكينة خارجة من ديوان باها، والملايكة دايرة بها، بركاكي ماقاعدة عند باك جيناك يا لحـمامة جيناك، جينا نديوها بنت الرجال"... وبعد إخراجها من بيت والديها، يقال: "وراحنا جينا وديناها بقي على خير يا يماها، وعند دخولها بيت الزوجية، يقال الله يدخلها بالربح علينا وهاذي حمامة زايدة فينا".