دعا إليها المشاركون في الملتقى المغاربي الثاني لليتيم

رؤية مغاربية موحدة لرعاية اليتيم

رؤية مغاربية موحدة لرعاية اليتيم
  • القراءات: 1238
رشيدة بلال رشيدة بلال
شكل موضوع كفالة اليتيم، محور الملتقى المغاربي الثاني، الذي ناقش فيه مختصون وخبراء في الشريعة، القانون، الاقتصاد والعلوم الاجتماعية والنفسية من مختلف الدول العربية، واقع كفالة اليتيم وأهم التحديات التي تواجه هذه الفئة. وخرج المشاركون بجملة من التوصيات، شددوا فيها على أهمية الدعوة إلى رؤية مغاربية موحدة لرعاية اليتيم، من خلال إرساء هيكل يضم كل الجمعيات التي تعنى برعاية  الأيتام في إطار المبادئ العامة للهوية المغاربية.
وعرف الملتقى عددا من المداخلات التي اندرجت في إطار رؤية استشرافية لواقع اليتيم بالمغرب العربي، حيث ركز الدكتور عبد الرحمان بربارة، أستاذ محاضر بجامعة البليدة على أهمية أن يكون هنالك تشريع خاص يعنى بكل ما يتعلق باليتيم. وقال على هامش أشغال الملتقى لـ"المساء" إن المنظومة التشريعية بالجزائر، اهتمت باليتيم من حيث رعايته والتكفل بكل احتياجاته، غير أن الإشكال الذي يطرح هو أن اليتيم تم إدخاله في رعاية الأطفال بصفة عامة، أي أنه لم يفرد له نص خاص به، ومن ثمة لم يول الخصوصية لوضعيته الاستثنائية إن صح التعبير، وإنما اعتبره كباقي الأطفال، فهو يحميه من الناحية المدنية كونه قاصرا شأنه شأن بقية الأطفال الذين ينعمون بالعيش في كنف أوليائهم، ومن هنا ارتأينا أنه كان من المفروض أن يفرده بمعاملة خاصة وفقا لنصوص قانونية معينة توجه مباشرة إلى هذه الفئة دون غيرها، نظرا لوضعيته المميزة، مشيرا إلى أن هذا الاقتراح، جاء انطلاقا من عدة اعتبارات أهمها أن المولى عز وجل ميّز اليتيم بتشريعه الرباني، حقيقة القرآن اعتنى بكافة الفئات غير أنه ميز اليتيم وأفرد له نصوصا خاصة بالنظر إلى مكانته، فكان من الأولى أن نميز نحن البشر ونوافق السنة الكونية خاصة وأننا نستمد مبادئنا من القرآن الكريم الذي يعتبر من مصادر التشريع الوضعي.
انطلاقا من الواقع المعاش، يقول الدكتور بربارة، وقفنا على العديد من الحقائق التي أثبتت أن اليتيم لا يتمتع ببعض المكاسب التي من المفروض أن يتمتع بها، لأن القانون الذي اهتم بتنظيمها لم يعتن بها وهو التخصيص الذي نبحث عنه ويظهر هذا تحديدا عندما يتعلق الأمر بأموال اليتيم، ومن هنا تظهر الحاجة لأن يكون هنالك نص خاص في التشريع المدني والعقابي، وفي هذا الخصوص ـ يضيف ـ "نجد مثلا من يعتدي على الأطفال عموما تكون العقوبة مشددة وهو ما جاء في قانون العقوبات، ولكن من المفروض أن من يعتدي على الطفل اليتيم تكون العقوبات مشددة بصورة أكبر لأن هذا الأخير، إلى جانب الضرر المادي، يتعرض لضرر معنوي حاد لأنه يشعر بعدم وجود من يحميه على خلاف من يعيش في كنف والديه يشعر دائما أن هنالك من يؤمن له الحماية.
يرى الدكتور بربارة كذلك أن إحاطة اليتيم بحماية خاصة لا تتحقق إلا بتدخل الدولة لتقديم الحماية اللازمة، لأن الجمعيات، على غرار الجمعية الخيرية  لكافل اليتيم، يظل دائما دورها مكملا لما تقوم به الدولة، وبالتالي هي مدعوة لإعادة النظر في المنظومة القانونية التي تعنى بهذه الشريحة.
الجمعيات الكافلة لليتيم مطالبة باعتماد التخطيط الاستراتيجي
من جهته، طرح الدكتور نادر مشيري، قاضي بمحكمة المحاسبات بتونس، ونائب رئيس جمعية "زهرة الأمل" لرعاية وكفالة الأيتام، مكلف بالتعاون الدولي والبحث العلمي، إشكالية التخطيط الاستراتيجي للجمعيات الكافلة لليتيم وقال «الجمعيات الخيرية مطالبة بضرورة أن تكون لديها رؤية متقاربة على المستوى المغاربي من خلال التأكيد على ضرورة التخطيط الصحيح لتحقيق أهداف الجمعيات الخيرية الكافلة لليتم، مشيرا إلى أن تعثر الآليات التي تبنتها بعض الجمعيات لتحقيق أهدافها كان نتيجة عدم وجود تنظيم في العمل الخيري بحكم أن أغلب العاملين في الحقل الخيري المرتبط باليتيم، ينظرون إلى هذا العمل  على أنه خالص لله، وبالتالي لا يحتاج إلى تنظيم وهو المفهوم الخاطئ والسائد عند أغلب المشرفين على مثل هذه الجمعيات الخيرية، من أجل هذا ـ يقول ـ "ارتأيت من خلال مداخلتي تسليط الضوء على أهمية التنظيم والتخطيط المالي لتحقيق أهداف رعاية الأيتام".
أكثر ما تفتقر له الجمعيات الخيرية ـ حسب الدكتور مشيري ـ "هو عدم الالتزام بالتنظيم الإداري بأغلب الدول العربية، بل إن أغلبية الجمعيات الكافلة لليتيم دخلت في مرحلة الاعتباطية عندما يتعلق الأمر بأخذ القرار المتعلق بكفالة اليتيم، ولعل خير دليل على ذلك أن أغلب الجمعيات التي حلّت بتونس هي جمعيات خيرية لكونها كانت تعمل في إطار عشوائي، من أجل هذا يقول: «نطالب الجمعيات التي اتجهت إلى رعاية هذه الشريحة المهمة من المجتمع، الالتزام بكل ما هو نظام قانوني وتشريعي تسير وفقه الدولة التي ينتمي إليها، إلى جانب ضرورة وضع القوائم المالية والمحاسباتية على ذمة نظام معلوماتي، وهذا لا يتحقق إلا بتكريس بعض الآليات المتمثلة في تصريف الميزانية وفق الأهداف المسطرة من الجمعية لإضفاء أكثر شفافية.
الهدف الأول والأخير من الجمعيات التي تنشط في المجال الخيري، هو التكفل بكل احتياجات اليتيم وجعله عضوا فاعلا في المجتمع ـ يقول محدثنا ـ. ويشير "إلى أن الإحصائيات تشير في تونس إلى وجود ما يعادل 200 ألف يتيم تعنى بهم بعض الجمعيات الناشطة وتستهدف تقديم خدمات ذات نوعية وجودة.
المنظومة التشريعية الليبية نموذج
ناجح في كفالة اليتيم
وعرض عبد الكريم رضوان، دكتور في اللغة العربية من جامعة طرابلس، التجربة الليبية في مجال التكفل بالأيتام، حيث قال "إن اليتيم في ليبيا يحظى باهتمام وعناية خاصة، وهذا راجع لكون المجتمع الليبي مجتمع متشبع بالقيم الدينية التي يستمدها من الشريعة الإسلامية. وبالرجوع إلى القانون الليبي، نجد أنه استمد كل ما يتعلق بمعاملة اليتيم وكفالة حقوقه والعناية به من مبادئ القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث نجد اليتيم حاضر في كل القوانين التي تنظم حياة المجتمع الليبي، فليس هنالك قانون خاص باليتيم ولكننا نجد النصوص الخاصة به حاضرة بكل التشريعات على اختلافها، فمثلا عند الحديث عن الرعاية الصحية، نجد أن اليتيم أولاه التشريع الليبي 75 نصا قانونيا موجها لخدمته فقط، وبالتالي يضيف "بالمقارنة مع باقي الدول العربية، نجد أن التشريع الليبي أكثر القوانين التي ذكر فيها اليتيم من حيث الرعاية القانونية وتأمين الحقوق".
وفي رده عن سؤالنا حول تعداد اليتامى بالمجتمع الليبي، جاء على لسان محدثنا أن عدد الأطفال اليتامى عرف ارتفاعا كبيرا، لاسيما بعد الثورة التي  عاشها المجتمع مؤخرا، الأمر الذي نتج عنه هبة نوعية من مختلف أفراد المجتمع للعناية بهذه الشريحة، وفي المقابل صدر أيضا قانون جديد، وهو قانون حماية أبناء الشهداء والذي يعتبر أيضا تعزيزا لحقوق هذه الفئة، حيث جعلت لهم رواتب خاصة لتلبية كل احتياجاتهم، دون أن ننسى الحركة الجمعوية التي انفردت عن غيرها من الجمعيات بالمجتمعات العربية بعناية خاصة للأيتام، من خلال الاستثمار في أموالهم وإنشاء مراكز تسوق موجه لليتيم تهتم بتلبية كل حاجاتهم الاستهلاكية.