بعد سحب المنتجات الأجنبية غير المطابقة

دعوة لتنظيم السوق وتشجيع اقتناء السلع المحلية

دعوة لتنظيم السوق وتشجيع اقتناء السلع المحلية
  • 127
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

أدت تعليمة تشديد الرقابة على المنتجات الاستهلاكية، وسحب عدد منها لعدم مطابقتها المعايير المنصوص عليها، إلى بروز تباين في الآراء بين المستهلكين، الذين انقسموا بين مؤيد ومعارض، كما برز بين التجار معارضون خاصة الذين يعتمدون على ما يسمى بـ"الكابة"، من خلال اقتنائهم بضاعة أجنبية يقولون إنها "ذات جودة وفعالية"، في حين يرى مؤيدو قرار السحب أنها فرصة لتشجيع الإقبال على السلع المحلية، وبين هذا وذاك حاولت "المساء" التقرب من المواطن الجزائري ولمس مدى ثقته بالمنتج الجزائري .

وفي إطار تنفيذ برنامج العمل المسطر من طرف وزارة التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية، في شقه المتعلق بحماية المستهلك، قام أعوان مديرية التجارة بمختلف الولايات خلال الأسابيع القليلة الأخيرة، بحملة رقابية واسعة استهدفت محاربة تسويق مختلف المنتجات غير المطابقة، ومجهولة المصدر، والمستوردة والمسوقة بطرق غير شرعية، عبر مختلف محلات بيع المواد والمنتجات واسعة الاستهلاك، من منتجات تجميل وعناية، إلى مواد غذائية وحلويات وشوكولاطة، تحدد في القانون التجاري على انها منتجات تم عرضها في السوق، دون مرورها بسلسلة استيراد قانونية، ولم تخضع لأي نوع من الرقابة، ما يجعلها مصنفة على أنها تشكل خطرا على صحة المستهلك.  

ولقد تم سحب وإتلاف العديد من المنتجات، وتم استدعاء المخالفين واتخاذ إجراءات قانونية ضد هؤلاء، الذين كانت سلعهم أكثر السلع المطلوبة من الزبائن، باعتبارها سلعا أوروبية، البعض منها صنع "الحدث" او ما يعرف بـ"الترند"، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بفضل الدعاية والترويج على أنها سلع ذات جودة ونوعية وخاصة ذات فعالية ممتازة.

تجار يتحايلون

ودفعت تلك التعليمة إلى تشديد الرقابة على الكثير من التجار وسحب ما لديهم من سلع ومنتجات لا تتطابق وتلك المعايير، حسبما وقفت عليه "المساء" خلال تجوالها بين عدد من محلات بيع مواد التجميل ومحلات بيع المواد الغذائية الشهيرة بعرض منتجات "الكابة"، حيث لجأ التجار خوفا من بلوغ اعوان الرقابة محلاتهم إلى سحب ما لديهم من بضاعة مستوردة بطريقة غير شرعية، حتى لا يتكبدوا خسارة مالية عالية، لارتفاع اسعار تلك السلع الاجنبية.

ولقد خلقت تلك الصرامة في تطبيق القانون الاساسي المتعلق بحماية المستهلك، وتشديد الرقابة على مصدر المنتج المعروض في السوق، نوعا من التباين في الآراء، وخلق ضجة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليس بين التجار فقط وانما بين المستهلكين ايضا، إذ ان جزءا منهم اعربوا عن رفضهم لاستعمال منتجات محلية الصنع، بل اعتادوا على اقتناء الاجنبي، والذي هو في نظرهم اكثر فعالية بفضل الخبرة المسبقة لبعض البلدان، وحتى بعض المخابر في انتاج سلع معينة، ولاسيما في اتباع احدث التقنيات لإنتاج وابتكار في كل مرة انواعا جديدة من المنتجات لاسيما ما يتعلق بالتجميل والعناية بالشعر والبشرة، والتي أثبتت، حسبهم، فعاليتها في حل بعض المشاكل "الجمالية".

تعليمة لمحاربة الغش والاحتيال

في هذا الصدد قالت سارة، التي كانت رفقة صديقاتها التقتها "المساء" داخل محل بيع منتجات التجميل، انها تأسف لسحب المنتجات الاجنبية من السوق، مشيرة إلى أنها اعتادت في روتين عنايتها على بعض المنتجات، خصوصا وأنها تعاني كثيرا من مشاكل البشرة، واصبح من الصعب عليها ايجاد تلك المنتجات بعد أن تم سحب الكثير منها من السوق.

اما فرح، فهي الاخرى أكدت أن القرار  جاء لتأطير السوق وتقنينه وتنظيمه، وخاصة لحماية المستهلك، موضحة أنه رغم ذلك فإن المستهلك سوف يتضرر، خاصة بالنسبة للفئة التي ربما اعتادت على تنويع استهلاكها واعتمادها على المنتج الاجنبي، مؤكدة انها على قناعة أنه من حق المستهلك اختيار منتجه، ولا يجب أبدا أن يفرض عليه اقتناء سلعة محددة، وهذا يتضارب مع حقه في الاختيار، واقتناء ما يريده.

اما وليد تاجر مختص ببيع مواد التجميل فقال: "إن تلك التعليمة جاءت لمحاربة الغش والاحتيال الذي يمارسه بعض التجار، الذين يمكن ان يعرضوا منتجات ظاهرا أصلية إلا أنها  مقلدة ومغشوشة، وبأسعار مرتفعة"، وأوضح أن ليس كل منتج يزعم صاحبه أنه منتج "كابة" هو منتج اصلي، فالتقليد قد يمس ايضا السلع التي يتم اقتنائها من دول اجنبية، ولا يكفي اليوم الرقم التسلسلي للتأكد من ذلك إذ ان بعض المصانع تتفنن في التقليد الدقيق ما خلق ما يعرف بمصطلح "النسخ الاصلي" وهو تقليد لكن قريب من الاصلي، وبالتالي هي منتجات مقلدة قد تكون مجهولة المصدر.

من جهة اخرى، قالت رتيبة حلاقة معروفة بعملها الرفيع،  انها تعتمد اساسا على منتجات التجميل "الأجنبية" والتي كثيرا ما تطلبها الزبونات لاستعمالها، باعتبارها ذات نتيجة أحسن، موضحة أن هذا القرار سيضر بعملها، ويدفعها الى التوجه نحو ما هو متوفر في السوق رغما عنها.

تشجيع المنتوج المحلي

حول هذا الموضوع تحدث ياسين أوعابدي، استاذ الاقتصاد، لـ"المساء"، مؤكدا أن كل هذه الثرثرة المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول قرار سحب منتجات غير مطابقة من السوق ليس لها اي مبرر، مؤكدا أن المنتج المحلي شهد خلال السنوات الاخيرة قفزة نوعية، وأصبح ينافس المنتج الاجنبي، واعتبر غياب الثقة في المنتج المحلي راجع اساسا الى "الثقة الزائدة" في المنتج الاجنبي، وليس غير ذلك.

وقال المتحدث إن تغيير التفكير لا يكون من خلال فرض المنتج المحلي على المستهلك، اذ دائما ما يندفع الى البحث عن بدائل، وانما التغيير يكون من خلال تعديل نوعية المنتج المحلي، سواء منتجات تجميل، او عناية، او حتى تحسين مذاق المنتجات الاستهلاكية والمواد الغذائية خاصة الكمالية منها كالحلويات والشوكولاطة، وغير ذلك، موضحا أن المنتج الجزائري نجح ويمكنه أن ينجح في ذلك حسبما اثبته احدى العلامات التجارية التي بلغ صداها مختلف دول العالم، إلى درجة تكالب بعض الدول الاجنبية علينا بسبب تضييق السوق عليها حسب قوله، إذ كان منافسا شرسا في السوق الدولية، كبديل احسن بكثير من منتجات أخرى مماثلة في العالم.

وأكد الخبير أن التعليمة ما هي الا تطبيق لقوانين موجودة أساسا، ولم تأت لحصار التاجر، او تغريمه، أو فرض قوانين تعسفية عليه كما يعتقده البعض، وإنما لتنظيم السوق وحماية المستهلك، ومنع دخول منتجات قد تكون مجهولة المصدر والهوية، وتباع بأسعار خيالية في السوق.