الإدمان على الألعاب الإلكترونية خطر صامت يهدد الجيل الرقمي
دعوة لإنشاء مراكز علاجية وإطلاق نوادٍ توعوية
- 144
رشيدة بلال
دفع تفشي الإدمان على الألعاب الإلكترونية في أوساط الأطفال والمراهقين والشباب، بل وحتى بعض البالغين، المختصين والباحثين في علمي النفس والاجتماع بجامعة البليدة 2، إلى تنظيم ملتقى تفاعلي ناقش أبعاد هذه الظاهرة التي باتت حسب منظمة الصحة العالمية، نوعًا من أنواع الإدمان لا يقل خطرًا عن إدمان المخدرات، ودعا المشاركون، في ظل عجز الأسرة ومؤسسات التنشئة عن إيجاد حلول فعالة، إلى ضرورة إنشاء مراكز متخصصة في علاج الإدمان على الألعاب الإلكترونية، لمرافقة جهود الوقاية وحماية الجيل الرقمي من التأثيرات السلبية لهذه الألعاب التي أصبحت تشكل تهديدًا ثقافيًا، اقتصاديًا واجتماعيًا.
تحدثت "المساء"، في هذا الشأن، مع عدد من المختصين حول واقع الإدمان على الألعاب الالكترونية في البيئة الجزائرية، وآثاره النفسية والاجتماعية وسبل الوقاية منه.
اللعب حق أساسي.. والإفراط الإلكتروني خطر محدق
أكدت الأستاذة عيسو عقيلة، المختصة في علم النفس المدرسي ومنظمة الملتقى الوطني عن مخبر الطفولة ما قبل التمدرس، بأن اللعب حق أساسي ومطلب بيولوجي طبيعي، بل أقره الدستور لما له من دور في تنمية شخصية الطفل واكتسابه مهارات متعددة. وأوضحت أن اللعب أصبح اليوم وسيلة تعليمية فعالة، إذ يعتمد عليه المختصون في التربية لتعليم الأبناء بطريقة محببة. غير أن التحول التكنولوجي الكبير الذي تعرفه المجتمعات، والزخم الهائل من الألعاب الإلكترونية المتاحة مجانًا عبر المواقع والمنصات، جعل هذه الوسيلة تنحرف عن هدفها الترفيهي أولا والتربوي ثانيا لتتحول إلى أداة لنشر سلوكيات ومضامين خطيرة على الصحة النفسية والجسدية.
وأضافت المتحدثة بقولها: "كنا ننظر إلى الألعاب الإلكترونية على أنها مجرد وسيلة ترفيهية، لكنها اليوم تجاوزت حدود التسلية لتصبح سببًا في مشاكل نفسية وسلوكية، خاصة مع تراجع الرقابة الأبوية، وانشغال الأسر عن متابعة أبنائها، بل وتشجيعهم أحيانًا على اقتناء الأجهزة الإلكترونية وشغل وقتهم بها لساعات طويلة".
وحذرت الأستاذة عيسو من استفحال الظاهرة في الجزائر، خصوصًا بعد أن مست فئة الأطفال، وهو ما ظهر جليًا من خلال ألعاب خطيرة مثل "الحوت الأزرق" و"لعبة مريم" وغيرها من الألعاب الفردية منها والجماعية، اللتين خلفتا آثارًا نفسية واجتماعية خطيرة. وأوضحت المختصة، أن الإدمان لا يقتصر على الجانب الصحي فقط، بل يمتد إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وحتى الهوياتية، إذ تساهم بعض الألعاب في طمس الانتماء الوطني وتشجيع القيم الدخيلة على غرارا الترويج من خلال الألعاب لعبده الشياطين. وتقترح بالمناسبة تأسيس مراكز وطنية لعلاج الإدمان على الألعاب الإلكترونية، إلى جانب برامج توعية موجهة للأسر لتمكينها من أساليب الحماية والمراقبة، معتبرة أن الأسرة هي خط الدفاع الأول قبل المؤسسات العلاجية.
أزمة وقائية بين الأسرة والمدرسة
من جهتها، ترى الأستاذة حورية طيبي، المختصة في علم اجتماع التربية، أن مرحلة العلاج ليست من مهام المدرسة أو الأسرة، لكونهما لا تملكان الأدوات العلاجية اللازمة، غير أنهما قادرتان على العمل في الجانب الوقائي من خلال التربية الرقمية والتوجيه السليم. واشارت إلى أن المشكلة تكمن في أن المؤسسات المفترض أن تكون خط الدفاع الأول، أصبحت هي الأخرى عاجزة عن حماية الأبناء في الفضاء الرقمي، حيث لا يمكن فصل الجيل الجديد عن التكنولوجيا التي أصبحت جزءًا من حياته اليومية.
وأوضحت المتحدثة " التحدي اليوم ليس في منع التكنولوجيا، بل في التوفيق بين استخدامها وتربية الأبناء على التعامل الواعي معها، فالأسرة الجزائرية تعيش أزمة تربوية حادة جعلتها غير قادرة على أداء دورها الوقائي كما يجب، بينما تركز المدرسة على الجانب المعرفي فقط رغم امتلاكها لبرامج الرعاية".
وأكدت المتحدثة أن منظمة الصحة العالمية تعتبر إدمان التكنولوجيا مرضًا نفسيًا وسلوكيًا، وتساوي بينه وبين الإدمان على المخدرات من حيث الآثار النفسية والجسمية والاجتماعية، مطالبة بالتعجيل في إنشاء مراكز علاجية متخصصة. وتضيف أن هناك مركزًا وحيدًا في قسنطينة يعالج الإدمان على الإنترنت، وهو غير كافٍ لتغطية الطلب المتزايد على مثل هذه المراكز في الجانب العلاجي، داعية إلى تعزيز البحث في سبل الوقاية قبل الوقوع في فخ الإدمان.
الإدمان مسؤولية مجتمعية وليست أسرية فقط
أكدت الأستاذة طيبي أن ظاهرة الإدمان على الألعاب الإلكترونية لم تعد مسؤولية الأولياء وحدهم، لأن التربية لم تعد وظيفة الأسرة فقط، واشارت إلى أن أخطر ما يهدد هذه الفئة هو فقدان القدرة على التفاعل الاجتماعي الطبيعي، وهو ما تعتبره منظمة الصحة العالمية أحد مؤشرات "المرض الاجتماعي". واضافت أن الطفل الجزائري يعيش اليوم حالة إدمان صامتة بسبب صعوبة الرقابة الوالدية، ما يتطلب تدخلًا عاجلًا من كل الفاعلين الاجتماعيين لوضع استراتيجية وقائية شاملة لا تمنع الالعاب الاليكترونية ولكنها في نفس الوقت لا تتركها مطلقة من دون رقابة.
العالم الافتراضي.. بوابة الاغتراب الاجتماعي
أما المختصة في علم اجتماع الجريمة نسيمة مرابية، فطرحت زاوية أخرى من التأثيرات السلبية للألعاب الإلكترونية، حيث أشارت إلى أنها تؤسس لما يسمى "الشخصيتين المتوازيتين": إحداهما افتراضية يجد فيها الفرد إشباعًا فوريًا لرغباته كالبطولة أو الفوز أو التقدير، وأخرى واقعية ضعيفة تفتقد لهذه التجارب، مما يدفعه إلى الانعزال عن العالم الحقيقي.
واضافت أن أخطر المراحل التي يظهر فيها هذا التأثير هي مرحلة المراهقة والشباب، حيث ينعكس الإدمان في قلة الاندماج الاجتماعي، وتراجع التواصل الأسري، وظهور ما يعرف بـ"الاغتراب الاجتماعي". وتستشهد الباحثة بمثال المسابقات العالمية للألعاب الإلكترونية التي تمنح جوائز مالية ضخمة، ما يجعل اللاعب يعيش واقعًا افتراضيًا أكثر جاذبية من الحياة الحقيقية، فيرفض التفاعل مع محيطه الاجتماعي ويرفض النقد أو الحوار ولا يعرف حتى كيف يتواصل مع غيره.
بين المنع والتوازن.. نحو وعي رقمي جديد
وترى الأستاذة مرابية أن حرمان الأطفال أو المراهقين من الألعاب بشكل كلي ليس حلاً، لأنها أصبحت جزءًا من حياتهم اليومية، لكن المطلوب هو إيجاد توازن تربوي وثقافي يمنع تغلغل القيم الدخيلة. وتقترح إنشاء نوادٍ رقمية توعوية تُعنى وتثقيف الجيل حول التعامل الآمن مع التكنولوجيا، خاصة في ظل الأمية الرقمية المنتشرة بين الأسر، حيث يقتني الأولياء الأجهزة لأبنائهم دون معرفة طرق الحماية ولا محتوى ما يتابعه أبناؤهم.
وتختم بقولها، ليس كل من يلعب الألعاب الإلكترونية مدمنًا، لكن من تظهر عليه أعراض الإدمان مثل اللعب لأكثر من خمس ساعات متواصلة، اضطرابات النوم، العزلة، ضعف التحصيل الدراسي والتذمر المستمر، فهو بحاجة إلى مراقبة ومتابعة علاجية قبل أن ينسلخ عن واقعه الاجتماعي.