إحياء لليوم العالمي لمكافحة التدخين

دعوة إلى تفعيل التنسيق لتطبيق القوانين الردعية

دعوة إلى تفعيل التنسيق لتطبيق القوانين الردعية
  • القراءات: 611
حنان.س حنان.س
يشكّل الـ31 ماي من كل سنة فرصة أخرى للحديث عن مكافحة التدخين ومحطة تقييمية لما أنجز في الإطار منذ سنوات، غير أن الإشكال المتجدد بمناسبة إحياء اليوم العالمي لمكافحة التدخين يتمثل في مدى تطبيق قوانين حماية الصحة العمومية، فتلك القوانين التي دعت إليها المنظمة العالمية للصحة وصادقت عليها الجزائر تصب في خانة حماية صحة الفرد والمجتمع، إلا أن الواقع ـ حسب بعض الخبراء - لا يعكس إطلاقا مدى الالتزام بتطبيق هذه القوانين. يعود الحديث عن مكافحة التدخين مع المناسبة السنوية العالمية، كما يزداد العمل الجمعوي للتوعية والتحسيس بمخاطر هذه الآفة الاجتماعية التي تشير الأرقام بشأنها إلى مدى استفحالها أكثر فأكثر في المجتمع دون استثناء أي فئة عمرية، إذ تمثل النساء نسبة 2.25% من المدخنين بالوطن والرجال نسبة 27%، أما نسبة الأطفال فتمثل 9.2 % حسب تحقيق لوزارة الصحة في 2010.
وإذا كانت التحقيقات والدراسات تبين السنة تلو الأخرى مدى تزايد آفة التدخين وسط المجتمع، وإذا كان الواقع يثبت أيضا اتساع رقعة التوعية والتحسيس ولكن دون تحقيق نتائج مرضية، فإن السؤال المطروح هنا هو: أين الخلل؟ والإجابة جاءتنا على لسان الدكتور تفات بوزيد عبد الكريم، عضو اللجنة الوطنية لمكافحة التدخين، خلال لقاء خاص مع «المساء»، والذي يتأسف كون التدخين في ازدياد مطرد في المجتمع دون أن يجد من يوقفه. ويوضح الخبير أن الحل الوحيد الكفيل بصد خطر هذه الآفة يكمن في الردع عن طريق احترام تطبيق القوانين المصاغة في المجال، إذ يشير المختص إلى أن الجزائر كانت السبّاقة إلى سن قوانين التي تحمي الصحة العمومية من الآثار السلبية للتدخين، وذلك من خلال اللجنة الوطنية لمكافحة التدخين التي أنشئت في 1997، والتي اتبعت في 2013 بلجنة أخرى متخصصة تضم خبراء وطنيين تحمل نفس الهدف، ليتم دعم هذه المكافحة بلجنة أخرى متعددة القطاعات في 2014 والتي ينتظر منها أن تبعث المكافحة لهذه الآفة الاجتماعية الخطيرة، «وأكثر ما نتمناه كخبراء في الصحة أن يتم التطبيق الفعلي لقانون منع التدخين في الأماكن العمومية ومنه المستشفيات والمطارات وغيره تبعا للقانون رقم 01/285 الصادر في سبتمبر2001، الذي بموجبه يمنع التدخين في الأماكن العامة، ونحن نشير إلى أن المدخن يعلم بطريقة أو بأخرى مضار سلوكه، ولكن هذا لا يمنع من توعيته أكثر فأكثر، ثم المنع تماما، ولكن الأهم أن تتم المتابعة طبقا للقوانين المصادق عليها، تماما مثلما حدث مع حزام الأمان الذي أصبح اليوم سلوكا فرديا لا ينساه كل سائق، وهذا الذي نتمناه أن يحدث مع التدخين بالنظر إلى آثاره السلبية على الصحة العمومية».
من جهة أخرى، فإن السهر على مدى تطبيق قانون حظر التدخين في الأماكن العمومية لا يحمي صحة المدخن فحسب، وإنما تطويق المخاطر الصحية الناجمة عن التدخين السلبي، يشرح الخبير داعيا الجهات المعنية للعمل بتنسيق أكثر من أجل حماية الصحة العمومية. وقال إن الكثير ينتظر من اللجنة متعددة القطاعات لمكافحة التدخين التي تشرف عليها الوزارة الأولى، السهر على تجسيد روح القوانين.
في هذا السياق، قال الخبير إن العمل الميداني يكشف عن خلل ما يكمن في مدى العمل الجاد في مجال التوعية والتحسيس، وملاحظته هذه استقاها من الاستشارات الطبية سواء في الطب العام، أو في اختصاصات أمراض القلب والحنجرة والأمراض الصدرية وغيرها، والتي تزداد حالاتها من يوم إلى آخر، ونسبة كبيرة من تلك الأمراض الثقيلة سببها المباشر التدخين، وهو ما يجعله يؤكد أن العمل التوعوي مؤسس ولكن لا يكفي،»لا بد من تضافر الجهود والتنسيق التام من أجل محاصرة هذه الآفة، فكيف لنا أن نقوم بتوعية التلميذ بخطورة التدخين إن كان يسمح لتاجر ما ببيع السجائر بمحاذاة المؤسسات التربوية؟ هذا عمل غير مقبول تماما ولكن مسؤولية المنع هنا تقع على مصالح الأمن وليس على مسؤولي الصحة، لذلك أكرر أن التنسيق ما بين القطاعات مهم للغاية في مسار مكافحة التدخين»، يقول الدكتور تفات بوزيد.     
ويتسبب التدخين سنويا في تسجيل 7000 حالة وفاة بالذبحة الصدرية، إضافة إلى تسجيل 4000 حالة سرطان رئة، و2000 حالة عجز تنفسي، يكون التدخين عاملا محفزا للإصابة، كما أن التدخين لا يستثني المصابين بالأمراض المزمنة ومنه مرضى السكري، فحسب الخبير، فإن نسبة كبيرة من المصابين بهذا الداء يدخنون، ما يعني مضاعفة خطر الإصابة بالجلطة القلبية والشلل الدماغي من 2 إلى 4 مرات، ناهيك عن خطر الإصابة بمضاعفات أخرى أكثر حدة بالنسبة لمريض السكري المدخن ومنه القصور الكلوي وأمراض العيون، وحتى خطر الوفاة المبكرة، حيث أظهرت الدراسات المتخصصة أن هذا الخطر يتراوح معدله ما بين 43 إلى 119 %، حسب عدد السجائر المُدخنة في اليوم.
بالمقابل تظهر الحاجة إلى وجود مصالح لفطام المدخنين، أي المساعدة على الإقلاع عن التدخين، مهمة جدا في مسار مكافحة الآفة، غير أن الواقع يشير إلى وجود مصلحة فطام واحدة على مستوى مصلحة البروفيسور نافتي بمستشفى مصطفى الجامعي، ما يجعل الدعوة إلى فتح مصلحة فطام في كل ولاية ضروريا للغاية، إذ يوضح محدث «المساء» أن اللجنة الوطنية لمكافحة التدخين، رفعت لوزارة الصحة من قبل مطلب فتح مصلحة فطام في كل عيادة متعددة الخدمات بعاصمة كل ولاية، مع دعم الطبيب العام بتكوين متخصص حول الطريقة الصحيحة في التعامل مع مدخن يريد الإقلاع عن التدخين وهذا كفيل بإنجاح هذه المكافحة، «بالرغم من اتساع رقعة المدخنين حتى وسط الأطفال وكبار السن، إلا أن فيه أمل كبير في تحجيم هذه الآفة ومكافحتها حفاظا على الصحة العمومية، يكفي فقط تطبيق القوانين الموجودة وحظر التدخين في المستشفيات والمطارات والمواصلات وأمام المدارس، كما أن العمل الجمعوي مهم جدا والدور الكبير على الإعلام خاصة الإعلام الثقيل ببث الكثير من الصور الصادمة التي تظهر التأثيرات السلبية الكثيرة للتدخين على الصحة، وكذلك تخصيص المناسبات العالمية للتذكير بمخاطر هذه الآفة، مثل اليوم العالمي للمرأة والأيام الأخرى، إضافة إلى بث الكثير من النصائح عبر المحطات الإذاعية، ففي الإعادة إفادة كما يقال، فالمثل يقول من غير المجدي صرف الكثير من الأموال على سبب ما إن لم نبدأ بتغيير ذهنيات وسلوكات الناس، وهذا تماما ما ينطبق على التدخين، علما أن التدخين هو السبب الرئيسي في الوفيات الممكن تفاديها»، يقول الخبير دون أن يغفل الحديث عن النوع الثاني من التبغ وهو «النارجيلة» التي تعادل النفخة الواحدة أكثر من 40 سيجارة ونفس العدد بالنسبة لـ»الشمة». وأوضح كذلك أن الخطر الصحي السلبي يحوم أيضا حول السجائر المروج لها من طرف بعض الجهات حول كونها مصنعة من دون نيكوتين أو بالأعشاب «وهذا كله غير صحيح وكلام ترويجي هدفه الربح وفقط، لأنها سجائر تحتوي على مواد مسرطنة تسبب عللا صحية أخرى أكثر خطورة»، يقول الخبير دون أن يغفل إبداء ملاحظته حول السيجارة الإلكترونية التي يؤكد أنه شخصيا لا يحبذها إطلاقا كونها تبقي سلوك الشخص متصلا بحمل السيجارة ووضعها في الفم ما يعني بطريقة أوبأخرى إلتصاقا دائما بفعل التدخين.